< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

40/01/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضـوع: المحقق للوطن الشرعي/ الوطن الشرعي/ أحكام الوطن/ قواطع السفر/ صلاة المسافر.

ما هو المحقق للوطن الشرعي؟:

ثمَّ لو تمت دعوى استفادة الوطن الشرعي من الأدلة، فإنه يقع الكلام في المحقَّق له، والمشترط فيه، فقد عرفت أن الإسكافي ذهب إلى كفاية مطلق الملك، من دون اشتراط أن يكون له فيه منزل قابل للسكنى، وأن يكون قد استوطنه ستة أشهر.

دليله على ذلك مثل صحيحة عمران بن محمد الوارد فيها أن له ضيعة على خمسة فراسخ يخرج إليها ويُقيم فيها الثلاثة أيام والخمسة، حيث يسأل الإمام (ع) عن حكم صلاته، وأجابه: "بأن يقصر في الطريق ويتم في الضيعة"[1] .

وصحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي، حيث ورد في جواب الإمام (ع): "إذا نزلت قراك وأرضك فأتم الصلاة، وإذا كنت في غير أرضك فقصر"[2] .

وموثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام "في الرجل يخرج في سفر فيمر بقرية له أو دار فينزل فيها، قال: "يتم الصلاة ولو لم يكن له إلا نخلة واحدة ولا يقصر، وليصم إذا حضره الصوم وهو فيها"[3] .

ورواية البزنطي الضعيفة بسهل، "قال؟ سألت الرضا (عليه السلام): عن الرجل يخرج إلى ضيعته فيقيم اليوم واليومين والثلاثة أيقصر أم يتم؟ قال: يتم الصلاة كلما أتى ضيعة من ضياعه"[4] .

ورواية موسى بن الخزرج قال:" قلت لأبي الحسن عليه السلام: أخرج إلى ضيعتي ومن منزلي إليها أثني عشر فرسخا، أتم الصلاة أم أقصر؟ فقال: أتم"[5] . أقول: هذا محمول على الاتمام في الضيعة لا في الطريق لما مر.

هذا ما يصلح لأن يكون مستنداً للإسكافي على كفاية مطلق الملك من دون اشتراط أن يكون له منزل صالح للسكنى، ولا اشتراط التوطن فيه مدة ستة أشهر.

إلا أنه ابتلي بروايات أخرى معارضة لها من قبيل: رواية محمد ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "من أتى ضيعته ثم لم يرد المقام عشرة أيام قصر، وإن أراد المقام عشرة أيام أتم الصلاة"[6] .

وصحيحة علي بن يقطين قال: "سألت أبا الحسن الأول (عليه السلام) عن رجل يمر ببعض الأمصار وله بالمصر دار وليس المصر وطنه، أيتم صلاته أم يقصر؟ قال يقصر الصلاة، والصيام مثل ذلك إذا مر بها"[7] .

وصحيحته الأخرى الوارد فيها قوله (ع):" كل منزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير"[8] .

والثالثة الوارد فيها: "كل منزل لا تستوطنه فليس لك بمنزل وليس لك أن تتم فيه"[9] .

وصحيحة سعد بن أبي خلف قال: "سأل علي بن يقطين أبا الحسن الأول (عليه السلام) عن الدار تكون للرجل بمصر والضيعة فيمر بها، قال: إن كان مما قد سكنه أتم فيه الصلاة وإن كان مما لم يسكنه فليقصر"[10] .

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) "في الرجل يسافر فيمر بالمنزل له في الطريق يتم الصلاة أم يقصر؟ قال: يقصر إنما هو المنزل الذي توطنه"[11] .

وصحيحة محمد بن إسماعيل ابن بزيع عن أبي الحسن (عليه السلام) "قال: سألته عن الرجل يقصر في ضيعته، فقال: لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيام إلا أن يكون له فيها منزل يستوطنه، فقلت: ما الاستيطان؟ فقال: أن يكون فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر فإذا كان كذلك يتم فيها متى دخلها"[12] .

ولا إشكال في حصول التعارض ما بين صحيحتي عمران بن محمد وإسماعيل بن الفضل الهاشمي الدالتين على وجوب التمام، وعدم ثبوت التقصير فيمن أتى ضيعته، مع ما دل على وجوب القصر بالمرور على الضياع، وأنه يُقصر الصلاة إذا صلَّى في ضيعته، بنحو التباين، حيث دلت تلك الروايات بالمطابقة على ثبوت التمام، ونفت التقصير بالالتزام، الذي أثبتته هذه الروايات بالمطابقة ونفت التمام بالالتزام.

إلا أنه توجد إلى جنب هذه الروايات روايات أخرى أخص ومفصَّلة لما هو موضوع التمام والقصر بالنسبة للضياع والأمصار.

أقول: أولًا أن حديث التعارض بنحو التباين إنما يتم لو كان مفاد الروايات الدالة على ثبوت التمام قد دلت على أن تمام الموضوع للتمام أن تكون له ضيعة أو دار في المصر، وأن ثبوت هذا الموضوع موجب لفعلية التمام عليه، وأن الروايات الدالة على القصر النافية لوجوب التمام تنفي موضوعية ثبوت الملك في الضيعة والدار في المصر بالنسبة لوجوب التمام، حيث يحصل التعارض بين الطائفتين المثبتة للتمام النافية للقصر، والمثبتة للقصر النافية للتمام، إلا أن ذلك غير مُحرز في المقام، إذ لا مانع من أن تكون الروايات المثبتة للتمام في الجملة، وإن لثبوت ملك له في الضيعة والدار في المصر بنحو موضوعية لوجوب التمام، لا أنها تمام الموضوع الموجب للتمام بالفعل، وأما الروايات النافية للتمام المثبتة للقصر فإنها تنفي ذلك بالفعل، أي أنه ليس تمام الموضوع لوجوب التمام، فبالتالي لا يبقى هنالك تنافٍ بين الطائفتين المثبتة للتمام بالجملة والنافية له بالفعل.

وثانياً: لو تم هذا التعارض ونظر كل من الطائفتين إلى نفي ما تثبته الطائفة الأخرة، إلا أن وجود الروايات المفصِّلة قد أوضحت متى يجب عليه التمام في الضيعة ومتى يجب القصر، أي أنه يشترط أن يكون له ملك إلا أنه ليس كافياً، بل لا بد أن يكون له فيه منزل صالح للسكنى، مملوك أو حتى غير مملوك، وأن يكون قد توطن فيه مدة من الزمان، فثبوت الملك له دخل في الموضوع إلا أنه ليس تمام الموضوع، وإنما جزؤه، وجزؤه الآخر ما عرفت، وهذا ليس بعزيز، وزان ما لو ورد دليلان أحدهما يوجب إكرام العالم والآخرة ينهى عن إكرامه، وورد دليل ثالث قد فصل فيمن يجب إكرامه ومن يكون منهياً عن إكرامه، فقال: إذا كان العالم عادلاً عاملاً مبلغاً فأكرمه، وإلا فلا تكرمه، فتكون الروايات الشارحة والمفسرة لكل من الطائفتين حاكمة عليهما والشاهدة على الجمع بينهما، واستخلاصهما من التعارض بنحو التباين.

والحاصل: أنه لا يكفي في ثبوت التمام في الضيعة مجرد الملك، بل لاد بد من إضافات على ضوء الروايات الشارحة والمفسرة.

وأما ما ذهب إليه المشهور: أن يكون له فيه ملك مطلقاً مع الاستيطان ستة أشهر مطلقاً على ما في المبسوط والشرائع والإرشاد، بل في المدارك في سائر كتب الفاضل ومن تأخر عنه، وفي الذخيرة والحدائق أنه المشهور بين المتأخرين، بل دعوى الإجماع على كفاية الستة أشهر مطلقاً، كما عن روض الجنان والتذكرة، بل لم ينسب خلاف هذا القول إلا للصدوق.

والاستيطان لا يخلو إما يُراد به الإسكان، أو الإسكان مع عده وطناً عرفاً، فعلى الأول يكون المعتبر في الوطن أمرين: الملك وإقامة ستة أشهر، وعلى الثاني: أموراً ثلاثة مضافاً إلى الأمرين السابقين، يعتبر التوطن العرفي ستة أشهر، فلا بد من حصوله في وقت ما، ولا بد من بقاء الملك حتى يجب عليه التمام.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo