< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/05/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ادلّة القول بحجية خبر الواحد:

     ردّ الاشكال على كون الجهالة بمعنى السفاهة وهو ان الوعي الجمعي أضعف من الوعي الفردي.

     ردّ السيد الخوئي (ره) والتعليق عليه.

     لو سلّم بنا الجهالة بمعنى الجهل وعدم العلم، تعارض المفهوم مع عموم التعليل، ور نقدّم عموم التعليل.

 

رد الاشكال على دلالة الآية بانها بمعنى السفاهة وان الاصحاب من العقلاء وليسوا سفهاء، فردّ فعلهم لم يكن سفها.

السيد الخوئي (ره) يجيب على ذلك، ونحن سنبيّن كلامه (ره)، ثم نبيّن ما نذهب اليه، وملخصا نقول: انه أحيانا العقل الجمعي يكون اقل وعيا من العقل الفردي، وهذا التعبير موجود في علم الاجتماع، ولكن فليكن التعبير بالوعي الجمعي أحيانا أقل إصابة من الوعي الفردي.

يجيب السيد الخوئي (ره): الاشكال مندفع بان الاصحاب لم يعلموا بفسق الوليد فاقدموا على ترتيب الأثر على خبره، فاخبرهم الله سبحانه بلسان نبيّه (ص) بفسقه، وان العمل بخبره بعد ثبوت فسقه سفاهة، ولو فرض علمهم بفسقه كان إقدامهم على العمل بخبره لغفلتهم عن كونه سفاهة، فإنه قد يتفق صدور عمل من الإنسان غفلة، ثم يلتفت إلى كونه مما لا ينبغي صدوره وأنه سفاهة. كلامه (ره) يحتاج إلى لتوجه لانه من العلماء الاساطين في علم الاصول.

أقول: انه في علم الاجتماع ذكروا مسألة هي ان الوعي الجمعي أقل من الوعي الفردي، تفكير الفرد اسلم مما لو كان مع جماعة، الجو العام يؤثر على الفرد، فالجو الذي يخلقه الاعلام والدعاية مثلا يؤثر على الفرد والمجتمع، حينئذ لا يكون التفكير سليما، والامثلة كثيرة على ذلك ذكر سماحة الأستاذ الكثير منها، ونذكر منها:

الجو العام السائد عند العامّة عن الشيعة وعدم محاولة فهمهم للتشيع. والسائد عندهم أيضا كجو عام ان سب الصحابة كفر، من قال ان الكبرى بان سب الصحابة كفر، كان بعضهم من المنافقين. وذكر يوم بعاث بين الأوس والخزرج قبل الإسلام إلى ان جاء الإسلام والّف بينهم. وجاء اليهودي قد ساءه ما رآه من الإلفة بينهم وأعاد احياء الخلاف بينهم بذكر الواقعة بينهم واشعلت الحميّة الجاهليّة في نفوسهم وسبوا بعضهم، وكان يوشك ان تعود الحرب بينهم، فاسرع رسول الله (ص) وأعاد الوفاق بينهم، ومع ذلك لم يكفرهم رسول الله (ص). فهذا الجو العام الموجود عند بعض المسلمين ليس مبنيا على منطق شرعي بل على جو جمعي يعمي ويصمّ.

امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) سبّه احد المسلمين، فأراد بعض الاصحاب النيل منه عضبا، فقال لهم: "سب بسب او عفو عن ذنب"، وما قال ان الساب صار كافرا، وله حكم الكافر.

لذلك قيل: "إن الإنسان ابن بيئته" فقد يتخلق أو يتصرّف أو يقوم بافعل لا يدري سببها.

وجاء رجل إلى رسول الله (ص) وقال له اوصني، فاوصاه الرسول (ص) بان لا يغضب، عاد الرجل إلى قومه ووجدهم سيقتتلون مع قوم آخرين، بانفعال من دون تفكّر أراد ان يكون مع قومه في القتال " انصر اخاك ظالما أو مظلوما" لكن تذكر وصية رسول الله (ره) انه اوصاه بعدم الغضب هدأ وفكر ووجد ان الخلاف تافه، واصلح بين قومه والآخرين.

ولعلّ أهل المدينة عندما تلقيهم خبر الوليد بالقبول ثم أرادوا ترتيب الأثر عليه من باب خضوع النفس البشريّة للقوي، فإن الوليد كان شخصية دنيويّة ومن وجهاء قريش، هو من الملأ، لكنه كان فاسقا وحارب الإسلام مع ابيه عقبة، وقتل عقبة في وقعة بدر، لكن غضبوا سريعا، انفعلوا وارادوا غزو بين المصطلق، لذلك جاء التوبيخ لهم على هذا المسلك السفيه ونهاهم عن هذا الفعل، وهذا الفعل السفيه ككبرى يرفضه العقلاء.

أي: كيف تعملون بخبر الوليد رغم انكم تعلمون فسقه، لا تأخذوا بالخبر لمجرّد كونه من كبير او وجيه. ويشير إلى ذلك قوله تعالى: "فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" أي تعملون عملا سفيها، اما العمل بغير علم أحيانا لا يكون من السفاهة، بدليل ان خبر الواحد الثقة لو عملت به وكان خطأ، عند العقلاء لا يعدّ العمل به سفها، ولا تصبح نادما.

لذلك نقول أن الانفعال من الصحابة كان من باب الوعي الجمعي وليس من باب العقل الفردي. وكمثال واضح حديث الغدير وتولية امير المؤمنين بعد حوالي شهرين بالوعي الجمعي السلبي الذي اوجده أبو بكر وعمر الكثير من الناس الولاية، فكانوا كالصم البكم، لاحظ ما قاله حذيفة بن اليمان وهو من الصحابة الاجلاء عندما سئل: لماذا تركتم نبيّكم في ولاية علي بن ابي طال؟ قال: يا ابن اخي لا تلمنا، فلقد اخذنا من بين أيدينا ومن خلف اظهرنا. وهذا موجود أيضا في عالمنا وخطير جدا، فلا يبقى عقلاء.

لذلك فالآية لا علاقة لها بمسألة العمل بالعلم أو عدم العلم، بل ظاهرة في التوبيخ والردع لهذه السيرة البشريّة المنتشرة، كما تسمى بالعقل الجمعي أو الوعي الجمعي أو الانفعال البشري، كما يقال: الناس على دين ملوكهم. نعم إذا كان التفكير الجمعي استشاريا من باب المشاورة كان جيدا: وقد ورد: "من شاور الناس شاركهم في عقولهم".

وثانيا: لو سلّم بأن الجهالة بمعنى الجهل مقابل العلم، فإن عموم التعليل: "ان تصيبوا قوما بجهالة" محكوم للمفهوم وليس العكس. أي انتم قلتم ان هناك تعارضا بين المفهوم وعموم التعليل، أذ لو كان الجهل بمعنى عدم العلم فهو يشمل خبر الفاسق والعادل، والمفهوم يؤدي إلى حجيّة خبر العادل فقط، فصار التعارض بين المفهوم وبين التعليل، فقالوا نقدم التعليل على المفهوم، وسنرى العكس ونرى ان التعليل محكوم للمفهوم وليس العكس. ويأتي بيانه:

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo