< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/10/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية.

 

     مقدمة ممهدة.

     تعريفنا لعلم الأصول: "ما يبحث فيه عن كواشف فان لم نجد فبحث عن وظائف".

     الكواشف: إما وجدانية وهي خصوص القطع، واما تعبدية وهي الامارات الظنيّة.

     إن لم نجد كاشفا عن الحكم الشرعي نصل إلى وظيفة المكلف وهي ما يسمى بالأصول العمليّة.

الأصول العمليّة:

مقدمة: ذكرنا سابقا أن العلوم تنشأ من حاجات تدفعنا لإنشاء علم، كذلك علم الأصول والفقه وغيرها من العلوم تنشأ من حاجات. ولما اشتغلت الفقهاء بالبحث عن الأحكام الشرعية الواقعيّة، ولذلك سمّوهم مجتهدين، والاجتهاد هو: "استفراغ الوسع للوصول للأحكام الشرعية الواقعية من ادلتها التفصيلية"، وجدوا أن هناك بعض القواعد العامة التي تصلح للاستناد إليها في مقام الاستنباط، ويدّل على ذلك الحديث الشريف، ما في الوسائل:

ح 51 - محمد بن إدريس في آخر السرائر نقلا من كتاب هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنما علينا أن نلقى إليكم الأصول وعليكم أن تفرعوا. ح 52 - ونقل من كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الرضا عليه السلام قال: علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع . [1]

من هنا نشأ علم آخر هو علم بهذه القواعد، وسمّوه علم الأصول، أي الأصل التي استند إليه في مقام استنباط الحكم الشرعي الواقعي.

وقد ذكرنا في بداية الأبحاث الأصوليّة عدّة تعاريف لعلم الأصول منها ما ذكرنا بتعريف السيد الشهيد الصدر (ره) "بالقواعد المشتركة"، وكما ذكرنا التفريق بين المسائل الأصولية وغيرها.

وقد لاحظنا آنذاك أن العلوم يخدم بعضها بعضا، وتكون ترتيبها كدرجات السلّم في كون مسائل الأول تخدم مسائل العلم الثاني، ومسائل العلم الثاني تخدم مسائل العلم الثالث، ولذلك عبّر بعض الأساطين - الميرزا النائيني (ره)- أن المسائل الأصوليّة هي: "ما تقع نتيجتها كبرى في المسائل الفقهيّة"، أي علم الأصول خادم لعلم الفقه. وأيضا هناك خادم لعلم الأصول علم اللغة، وعلم الفلسفة، وعلم المنطق الذي هو خادم لعلم الفلسفة خادم لعلم الأصول، واحيانا علم النحو في بعض المسائل خادم لعلم الأصول.

وعرّفوا علم الأصول بتعاريف عدّة، اشتهر منها: "بأنه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعيّة الفرعية من ادلتها التفصيليّة"، ولما كثرت الإشكالات على هذا التعريف في الطرد والعكس وبأنه ليس جامعا ولا مانعا، عدّله صاحب الكفاية الشيخ الآخوند (ره) بزيادة: "أو التي ينتهي إليها في مقام العمل"، وذلك تفاديا لعدم شمول التعريف للأصول العمليّة، فقال: "وان كان الأولى تعريفه بأنه صناعة يعرف بها القواعد التي يمكن أن تقع في طريق استنباط الأحكام أو التي ينتهي إليها في مقام العمل". [2]

ومع ذلك لم يخلُ الأمر من إشكالات.

وبعضهم كالسيد الخوئي (ره) على ما في بالي يقول في تعريف علم الأصول: "هو ما يكون من قبيل آخر أجزاء العلّة التامّة للوصول إلى المعلول"، فمع الحاجة لكل الكبريات تبقى حاجة نستنبطها كأصالة البراءة مثلا فتكون بمثابة الجزء الأخير من العلّة حتى تتم العلّة فنستنبط الحكم.

وقد وفقني الله لتعريف يتخلّص فيه من كثير من الإشكالات، مختصر مفيد: " علم الأصول هو ما يبحث فيه عن كواشف، فان لم نجد فيبحث فيه عن وظائف".

وميزة هذا التعريف بالإضافة إلى اختصاره وحلاوته اللفظية أنه ينظم الأبحاث الأصوليّة إلى مبحثين مترتبين رئيسيين هما:

مباحث الكواشف الذي يشمل القطع والامارات، أي العلم والعلميات. وهذا اللفظ ينفعنا في تعريف معنى الحجيّة، والحجيّة هي تتميم الكشف، حيث قلنا ان هناك مبنيين في معنى الحجيّة: مبنى صاحب الكفاية (ره) وانها المعذرية والمنجزيّة، ومبنى السيد الخوئي (ره) على انها تتميم الكشف، والصحيح ما ذهب اليه السيد الخوئي (ره) ونحن نذهب اليه، لان المنجزية والمعذرية هي عبارة عن لوازم، فالأفضل التعريف بالماهيّة بدل التعريف باللازم. ويأتي بعده مباحث الأصول العمليّة عند اليأس من الكواشف.

وقد أشكل على التعريف بأن متعلّق الكاشف مطلق، وكذلك متعلّق الوظائف وأنت حذفت المتعلّق، فالمفروض أن يقال: " ما يبحث فيه من كواشف للحكم الشرعي، فإن لم نجد فنبحث عن وظيفة المكلّف".

والجواب: هذا فضول من الكلام، فإننا في صدد الكلام عن استنباط الأحكام الفقهيّة، والفقه هنا بالمعنى الأخص، أي الخاص بشرع الله تعالى لا بمطلق الفقه من أي شرع كان، ولا بمعنى "الفهم".

إذا عرفت هذا: الكاشف عن الحكم الشرعي: إما وجداني عقلي، وإما تعبدي.

الأول: منحصر بالقطع، فالقطع حجته ذاتية، وكشفه عن الواقع أمر تكويني لا يحتاج إلى دليل واعتبار معتبر، والقطع بالحكم يحصل إما بالوجدان -الفطرة-، وإما بخبر متواتر [3] ، وإما بخبر محفوف بقرائن تفيد القطع، وإما بملازمة عقليّة بينه وبين حكم ثابت، وذلك كالتلازم بين وجوب المقدّمة ووجوب ذيها، أو بالتلازم بين الأمر بالشيء والنهي عن ضدّه، أو إمكان اجتماع الوجوب والحرمة وهي ما يسمى بمبحث اجتماع الأمر والنهي، أو الملازمة بين النهي عن العبادة أو المعاملة وفسادها وهذا بغض عن مدى ثبوتها وتفاصيل ذلك وهي ابحاث تناولناها سابقا.


[3] ذكرنا مرارا أن التواتر هو: " ما اخبر به جماعة يمتنع تواطؤهم على كذب". وهذا التعريف تعريف لجوهر التواتر الذي يسبب القطع فيه. واما التعريف الآخر بانه قطع بالصدور ناشيء عن كثرة فلم يتبناه السيد الاستاذ، وقد ذكر سبب ذلك في بحث التواتر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo