< قائمة الدروس

الأستاذ السید عبدالمنعم الحکیم

بحث الفقه

40/03/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: في خصال الكفارة ـ الكلام في كفارة قضاء شهر رمضان.

وكفارة قضاء رمضان بعد الزوال: إطعام عشرة مساكين، فان عجز صام ثلاثة أيام[1] (1)

(1) اختلف الاصحاب على اقوال عديدة:

فالمنسوب إلى المشهور والنهاية، بل عن الانتصار انه مما انفردت به الامامية: هو إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين مد فان لم يتمكن فصوم ثلاثة أيام.

وعن الصدوقين: أنها كفارة الإفطار في شهر رمضان وقد يستظهر التخيير بينها وبين اطعام عشرة مساكين.

وعن ابن البراج ونسب أيضاً الى الشيخين، وسلار، والحلبي، والحلي: أنها كفارة يمين.

وربما نسب إلى الحلبي: أنها صيام ثلاثة أيام، أو إطعام عشرة مساكين.

وعن ابن حمزة في الوسيلة ذلك إذا لم يكن مستخفاً، وإلا فكفارة الإفطار في رمضان.

واستدل للأول بخبر بريد العجلي عن ابن جعفر (ع): "فِي رَجُلٍ أَتَى أَهْلَهُ فِي يَوْمٍ يَقْضِيهِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ قَالَ إِنْ كَانَ أَتَى أَهْلَهُ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَلَا شيء عَلَيْهِ إِلَّا يَوْمٌ مَكَانَ يَوْمٍ وإِنْ كَانَ أَتَى أَهْلَهُ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى عَشَرَةِ مَسَاكِينَ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ صَامَ يَوْماً مَكَانَ يَوْمٍ وَصَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَفَّارَةً لِمَا صَنَع"‌[2] .

وصحيح هشام بن سالم قال: "قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع رَجُلٌ وَقَعَ عَلَى أَهْلِهِ وَهُوَ يَقْضِي شَهْرَ رَمَضَانَ فَقَالَ إِنْ كَانَ وَقَعَ عَلَيْهَا قَبْلَ صَلَاةِ الْعَصْرِ فَلَا شيء عَلَيْهِ يَصُومُ يَوْماً بَدَلَ يَوْمٍ وَإِنْ فَعَلَ بَعْدَ الْعَصْرِ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَأَطْعَمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَفَّارَةً لِذَلِك‌"[3] .

واختلافهما في الوقت الفاصل بين ما تجب فيه الكفارة وما لا تجب حيث جعله الحديث الأول هو الزوال بينما جعله الثاني صلاة العصر، هذا الاختلاف لا يضر فيما نحن فيه من تعيين الكفارة بعد اتفاقهما فيها. كما بينا ذلك فيما سبق.

كما ان اشتمال سند الاول على الحارث بن محمد[4] الذي لم ينص على توثيقه لا يضر في اعتبارها لوثاقة الرجل ظاهرا لرواية ابن ابي عمير عنه وهو من أصحاب الاجماع ولا يروي ولا يرسل الا عن ثقة، وكذا رواية الحسن بن محبوب عنه [5] . ومن الظاهر ان روايتنا صحيحة الى الحسن بن محبوب لان الظاهر ان احمد بن محمد هو ابن عيسى الاشعري. فتكون معتبرة خصوصا مع ظهور اعتماد المشهور عليها وعملهم بها.

وبالجملة لا اشكال في الروايتين سندا ودلالة.

واستدل للثاني: بخبر ابن أبي عمير، عن حفص بن سوقة، عمن ذكره، عن أبي عبدالله عليه‌ السلام: "في الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في قضاء رمضان فيسبقه الماء فينزل، فقال: عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع في رمضان"[6] .

واستشكل فيه سندا للإرسال.

ويرده بان الراوي عن حفص هو ابن أبي عمير الذي هو من أصحاب الاجماع ولا يرسل الا عن ثقة.

وموثق زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه‌ السلام: "عن رجل صام قضاء من شهر رمضان فأتى النساء؟ قال: عليه من الكفارة ما على الذي أصاب في شهر رمضان، لان ذلك اليوم عند الله من أيام رمضان"[7] .

والاشكال فيه: بأن مبنى الحكم فيه على تنزيله اليوم منزلة شهر رمضان، وحيث لا يمكن الالتزام بذلك، لأن مقتضاه عدم الفرق بين ما قبل الزوال وبعده، وهذا لم يقل به احد فلا مجال للاستدلال به فلم يبق إلا الاول الذي لا مجال للاستدلال به بعد إرساله.

مدفوع بإمكان حمل التنزيل المذكور على خصوص حال وجوب الاستمرار في الصوم الذي هو بعد الزوال بقرينة بقية النصوص. على ان الأول بعد ما عرفت من اعتباره كاف في تحقق المعارضة بينه وبين الخبرين الاولين.

وكيف كان فقد قيل في الجمع بينهما وبين الخبرين المتقدمين وجوه:

منها: ما استُظهر من الصدوقين أيضا من التخيير بين مضموني الطائفتين.

وفيه: ان التخيير المذكور ينافي تنزيل يوم القضاء منزلة شهر رمضان لان الامر بكفارة شهر رمضان تعييني في التخيير بين الثلاث بينما هنا يكون الامر تخييريا بين الثلاث وغيرها. وبعبارة أخرى: المنزل عليه ـ وهو شهر رمضان ـ التخيير في كفارته منحصر في الخصال الثلاث بينما في المنزل ـ وهو القضاء ـ التخيير لا ينحصر فيها بل تكون الخصال اكثر، فلا تكون كفارة المنزل عين كفارة المنزل عليه، فلا تتحد الكفارتان كما تقتضيه عبارة التنزيل في الرواية، فراجع. فكيف يمكن العمل بمضموني الروايتين معا؟!

ومنها: ما عن الشيخ ره من حمل الخبرين الأخيرين على الافطار مع الاستخفاف دون الاولين.

ويدفعه انه جمع تبرعي لا شاهد عليه.

ومنها: ما عنه أيضاً من حملهما على ارادة التشبيه في وجوب الكفارة لا في قدرها.

وفيه: انه خلاف ظاهر قوله ع: "عليه من الكفارة ما على الذي أصاب في شهر رمضان" فان وجود "من" تجعل الحديث عن نوع الكفارة لا محض وجوبها.

ومن القريب ان يقال: انه ان امكن الجمع بين الطائفتين بحمل الثانية على الاستحباب فهو المتعين، والا فلا يبعد الرجوع الى الترجيح بالشهرة وغيرها من المرجحات ان وجدت، فتقدم الطائفة الأولى،

واما القول الثالث: وهو قول ابن البراج ونسب أيضاً الى الشيخين، وسلار، والحلبي، والحلي: أنها كفارة يمين. فلا دليل عليه.


[4] هو ابن محمد بن النعمان مؤمن الطاق.
[5] الذي هو من أصحاب الاجماع على قول.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo