الأستاذ السيد حیدر الموسوي
بحث الفقه
40/03/05
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضـوع: المسألة السابعة/ قصد التوطن الدائم/ المرور بالوطن/ قواطع السفر/ أحكام الوطن/ صلاة المسافر.
المسألة السابعة:"ظاهر كلمات العلماء رضوان الله عليهم اعتبار قصد التوطن أبدا في صدق الوطن العرفي[1] ، فلا يكفي العزم على السكنى إلى مدة مديدة كثلاثين سنة أو أزيد، لكنه مشكل[2] فلا يبعد الصدق العرفي[3] بمثل ذلك والأحوط[4] في مثله إجراء الحكمين بمراعاة الاحتياط"[5] .
ذكر (قده) أن الذي يظهر من كلمات المشهور اعتبار قصد التوطن الدائم، حتى يصدق عليه الوطن العرفي الاتخاذي، فلا يكفي قصد التوطن ثلاثين أو أربعين سنة، ثم إنه (قده) استشكل في مثل ذلك، ثم إنه احتاط بالجمع ما بين حكم التمام والقصر.
أقول: ما يصلح لأن يكون دليلاً على اشتراط التأبيدـ تارة الشهرة، وأخرى بعض النكات المستفادة من طيات كلماتهم.
أما الأول: فهو ما يظهر من كلمات مشهور الفقهاء على اشتراط التأبيد في صدق الوطن العرفي وعدم كفاية قصد التوطن مطلقاً.
إلا أن هذا الكلام على ظاهره لا عبرة به، فإن مجرد ثبوت الشهرة الفتوائية لا يكفي؛ لعدم حجيتها كما هو محرر في محله، وإن شئت قلت: لا مانع من صدق الوطن عرفاً على المكان المتخذ للسكنى مع نية التوطن الدائم، بل هو القدر المتيقين إلا أن ذلك لا ينفي عنوان الوطنية عن قصد التوطن الموقت، لا سيما بميقات طويل نسبياً، كالثلاثين والأربعين سنة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن ما به قوام عنوان الوطنية أعني القصد حاصل على كل حال، إلا أنه مؤجل بأجل طويل.
ولذا ذهب البعض إلى إجراء حكم الوطن عليه، وإن لم يصدق عليه بحسب مصطلح المشهور عنوان الوطن الاتخاذي؛ لعدم ما هو شرط فيه بنظرهم أعني نية التوطن الدائم، كل ذلك فراراً من مخالفتهم، أو لأن المدار عندهم ليس على صدق عنوان الوطن وإنما على اعتباره مسافراً وغير مسافر، أو حاضراً ولا شك أن من سكن قم بنية التوطن أربعين سنة يصدق عليه أنه حاضر وغير مسافر، وإذا كان في رحلة الحج مثلاً ورجع إلى قم يصدق أنه رجع إلى أهله وبلده، لا سيما مع شرائه منزلاً واتخاذه زوجة. والحاصل: أنه لا يعد في قم مسافراً وإن لم يتخذها وطناً دائماً له، بل كان عازماً على العود إلى بلده، بل تعتبر قم منزله وبين أهله الذي يأوي إليهم.
وإن شئت قلت: أن التوطن لم يؤخذ في موضوع الحكم بالتمام حتى نحقق ضابطته وموارد صدقه، بل الموضوع لوجوب التمام كل من ليس بمسافر، سواء صدق على المكان المتواجد فيه عنوان الوطن أو لم يصدق؛ لأن الميزان في إجراء الحكم بوجوب التمام صدق عنوان الحاضر أو غير المسافر، لكونه مسكنه حتى لو كان عازماً على العود بعد مدة، ولو سافر إلى الحج لقيل: أنه سافر ولو رجع لقيل: أنه رجع من سفره، ولا يتصف بالمسافر وهو في ذلك المكان، بل إذا أنشأ سفراً، وبدونه لا يتصف بأنه مسافر.
وأما الثاني: فهنا نكتتان: إحداهما بمثابة النقض، وهو أنه إذا صدق عنوان الوطنية بقصد التوطن بالتوقيت ثلاثين سنة، فكذا يلزم صدقه فيما إذا كان قصد التوطن بالتوقيت سنة، وذلك إما لأن حكم الأمثال واحد، وإما لعدم الفرق بي نظر العرف بين السنة والثلاثين سنة في كون قصد التوطن مدتها لا يوجب صدق عنوان الوطن، بل لا بد من قصد التوطن الدائم.
الثانية: أن قصد التوطن المقوم لعنوان الوطنية لا يجتمع مع التوقيت، ولو بمدة طويلة، لمكان التهافت بينهما، لما في التوقيت بمدة ثلاثين سنة مثلاً من عدم نية التوطن بعد تلك المدة المنافي لقصد التوطن الموجب لزوال عنوان الوطنية، فالجمع بينهما جمع بين المتهافتين.
أقول: أما ما ذكر ثانياً فجوابه: أن قصارى ما يقتضيه هو عدم التوقيت بأجل، ولو طويل، وهذا يكفي فيه السكنى مع القصد التوطن بشكلٍ مطلق لا بقيد التأبيد، فإن التقييد بأجل مانع وقادح، لا أن التأبيد شرط، والفرق بين المقامين واضح.
وأما ما ذكر أولاً فجوابه: حكومة العرف بالفرق ما بين قصد التوطن سنة، وقصد التوطن ثلاثين سنة، لوضوح صدق عنوان الوطنية بنظر العرف في الثاني بخلاف الأول، ولو لأجل طول المدة. وإن أبيت عن ذلك إلا أن من قصد التوطن الثلاثين والأربعين سنة في قم مثلاً يصدق أنه حاضر بين أهله وفي منزله وغير مسافر إلا بإنشاء سفر إلى الحج مثلاً، وإذا ما رجع يصدق أنه رجع من سفره، سواء صدق عليه عنوان الوطن بنظر العرف أو لم يصدق، لكفاية أنه غير مسافر، وبذلك يثبت إلى جنب كل من الوطن الأصلي والاتخاذي ما يلحقه حكم الوطن من وجوب التمام والصوم، وإن لم يصدق عليه عنوان الوطن؛ لكونه مؤقتاً ولو بمدة طويلة، وهذا ما يضر ويقدح في صدق عنوان الوطنية.