< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/10/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: في ختام الكشف العلم والعلميات

 

     هل عمل المشهور هل يجبر ضعف الرواية وهل اعراض المشهور يوهن الرواية المعتبرة؟

     يمكن لهذه المسألة ان تكون من تطبيقات المسألة السابقة، أي نعود الجذور، أي إلى اصل دليل حجيّة الخبر.

     إن حمل العلماء اللفظ على معنى، وهذا المعنى يغاير ما افهمه، فهل يكون حملهم حجّة عليّ؟

     لا يبعد ذلك إن كان استظهارهم من حاق اللفظ، اما لو كان ناشئا من أمور أخرى كالبيئة الخاصّة فلا يكون حجة عليّ.

 

ومن التفريعات: عمل المشهور هل يجبر ضعف الرواية وهل اعراض المشهور يوهن الرواية المعتبرة أو الاجماع المنقول المعتبر أو الاستحسان المنقول المعتبر أو القياس المعتبر، كل الامارات العلميات؟

هذه المسائل تشترك فيها جميع العلميات. هذه المسألة مرّت سابقا، وقلنا في حينه أن عمل المشهور لا يجبر ضعف الرواية وإن أورث ظنا. نعم، إذا أورث اطمئنانا بصحة الرواية فيكون حجة لان الاطمئنان حجّة.

وهكذا اعراض المشهور، فان اورث اطمئنانا بضعف الرواية فالأمر كذلك، لان الاطمئنان حجّة.

وان لم يورث اطمئنانا، بل اورث مجرّد ظن فحينئذ تكون المسألة من تطبيقات المسألة السابقة في اختلاف المباني في حجية الخبر. والذي أميل إليه هو عدم التوهين بالإعراض مطلقا.

فالبحث في المسألة هو في الظن الذي لا يصل إلى حدّ الاطمئنان، فهل هذا يضعّف الرواية فلا يجب العمل بها؟

مورد البحث ان هؤلاء الفقهاء والاصحاب من نحسن الظن بهم كثيرا، وهم يرون الرواية معتبرة، ومع ذلك تركوها ولم يعملوا بها، هذا امر مستغرب، ولذلك عند بعضهم: "ان الرواية كلما ازدادت قوة سندا واعرض عنها المشهور كلّما ازداد ضعفها"، نعم، لو علمنا السبب في الترك، ولعلّ السبب انها تختلف مع أصل عام، أو لوجود رواية معارضة قويّة، أو لوجود قرائن خاصّة، فإذا علمنا السبب نعود أليه.

ونذكر اننا بحثنا سابقا معنى تسمية "باب النوادر" الذي احد تفسيراته "بانه الرواية المعتبرة التي لم يعمل بها"، ونحن لم نسلّم بذلك.

فإذا لم يورث الظن اطمئنانا، بل بقي مجرّد ظن حينئذ تكون المسألة من تطبيقات المسألة السابقة، أي اعتبار الرواية الموثوقة هل يشترط في حجيتها عدم قيام ظن على خلافها؟

ملخصا قلنا ان المسألة مبنائية: إذا كان دليل الحجيّة والاعتبار أو التعبّد هو نص لفظي فنأخذ بالإطلاق، كما في آية التبيّن وآية النفر حيث انها مطلقة تشمل الرواية التي قام الظن على خلافها والتي لم يقم.

اما إذا كان دليل الحجيّة الاجماع وهو دليل لبي ليس فيه اطلاق فنقتصر حينئذ على القدر المتيقّن وهو خصوص الظن بحصول الخبر الذي لا يقوم ظن على خلافه.

اما إذا كان الدليل سيرة العقلاء، فنرجع إلى العقلاء، وقلنا ان العقلاء يعملون بالخبر الثقة أو الموثوق ولو قامت الشهرة على خلافه. فمع وجود سند معتبر هل نعمل بالظن على الخلاف؟ ونحن ذهبنا إلى حجية الخبر من باب سيرة العقلاء.

فلنطبق المسألة السابقة على هذه المسألة نقول: إذا وجد خبر ثقة عن ثقة عن ثقة، السند صحيح معتبر قوي لكن مشهور الفقهاء أي الشهرة على خلافه، هل تسقط الرواية او لا؟

فنقول: نرجع إلى دليل حجيّة الخبر ان هذه الرواية ما دليل حجيتها؟

إن كان النص، كآية النبأ أو الكتمان أو غيرها من الآيات، فلفظها مطلق، لم تقيّد، فتشمل اقسام الخبر سواء قام الظن على خلافه أم لم يقم، فالخبر حجّة.

وإذا قلنا ان الدليل هو الاجماع على حجية الخبر الاجماع دليل لبي نقتصر فيه على القدر المتيقّن الذي هو خصوص ما لم يقم الظن على خلافه.

وإذا قلنا بان دليل حجية الخبر هو سيرة العقلاء -كما نذهب اليه وهو الصحيح – وان كان دليلا لبيا فاننا سنقتصر فيه على القدر المتيقن في ما لو شككنا، لكن الظاهر ان العقلاء يعملون بالخبر حتى لو قام الظن على خلافه إذا كان خبر ثقة.

ومن الفروع التي ذكروها: إذا حمل جماعة من العلماء اللفظ على معنى لم يكن ظاهرا فيه بنظرنا، مع كونهم من أهل الخبرة في اللسان العربي ومن أهل العرف، فهل يستكشف من حمل العلماء بأن اللفظ ظاهر في المعنى الذي حملوه عليه ولو لم افهمه؟

مثلا: في روايات جواز النظر إلى المرأة التي يريد الزواج منها، ورد انه يجوز النظر اليها ولمحاسنها معللاّ: " فانه مستام يشتري بأغلى ثمن "، فإنهم استظهروا أن المراد من الثمن هو المهر، فهل يكون ظاهرا في ذلك باعتبار ان المراد من الظهور هو الذي يفهمه أهل العرف حتى اللفظ، والمفروض انهم فهموا ذلك المعنى وهم من أهل اللسان والعرف اللغوي.

وانا استظهرت غير ذلك، وفهمت أن المقصود من الثمن هو شراء الحياة الزوجية الكاملة وهي أهم من المال. فجواز النظر عندنا هو لرفع الغرر من وجود عيب محتمل، فجاز له النظر للمرة الأولى دون غيرها مع نيّة الزواج، أيضا الأمور التي يعلم بانه لا وجود لخلل وعيب فيها حتى المحاسن لا يجوز له النظر اليها بناء على ما ذكرنا وهو رأينا، وان كان يجوز النظر بالمطلق كما قالوا. فالمراد من وجهة نظرنا من الرواية هو رفع الغرر.

أقول: إن كان استظهارهم من نفس اللفظ من دون قرائن على المراد والمعنى الذي استظهروه، فلا يبعد أن يكون ذلك دليلا على المعنى، ولكن إذا احتمل كون ذلك ناشئا من قرائن خارجية أو بيئية خاصّة أو عادات، فلا يكون دليلا، لعدم ثبوت كون الظهور ناشئا من حقيقة اللفظ بما هو.

ومثال آخر: قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً﴾ [1] .

ذهب جمع من العلماء إلى عدم ظهور "إن" في الشرطيّة بل كان ذلك لمجرّد التشجيع على الإصلاح. ويحتمل ان تكون "إن" للظرفية. هل استطيع أن اعرض عنهم أو لا؟

فنقول: إذا احرزنا هذا الاستظهار أنه من نفس اللفظ بما هو، كان الأمر كذلك، والنتيجة ثبوت حق الارجاع للزوج وان أراد الاضرار.

واما إذا احتملنا أن استظهارهم كان لقرائن خارجية، كالشهرة على عدم حق الارجاع مع إرادة الاضرار، أي من المشهور استظهر حق الارجاع، أو كون البيئة الخاصّة ضاغطة للفتوى بهذا النحو - وليس ببعيد- أو لنوع من التقيّة أو غير ذلك فلا يكون استظهارهم حجّة.

إلى هنا نكون قد انتهينا من مبحث الكواشف، لأننا عرفنا الأصول بانه بحث عن كواشف فإن لم نجد نبحث عن وظائف. انتهينا من الكواشف أي الامارات جميعا أي العلم والعلميات بأكملها غدا ان شاء الله نشرع بأبحاث الأصول العمليّة.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo