< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

44/02/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضـوع: المسألة 24/اختلاف المالك والعامل كونها مضاربة فاسدة أو قرض/المضاربة

المسألة 24 :

"لو اختلف [1] العامل والمالك في أنها مضاربة فاسدة أو قرض [2] أو مضاربة فاسدة أو بضاعة [3] ولم يكن هناك ظهور لفظي ولا قرينة معينة فمقتضى القاعدة التحالف [4] ، وقد يقال : بتقديم قول من يدعي الصحة وهو مشكل ، إذ مورد الحمل على الصحة ما إذا علم أنهما أوقعا معاملة معينة واختلفا في صحتها وفسادها ، لا مثل المقام الذي يكون الأمر دائر بين معاملتين على إحداهما صحيح ، وعلى الأخرى باطل ، نظير ما إذا اختلفا في أ نهما أوقعا البيع الصحيح أو الإجارة الفاسدة مثلا ، وفي مثل هذا مقتضى القاعدة التحالف وأصالة الصحة لا تثبت كونه بيعا مثلا لا إجارة أو بضاعة صحيحة مثلا لا مضاربة فاسدة [5] ".

تفصيل المسألة:

لو اختلفا في أنها مضاربة، أو فرض أدائها مضاربة أو بضاعة، ذكر الماتن أنه قد يتصور أن من يدعي المضاربة الفاسدة يكون هو المدعي؛ لأن قوله مخالف للأصل، والذي يوافق قوله الأصل هو المنكر، فلا يكون بابه باب التداعي والتحالف، بل باب المدعي والمنكر.

وأشكل عليه: بأن بابه التداعي والتحالف، وذلك لعدم جريان أصالة الصحة؛ لأن مصبها صورة إحراز العمل واقعاً مع الشك في صحته وفساده، كما لو أحرزنا البيع وكان شكنا في صحته وفساده، فالمقدار المتيقن منها ذلك، خصوصاً وأن دليلها لبي، أو أنه مستفاد من الفحوى بالنسبة لسوق المسلمين، وليس الشك في موردنا بالصحة، وإنما الشك في أنه وقع قرضاً، ولازمه الصحة، أو مضاربة ولازمه الفساد.

والحاصل: أن الشك في العنوان الذي أُوقع لا أن الشك في صحة ما عُلم بوقوعه، لا سيما أن أصالة الصحة تجري لنفي احتمال الخطأ والغفلة، نظير قاعدة الفراغ، فلو كان المشكوك في صحته قد وقع من باب العمد لا الخطأ، وإنما الشك في أنه أي شيء تعمّده وقصده حين الإيقاع؟!

نعم تعبير الماتن بأن أصالة الصحة لا تثبت كونه قرضاً، وكأن أصالة الصحة تجري لإحراز وجود المعاملة، يشار إليها بالعنوان الإجمالي[6] ، ويشك في صحتها وفسادها، فيبنى على صحتها لا بعنوان أنها قرض اللازم لصحة المعاملة؛ إذ لو أريد إجراء أصالة الصحة في عنوان القرض فإنه مشكوك الوقوع، وإن أُريد إجراؤه بعنوان ما قد وقع، فإن لازمه العقلي كون الذي وقع هو القرض. إثبات للفرد بثبوت الجامع، وما ذكرناه أولى مما ذكره الماتن، وإن منشأ الشك يرجع إلى أنه قصد هذا العنوان – القرض – فالمعاملة صحيحة، أو أنه قصد عنوان المضاربة فالمعاملة فاسدة، ولا ربط له بملاك الصحة والفساد، فبابه باب التداعي والتحالف؛ لأن كلاًّ منهما ينكر شيئاً يدعيه الآخر وهكذا العكس.

ويوجد تعليقات على المتن، الأول:، يرجع إلى ما ذكره الماتن، من فرضي التنازع، فرض التنازع بنحو المضاربة والقرض، وفرض التنازع بنحو المضاربة والقرض، لكن نحصره بالفرض الأول لنكات ترتبط فيه، والثاني يختص بالثاني.

أما الأول: فقد ذكر الماتن أن المقام من باب التداعي والتحالف، إذ قولهما خلاف الأصل، يجب على كل منهما أن يقيم البينة وإلاّ تحالفا.

وليُعلم كمقدمة: أن لتشخيص المدعي والمنكر مسلكين: الأول: وهو ما بني عليه الماتن بعد فرض أن المدعي مما خالف كلامه الأصل الأولي، والمنكر من وافق كلامه الأصل، إلاّ أن الضابطة عنده للتمييز أن نلحظ مصبّ الدعوى فيما بينهما، فما تنازعا فيه يُلحظ ما يدعيه كل منهما في مقام المرافعة، فإن كان على وفق الأصل كان المُنكِر، وإن كان على خلافه فمُدَّعٍ، وفي مقامنا دعوى كل منهما على خلاف الأصل، فكل منهما مدّعٍ، وقد نصَّ عليه الماتن، لأن مصب كلٍّ من الدعويين على خلاف الأصل، حيث إنَّ دعواه أمر وجودي، والأصل عدمها. وطبقاً لهذا المسلك فكلام الماتن متين؛ لأن المدلول المطابقي لدعوى كل منهما على خلاف الأصل، حيث إنها معاملة واحدة، كل واحد منهما يدعي وقوعها بنحو مخالف للأصل، كالتداعي في المال، هذا يقول لي وذاك يقول جلي.

وثمة مسلك آخر لتشخيص المدعي من المنكر، لا ربط له بما هو مصب الدعوى، من حيث المدلول المطابقي لمصب المرافعة بينهما، وإنما تشخيص ذلك بلحاظ نسبة الأثر القانوني، والحق الشرعي الذي يُراد إثباته بلحاظ الأصل.

وبعبارة أخرى: هل الدعوى هي لحقٍّ ينفيه الأصل؟، أو أن الأصل يثبته؟، حتى لو كان المصب كما يدّعيه منفياً بالأصل، لكن أثره المترتب على المدلول المطابقي: أي الحق القانوني يوافق الأصل، وإن كان نفس الحق الذي يدعيه مسبوقاً بالعدم، والأصل ينفيه.

والحاصل: أنه لا ينبغي النظر إلى مصب الدعوى والترافع، بل لا بد أن ننظر في كلا الطرفين إلى الأثر القانوني الذي يُراد إثباته من خلال الدعوى، لنرى أنه يتطابق مع الأصل أو لا؟. والاختلاف في المضاربة والقرض مرجعه إلى صورتين: فقد يدعي المالك القرض، والعامل المضاربة، وقد ينعكس المطلب، وذلك لاختلاف المصلحة التي هي الميزان في الادعاء والإنكار، إذ قد ينقص رأس المال بأن يخسر في عمله، فمن مصلحة العامل حينئذ أن يدعي المضاربة ولو الفاسدة، إذ لا يضمن الخسارة لا في صحيحها ولا في فاسدها، فيدعيها لينفي الضمان عن نفسه، ومن مصلحة المالك أن يدعي أنه قرض حتى يضمن العامل الخسارة. وأما منشأ الصورة العكسية لذلك، وذلك لو ربح العامل في عمله فمن مصلحة المالك أن يكون مضاربة ولو فاسدة؛ لأن تمام النماء سوف يكون للمالك، ولا يثبت للعامل شيء من الربح، وإنما له أجرة مثل عمله، وأن يدعي العامل أنه قرض حتى يكون تمام الربح له.

القرض الأول: أن يدعي المالك القرض والعامل المضاربة، فقد يقال: بالتداعي حتى على المسلك الذي يرى أن ميزان الدعوى بلحاظ النتائج المتولدة، إذ يتولد ضمان، الأول: ضمان العامل لما نقص من رأس المال حينما يدعي المالك أنه قرض: أي أن العامل ضامن، نقول: المالك على خلاف الأصل سواء بلحاظ مصب دعواه، أو بلحاظ الأثر القانوني، أعني تحميل العامل ضمان مقدار الخسارة. والحال أن الأصل عدم اشتغال ذمته، فالمالك مدّع بلحاظ النتيجة والأثر القانوني، كما أنه مدّع بلحاظ مصب الدعوى.

كذلك العامل مدّع، حيث ينفي الضمان عن نفسه، ويدّعي على المالك استحقاق أجرة مثل عمله، حيث إنَّ المضاربة فاسدة، والإقدام من العامل لم يكن على وجه المجانية، ولما كان عمله محترماً، فيكون المالك ضامناً لقيمة مثل عمله. ولذا فإن العامل يدّعي أثراً قانونياً على خلاف الأصل، وعليه: فحتى على هذا المسلك لتشخيص المدعي من المنكر، يكون المورد من التداعي.

ونوقش فيه: بأن دعوى المالك على العامل بالضمان موافق للأصل، لا أنه مخالف للأصل حينما يدعي القرض، ولذا هو منكر، لأن الأصل يقتضي الضمان؛ لاحترام مال المسلم، والحال أن العامل يعترف بأن المال للمالك، وقد أخذه العامل منه، والأصل في الأخذ هذا الضمان، إلا أن يُحرز أن المالك قد أهدر مالية ماله، ولا سبيل إلى ذلك، والعامل يدعي أنه مضاربة لا قرض، وعليه: تكون يده ضامنة، لا أنها أمينة إلى أن يثبت أن المالك قد أهدر مالية ماله، وكونه قد خرج من ملكه لا على وجه الضمان، بأن أهدر ماليته، وإلاّ فإن الأصل الضمان.

والحاصل: أن قول المالك بحسب الأثر القانوني موافق للأصل، وأن كل مال يثبت فيه الضمان، لمكان احترامه حتى يُحرز أنه أهدر ماليته، فدعوى المالك مطابقة مع احترام مال الغير، وقاعدة على اليد، أو فقل مطابقة مع أصالة الضمان في الأموال.

.


[1] الميزان في التحالف والحلف والإحلاف هو مصب الدعوى ففيما فرضهيكون مقتضى القاعدة هو التحالف وتختلف الآثار بحسب الموارد من كونالعامل مدعيا للقرض والمالك للمضاربة الفاسدة أو العكس وكذا في الفرضالثاني والتفصيل لا يسع المقام . ( الإمام الخميني ).
[2] إما بدعوى المالك الإقراض في صورة الخسران أو التلف لتضمين العاملونفي استحقاقه لأجرة عمله ودعوى العامل القراض الفاسد لنفي الضمانوإثبات الأجرة وإما بدعواه القراض الفاسد في صورة حصول الربح ليكونالربح له ودعوى العامل القراض ليكون له . ( البروجردي ).
[3] العامل في كلتيهما لا يضمن المال ولا له شئ من الربح وإنما يكون لهالأجرة في الأولى مع جهله بالفساد أو مطلقا وفي الثانية مع عدم تبرعه فعلىهذا لا إلزام في شئ منهما إلا أن يحرر المالك دعواه على وجه لا يستحقالعامل معه الأجرة على عمله فتكون ملزمة ويحلف العامل على نفيها فيحكم لهبالأجرة ولا تحالف على الأصح . ( البروجردي ).
[4] لا يبعد ترجيح قول العامل في كونه قرضا لأن يده على الربح مرجحةلملكية تمامها وهكذا نعم لو كان العامل مدعيا للمضاربة الفاسدة ولو من جهةتعلق غرضه برفع ضمانه عن العين كان القول قول المالك في تضمينه وعلى أيحال لا ينتهي النوبة في أمثال المقام إلى التحالف بناء على التحقيق من كفايةقيام الظاهر أو الأصل في نتيجة الدعوى في مقام الترجيح بلا احتياج إلىقيامهما على محط الدعوى كما ربما يستفاد مثل هذه التوسعة في مجرىالأصول من بعض النصوص ومن هنا ظهر حال الدعوى الأخرى فإن الغرضمن هذه الدعوى فساد المعاملات المترتبة على هذه المعاملة فأصالة الصحةفيها تقدم قول مدعي البضاعة كما لا يخفى . ( آقا ضياء ) .* إنما يصح هذا في الفرض الأول من المسألة الأولى وبعد التحالف يحكمبضمان العامل للمال واستحقاقه لأجرة عمله لأصالة الاحترام في كل منهماوأما الفرض الثاني منها فالقول فيها قول المالك يحلف على عدم الإقراضفيحكم له بالربح كما أن القول قول العامل في المسألة الثانية كما مر .( البروجردي ) .* ليست الصورة الثانية موردا للتحالف لعدم دعوى ملزمة . ( الشيرازي ) .* إنما يحكم بالتحالف في خصوص ما إذا ادعى المالك القرض لتضمينالعامل التلف والخسران ونفي استحقاق الأجرة فيحلف العامل لنفي القرضوادعى العامل القراض الفاسد لنفي الضمان وإثبات الأجرة فيحلف المالكلنفيه ويحكم بعد التحالف بضمان العامل لقاعدة اليد وعدم استحقاق الأجرةلعدم إحراز كون العمل له بإذنه حتى يكون محترما بل بعد الحلف على نفيالمضاربة يحكم بكون المعاملات الصادرة منه فضولية وأما إذا ادعى العاملالقرض ليكون الربح له فيحلف المالك على نفيه فيحكم بأن الربح للمالك ولاأثر لدعوى المالك المضاربة الفاسدة حتى يحلف العامل على نفيها كما أنالإبضاع والمضاربة الفاسدة لا ميز بينهما في الأثر فلا يسمع دعواهما حتىيحتاج إلى التحالف لعدم الضمان وثبوت الأجرة للعامل فيهما . ( الگلپايگاني ) .* ويحكم في الصورتين حينئذ بكون الربح للمالك واستحقاق العامل أجرةعمله . ( النائيني ) .* فيما لو اختلفا في أنها مضاربة فاسدة أو قرض . ( الحائري ) .* ويترتب أثر المضاربة الفاسدة في الدعوى الأولى من جهة أصالة بقاء المالعلى ملك مالكه السابق وتبعية الربح للمالك وقاعدة احترام عمل المسلم وفيالدعوى الثانية يترتب أثر البضاعة حيث إنهما متفقان في أن الربح لصاحبالمال إلا أن المدعي للمضاربة الفاسدة وهو العامل يدعي استحقاقه الأجرةوالآخر ينفيه إلا أن يتشبث بقاعدة الاحترام فمن يدعي البضاعة يدعي التبرعوالعامل ينكره ولا بد من التأمل . ( الإصفهاني ) .* هذا إنما يتم فيما إذا ادعى المالك القرض وادعى العامل المضاربة الفاسدةوأما إذا انعكست الدعوى فالظاهر أن الحلف يتوجه إلى المالك لإنكارهالقرض وليس في دعواه المضاربة الفاسدة إلزام للعامل بشئ ليتوجه الحلفإليه أيضا وإذا اختلفا في أنها مضاربة فاسدة أو بضاعة فلا أثر له بناء علىاستحقاق العامل أجرة المثل في البضاعة وذلك لاتفاقهما على كون الربحللمالك واستحقاق العامل أجرة المثل على عمله نعم بناء على عدمه كمااخترناه يتوجه الحلف إلى المالك لإنكاره المضاربة الفاسدة وكيف كان فلامجال للتحالف . ( الخوئي ).
[5] العروة الوثقى - السيد اليزدي - ج5 - ص177 - 179.
[6] الجامع بين المضاربة والقرض.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo