< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

44/11/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجيّة ظواهر الكتاب.

- الكلام في حجيّة ظواهر الكتاب؟

- البحث في الكبرى وهي أن كان القرآن له ظاهر، لكن ظهوره ليس حجة ولا يجوز لنا الاخذ إلا عن طريق المعصومين (ع).

- دلالة لفظي "تفسير" و " الرأي" وتعليق على ادعاء صاحب الوسائل والتواتر.

- تفسير قوله تعالى: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً﴾ .

- التفسير الأول: إن الشرط وهو الوصفان " الربيبة وفي حجره" مرفوع لكنه ملحوظ بلحاظ الغالبيّة.

 

نعود للدليل الثاني روايات من فسّر القرآن برأيه، سنبحث في دلالة لفظي "تفسير" و "الرأي" ونعلّق على دعوى صاحب الوسائل في كتاب القضاء "تجاوزها حدّ التواتر" [1] .

أما لفظ " التفسير" قد عبّر عنه بعضهم بكشف القناع، كالشيخ الانصاري (ره) وصاحب الكفاية (ره) وغيره.

ويقول ابن منظور في لسان العرب: التفسير هو الإبانة، وفي قوله تعالى: ﴿وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً﴾ [2] ، التفسير: كشف المغطى، والتفسير: كشف المراد عن اللفظ المشكل. ولذلك يخرج بيان الظاهر عن كونه تفسيرا، لانه ليس مغطى، بل هو مكشوف بالاصل وليس مشكلا.

أما لفظ "الرأي" فله احتمالان: الاول: المزاج الشخصي وقد يعبّر عنه بالاستحسان [3] وهو عن غير دليل. والثاني: ما كان عن دليل.

والمراد من فسّر القرآن برأية هنا هو المزاج الشخصي والمصلحة الشخصيّة أو ما يوافق الهوى، من دون دليل، نعم إذا وصل في تفسيره إلى حد القطع واليقين، والقطع حجّته ذاتية فيخرج عن التفسير بالرأي الممنوع منه شرعا.

لاحظ رواية العياشي (ره): "من حكم برأيه بين اثنين فقد كفر". فإن الحاكم لا بد أن يحكم برايه، وهذا الرأي تارة يكون عن اجتهاد ودليل كتطبيق القواعد على المصاديق، وتطبيق الكلّي على الفرد، وتطبيق العام على الخاص، وغير ذلك وصحته أمر وجداني عقلائي غير منهي عنه فهو تطبيق قواعد البرهان، ولا شك في حجيّته. وتارة يكون عن مزاج واستحسان على أن لا يصل حدّ القطع، فالمنهي عنه هو الثاني.

ولنعط مثلا على ذلك أبتلينا به: وهو في تفسير قوله تعالى: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً﴾ [4]

لو خلينا وشأننا فإن ظاهر الآية الكريمة إشتراط حق الردّ للزوج في العدّة الرجعيّة بإرادة الإصلاح، وهذا هو منطوق الآية، أن موضوع حق الردّ مشروط بإرادة الإصلاح، ومعرفة إرادة الاضرار دون الإصلاح من الزوج يكون في مرحلة الاثبات وليس في تحقق الموضوع الحكم.

إلا أن الإجماع من المسلمين الشيعة والسنّة قد ذهب إلى صحة الرجوع ولو مع عدم إرادة الإصلاح، بل ومع إرادة الاضرار، فوقع التنافي بين ظاهر الآية بشرطية إرادة الإصلاح لحق الرجوع والإجماع على عدمه.

فكيف يمكن رفع هذا التنافي، وهل هناك أمر مخفي لا نعلمه من هذا الاجماع المنقول الذي هو بحكم المحصّل لانه ليس هناك معارض؟

وهناك آية أخرى مفسّرة بهذا الموضوع وفيها النهي عن الاضرار، قوله تعالى: ﴿وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ [5]

سنبيّن ما فسّرت به الآية من أقوال، ونظهر كيفية التفسير بالرأي الذي هو المنهي عنه:

الأول: إن الشرط مرفوع لكنه ملحوظ بلحاظ الغالبيّة، إذ أن معظم الأزواج يريدون الإصلاح. وهذا نظير قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ... [6] ، ظاهر الآية أن موضوع التحريم وصفان، أن تكون البنت الزوجة ربيبة وفي الحجر.

لكن فتوى واجماع الفقهاء على تحريم بنت الزوجة ولو بدون على كلا الوصفين: الربيبة وكونها في حجره، بل حرّموا بنت الزوجة مطلقا ولو لم تكن في حجره.

إذن هناك وصفان: "أن تكون البنت ربية" وفي "الحجر" لم تأخذهما الفتوى ولا الاجماع بعين الاعتبار، مع ان الظاهر من الآية اشتراطهما فيقع التنافي بين الظاهر والاجماع والفتوى.

لرفع التنافي قالوا نرفع اليد عن هذين الوصفين بالحمل على الغالب من كون الزوجة حين تتزوج تبقي ابنتها معها عادة.

والجواب: إن مخالفة الظاهر والحمل على الغالبيّة في آية الربائب يجب ان يكون مستندا إلى دليل، مثلا إلى بعض الروايات التي لا تخلو من اعتبار، ولو لا تلك الروايات لكان اسقاط الوصفين عن موضوع التحريم في الآية تفسيرا للقرآن بالرأي المنهي عنه، ومع عدم الدليل اخذنا يظاهر الآية واخذنا بالوضفين الشرطين فيها لتحرم بنت الزوجة بالشرطين.

أما في قوله تعالى: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً﴾ فلا يوجد أي نصّ أو أمارة أخرى تدل على اسقاط الشرط من موضوع حق الإرجاع، وما دفع المفسّرين إلى التدخل في دلالة الآية على خلاف ظاهرها هو الاجماع على خلافه، والاصحّ أن نسميّه إتفاقا على فتوى وليس على تفسير الآية.

والفرق بين الاتفاق والإجماع ان الإجماع في الاصطلاح ما يكشف عن رأي المعصوم (ع) بخلاف الأول فالإجماع حجّة بخلاف الاتفاق. هكذا يمكن ان يكون الاصطلاح. وهذا الاتفاق قد يكون منشؤه أمور متعددة لان الفتوى قد يستدل عليها بادلّة مختلفة، قد يستدل بالرواية أو بالدليل اللفظ أو بالاصل العملي أو ببناء العقلاء أو بسيرة العقلاء، هذا الاتفاق لا يكشف عن رأي المعصوم إلا بناء على قاعدة اللطف.

وهذا من باب التفسير بالرأي المنهي عنه، وقال بعضهم في تفسير الآية أنه تحريض على الاصلاح، وآخرون قالوا بالغالبيّة، وغيرهم حمله على الحكم التكليفي، سنبيّن كل هذه الآراء والرد عليها.

إذن هذا الإجماع هو اجماع على الفتوى والحكم، وليس إجماعا على تفسير الآية، فيكون تفسير الآية بأنها واردة مورد الغالب تفسيرا بالرأي، لا تفسيرا بالنص ولا ظهورا، وهذا هو المنهي عنه.

هذا، مع الاشكال في أصل حجيّة الإجماع، وما أحسن ما ذكره الشيخ الأعظم الانصاري (ره) عندما قال في مقدمة بحث الاجماع في رسائله: "هم أصل له وهو أصل لهم"، وتحليلي الشخصي في كيفيّة دخول الاجماع إلى مدارك الأحكام عند علماء الشيعة هو أنهم كانوا قلّة قليلة في بحر من أبناء العامّة، فذهبوا مداراة لهم إلى جعله من مدارك الاحكام الشرعيّة، وبعد ذلك أرادوا توجيهه على حسب قواعد مذهبنا فقالوا: إنما يكون دليلا إذا كشف عن رأي المعصوم (ع)، ثم اختلفوا في كيفيّة الكشف، فذهب بعضهم إلى قاعدة اللطف كالشيخ الطوسي (ره)، وآخرون إلى الكشف الحدسي، وآخرون إلى الكشف العادي.

إلا اننا نقول: ان مخالفة الاجماع مشكل، والعمل به أشكل، إذ لا دليل واضح عندنا على حجيّته.

ثم إن الإجماع لم يتم على تفسير الآية، بل على الفتوى والحكم، لرفع التنافي ورفعنا اليد عن ظهور الآية، فكان هذا التفسير من مصاديق التفسير بالرأي. هذا بالنسبة إلى حجيّة الإجماع.

هذا الإجماع لا يكشف حدسا عن رأي المعصوم (ع)، نعم يكشف عنه قاعدة اللطف التي لا تنطبق هنا.

واما بالنسبة إلى كشفه عن رأي المعصوم (ع) فكيف يتمّ ذلك؟!

اولا: وهو مخالف لظاهر القرآن.

ثانيا: مع تأييد خلافه بالاصل العملي وهو استصحاب الحالة السابقة وهي الطلاق.

ثالثا: تأييده بأصالة الفساد، أو أصالة عدم ترتب الأثر للإرجاع.

رابعا: اعتضاده بانه خلاف الاعتبار اإنساني حيث لا يحق للزوج إرجاع زوجته لو كان ظالما لها.

 


[1] عرفنا التواتر سابقا: بأن الخبر على قسمين: قسم مقطوع إما متواتر وإما محفوف بقرينة. والمتواتر هو اتفاق جماعة يمتنع عقلائيا وليس عقلا تواطؤهم على الكذب.
[3] قياس أبو حنيفة شيء والاستحسان شيء آخر. القياس هو محاولة استظهار أو الظن بالعلّة المشتركة. اما الاستحسان في اصطلاح أهل علم الأصول من العامّة هو تقديم قياس خفي على قياس جلي، وله تعريفات أخرى عندهم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo