< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/07/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: لو تعارض الأصل مع الخبر، أي مع الامارة ماذا نفعل؟

     مثال الأصل التنزيلي اصالة الحليّة: كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام".

     توسيع الحليّة إلى ما يشمل الحليّة المشكوكة.

     جريان احكام الحليّة المعلومة مثل: "ما كان اكله حلال فمدفوعه طاهر" على الحليّة المشكوكة بعد التوسيع والاعتبار.

     الأصول ثلاثة اقسام: نافية للتكليف كالبراءة العقليّة والشرعية، ومثبتة للتكليف كالاشتغال، وتارة نافية وتارة مثبتة كالاستصحاب.

 

قلنا ان في القطع صفتان خاصتان فيه: الكاشفية التامّة، ووجوب الجري العملي عليه ذاتا. وفي الأمور الأخرى ليست ذاتية.

فإذا كان المجعول من جهة الكاشفية فالأمارة تتميم الكاشفية، ولذا عرّفنا الامارة بانها ما كانت كاشفة ولكن كشفها ليس ذاتيا بحاجة إلى تتميم.

والصفة الأخرى هي وجوب الجري والعمل على طبقه، فوجوب الجري تارة يتم بلحاظ الاحتمال، وتارة بلحاظ المحتمل.

بلحاظ الاحتمال ان تم تنزيل الاحتمال منزلة اليقين هذا ما سماه الشيخ النائيني (ره) الأصل المحرز. وان تم تنزيل المؤدى منزلة الواقع سماه الأصل التنزيلي.

مثال الأصل المحرز الاستصحاب. ومثال الأصل التنزيلي: أصالة الحليّة. [1]

ففي مثال الأصل التنزيلي قاعدة الحلّة في قوله (ع):" كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه" . فعند النائيني (ره) هذا أصل تنزيلي اخذ الشك فيه فليس امارة ، حيث نزّلت الحليّة المشكوكة منزلة الحليّة الواقعيّة، أي صار الحلال يشملها.

وثمرة هذا الرأي هو في الاحكام المترتبة التي يكون موضوعها الحلال، فمثلا في بعض الروايات ما مضمونه " كل ما حلّ أكله كان مدفوعه طاهرا"، فالبقر والغنم والدجاج وغيرها مدفوعاتها طاهرة، أما القطة والنمر والأسد فمدفوعاتها نجسة. فالمدار في طهارة المدفوع هو حليّة الاكل. فإذا شككنا في كون الحيوان له نفس سائلة كالكنغر، فهل مدفوعه طاهر؟

إن تطبيق: " كل شيء لك حلال" يؤدّي إلى حليّة الأكل، وبناء على أنه أصل تنزيلي معتبر نزل المحتمل منزلة الواقع، أي أصبح حلالا اعتبارا، وبلحاظ الرواية أمكن الحكم بطهارة مدفوعه.

فأصل الحليّة أصل تنزيلي عند النائيني (ره)، وببركته تمّ إثبات طهارة المدفوع. [2]

وأما الأصل المحرز فهو تنزيل الاحتمال منزلة العلم، ومثاله الاستصحاب: "لا تنقض اليقين بالشك ولكن تنقضه بيقين آخر" فقد نزّل الاحتمال منزلة العلم، فكما يجب الجري العلمي على طبق العلم والقطع، كذلك يجب الجري العملي على الاحتمال. فيكون المعنى: "إذا شككت في البقاء فابن على العلم بالبقاء، أي اعتبر شكك علما.

ثمرات الناحية الفقهية كثيرة جدا، كل موارد الاستصحاب.

ومن الثمرات من الناحية الاصوليّة: تقديم الاستصحاب على البراءة لو تعارضا، فالاستصحاب اصل مثبت وهو تنزيل الاحتمال منزلة العلم، اما البراءة فيها شك، والعلم مقدّم على الشك فيقدم الاستصحاب.

فمثلا: صلاة الجمعة هل هي واجبة في زمن الغيبة؟

فكأن يقول النائيني (ره): مقتضى استصحاب الوجوب زمن الحضور هو البناء على البقاء، أي يكون الشك كالعلم، فاستصحب العلم بوجوبها، واعتبر العلم بالوجوب مستمرا.

ومقتضى البراءة هو عدم الوجوب لأن الشك في التكليف، فأقدّم الاستصحاب من باب تقديم العلم الاعتباري على الشك. وهذا هو الأصل المحرز، أي تنزيل الاحتمال منزلة الشك.

تلخيص ما مضى: القطع له كاشفية وجري عملي وتنجيز وتعذير، فإذا اعتبرت بلحاظ الكاشفية فهو أمارة أي التي لا تفيد علما كالشهرة والاجماع المنقول والأخبار والظن المطلق وغيرها. أما إذا كان بلحاظ الجري العملي فهو أصل، هذا الأصل تارة يكون بلحاظ الاحتمال، وتارة يكون بلحاظ المحتمل. فإن كان من الأول أي تنزيل الاحتمال منزلة اليقين فهو أصل محرز، وان كان من الثاني أي تنزيل المحتمل منزلة مؤدى الواقع فصار أصل تنزيلي.

ثم إنه على كلا القسمين فإن الأصول العملية على ثلاثة أقسام بلحاظ التكليف:

أ- أصول نافية للتكليف دائما كالبراءة العقلية والبراءة الشرعية، فهي تنفي الالزام سواء كان وجوبيا أم تحريميا.

ب- أصول مثبتة للتكليف دائما كأصالة الإشتغال، لأن الإحتياط يقتضي الالزام على نحو إما فعل جميع الأطراف في الشبهة الوجوبية، او تركها جميعا في الشبهة التحريمية، او ترك بعضها إلزاما –على بعض الآراء- في الشبهة التحريمية.

ج- أصول تارة مثبتة للتكليف وأخرى ليست كذلك كالاستصحاب.

بعد هذه المقدمة في الاصطلاحات فلنرجع إلى بحثنا: إذا تعارض الأصل مع الخبر ماذا نفعل؟

هل دائما يقدّم الخبر او لا يقدّم؟ هل دائما يجري الأصل أو لا يجري الاصل؟

فها هنا حالات، والكلام على رأيين: تارة عندما نقول الخبر حجّة كخبر بالآيات والروايات أو السيرة، وتارة الخبر حجّة من باب العلم الإجمالي، أي أصل حجيّة الخبر ما هو؟ هل تفترق الحالتان؟

لهذا البحث ثمرات عدّة، فإذا كانت الحجيّة من باب العلم الإجمالي فيجب العمل بالكتب الأربعة حتى الحديث الضعيف فيها، لكن هذا العمل هل يقدّم على الأصل أو لا؟ لان العلم الإجمالي مورده الاحتياط وهو اصل عملي، فيكون قد تعارض الأصل العملي مع الأصل العملي، فأيها نقدّم؟

 


[1] الفرق بين الاصل العملي والأمارة: كل ما اخذ الشك فيه وكان بلحاظ الجري فهو اصل عملي وكل ما كان كاشفا ولوحظ الكشف فقط فهو امارة، بالنتيجة تنتفي تسمية القاعدة.
[2] الفرق بين الموضوع والمورد: مثلا الاخبار موردها الشك، كما إذا شككت في قتل الافعى فابحث فاجد خبر دون الالتفات للشك، لكن مورده الشك. اما الاصول فموضوعها الشك، أي أن الشك اخذ في الاصول، أذا شككت فارجع للأصل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo