< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

44/03/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: هل يصح التفاضل مع التساوي برأس المال؟/ المسألة 28/ أحكام المضاربة/ مضاربة/ فقه

وقيل: بالبطلان لكونه يرجع إلى جعل جزء من ربح مال أحد الشريكين للشريك الآخر، من دون أن يكون بإزائه عمل وأجاب الماتن عن ذلك:

أولاً: أنه على المختار في عقد الشركة، لا محذور في أن يشترط الشخصان المشتركان بمال أكثر لأحدهما من الآخر. إلا أنه لا بد من عقد شركة ولو بمزج المالين. ونشأ الإشكال من أنه خلاف مقتضى عقد الشركة، من أن الربح لا بد أن يكون بينهما بالسوية، مع أن المنافاة ليست مع مقتضى العقد، وإنما مع إطلاقه؛ لأن إطلاقه يقتضي الاقتسام بالسوية، فمع التنصيص على التفاضل لا محذور فيه، وهذا الجواب مبني على أن التفاضل بينهما في ضمن عقد شركة وقع ضمن المضاربة.

وثانياً: أنه لو قلنا بعدم صحته ضمن عقد الشركة، إلا أنه لا يكون باطلاً ضمن عقد المضاربة، إذ سيكون شرطاً في عقد المضاربة لا الشركة، أو الشرط نافذ بمقتضى وجوب الوفاء بالشروط ضمن عقد المضاربة.

والحاصل: أن العامل يشترط على المالك الذي يكون ربحه أقل، أن يكون جزء من ربحه للآخر، على نحو اشتراط حصته من الربح للأجنبي، ولا يُنافي هذا مقتضى عقد الشركة، إذ ليس بابه باب الشركة بين المالك والعامل، وإنما المضاربة وهو جائز.

وأما الوجه الثاني" فهنالك جهات من الإشكال عليه نلخصها بأربعة:

    1. أن جعل مقدار من الربح لشخص ثالث خارج عن طرق المضاربة الانحلالية، مرجعه إلى جعل الربح لأجنبي عن العقد، وهو خلاف مقتضى الروايات الواردة في المضاربة، من أن الربح بينهما بل خلاف حقيقة عقد المضاربة.

    2. والجواب: أن مقتضى عقد المضاربة لا يستدعي أكثر من اشتراكهما في الربح، وأما كونه بينهما وأنه لا يصح اشتراط كون بعض اشتراط كون بعض الربح لشخص ثالث، فإنه لا ينفيه مقتضى عقد المضاربة. كما أن الروايات مفادها ذلك وأنه لا يكون الربح لأحدهما دون الآخر، وأما كيفية كونه بينهما وأنه لا يكون لثالث فليست جهة منظورة في الروايات، فكيفية كون الربح بينهما حسبما يشترطان. وليس مفاد الروايات أن كل جزء جزء بينهما وذكرنا فيما تقدم أن ليس مفادها العموم الشمولي وإنما البدلي.

الوجه الآخر: أنه يوجد ضيق في مقتضى الصحة لعقد المضاربة، باعتبار أنه على خلاف الأصل؛ لأن فيه جعل شيء من النماء لغير مالك الأصل المخالف لقاعدة تبعية النماء للأصل الشرعية، فلذا نحتاج دائماً إلى دليل خاص يثبت لنا الصحة، فبمقدار ما يثبت بالدليل تثبت له الصحة، وأما الموارد المشكوكة فمرجعها أصالة عدم الصحة. والحال أن الروايات لم تشمل مورد جعل الربح الثالث وإنما موردها جعل الربح بينهما.

وفيه: أولاً – أن المبنى غير تام، وأن مقتضى الأصل بمعزل عن الروايات الخاصة الصحة.

وثانياً – أنه حتى لو كان الأصل الفساد، إلا أن هذا اللون من المضاربة، التي فيها شرط نسبة من الربح لثالث، مشمولة للأدلة الخاصة؛ لأنها منحلة بحسب الدقة إلى إنشائين: إنشاء للمضاربة بين المالك والعامل، وهذا إنشاء عقدي، وإنشاء شرطي في ضمنه لنسبة من الربح لثالث، وروايات المضاربة شاملة للمورد، لصدق عنوان المضاربة عليها ومجرد ضم الشرط إليها لا يوجب فسادها. وإلاّ سوف تفسد كل مضاربة، حتى لو كان الشرط شرط فعل لا أنه شرط نتيجة، والحال أنهم لا يحكمون بالفساد في مثل هذه الشروط. فحالها حال أي مضاربة أخرى قد اشترط أمر ضمنها، حيث أن دليل المضاربة يشمل المضاربة هذه ويصحّحها، ودليل الشرط لا يخلو: إما يشمل هذا الشرط فيكون صحيحاً، أو لا يشمله، وبالتالي لا يحكم بصحته، إلا أنه على التقديرين سوف تكون المضاربة محكومة بالصحة، وقد أنشأ ضمنها شرط، اللهم إلاّ إذا احتملنا أنه يشترط عدم انضمام الشرط لمدخلية عدمه في البطلان، إلاّ أنه سوف يعمّم لكل شرط حتى شرط الفعل، فضلاً عن شرط النتيجة وهذا ما لا يلتزمون به.

الوجه الثالث: أن يحكم ببطلان الشرط، وفي طوله ببطلان المضاربة لبطلان شرطها، باعتباره شرطاً مخالفاً للكتاب، نعم لو كان بنحو شرط الفعل لصحّ، حيث يُعطي مقداراً من المال للغير بعد تملكه، فهذا العمل منه جائز يمكن أن يحققه بالشرط، أما لما كان بنحو شرط النتيجة، وهو أن يتملك الأجنبي حصته من الربح على فرض حصوله، فهو من الشروط المخالفة للكتاب لأن الربح لا يظهر في ملك الغير، بل في ملكه بمقتضى قانون التبعية، فالشرط مخالف للقاعدة الشرعية، مع أنه لا بد أن يكون متعلق الشرط سائغاً في نفسه وضعاً وتكليفاً، ويراد من الشرط أن يلتزم بتحقيقه، ومن هنا لم تكن الشروط مشرّعة، إذ لا تسوّغ ما ليس بمشروع في نفسه، والحاصل: أن الشرط مخالف للشرع، ومثل هذا الشرط فاسد يوجب فساد العقد.

والجواب، أولاً: أن قاعدة تبعية النماء للأصل لا تنافي سلطنة المال على نماء ماله كسلطنته على أصل المال، فكما أن له السلطنة على تمليك ماله الفعلي للغير، له أيضاً السلطنة على تمليك ماله للغير قبل وجوده على تقدير ظهوره، إذ ليس قانون التبعية على المالك، بل للمالك وأن الغير ليس له التصرف بنماء ليس الأصل له إنما الأصل لآخر، لا بمعنى أن ليس للمالك السلطنة على المال، فلا منافاة لتمليك المال للغير مع الحكم الشرعي.

ومحذور أنه تمليك لغير الموجود ظهر ما فيه، من أنه تمليك تعليقي ولا محذور في تعليق الشروط، وإنما المحذور في تعليق العقود.

وثانياً: لو سلمنا، فإن غايته بطلان الشرط، ولا موجب لبطلان العقد، إذ لا يستوجب فساد الشرط فساد العقد، لأنهما التزامان متغايران، واحد شرطي والآخر عقدي، على نحو الالتزام ضمن الالتزام، نعم للعامل خيار الفسخ بعد ظهور الربح، وله المطالبة بأجرة المثل ورفض الحصة من الربح لمكان تخلف الشرط.

نعم إذا رجع الشرط إلى تعليق الإذن بالمضاربة على تحقق الشرط، فإنه يوجب انكشاف عدم الإذن على تقدير فساده، وفضولية كل المعاملات التي صدرت، إلا أنه خلاف الظاهر من أن العقود الإذنية تنجيزية.

الوجه الرابع: دعوى فساد الشرط، لا لمخالفة للقانون الشرعي، وإنما لعدم شمول دليل الصحة والنفوذ له؛ لأن نفوذه إما من باب التمسك بأدلة صحة المضاربة، وذلك باعتباره جزءاً من العقد، وهذا واضح الدفع باعتبار أن لا ربط له بأحد طرفي المضاربة، إذ لا قيام للمضاربة بالشخص الثالث حتى يكون الشرط طرفاً في الالتزام.

والحاصل: أنه لا ربط لنفوذه بنفوذ العقد، أو من باب أدلة الشروط – المؤمنون عند شروطهم – وقد حُرِّر في محله عدم شموله للشرط الابتدائي، واقتصاره على الشرط ضمن العقد، وأن النظر إلى الشرط الذي يُربط به العقد بأن يُعلّق الالتزام العقدي على الالتزام الشرطي، وبالتالي لا بد من رجوع الشرط إلى الالتزام من الطرفين، فلو رجع إلى ثالث فلا يكون من الشرط العقدي، وإنما شرط ابتدائي، ومجرد أن يكون للعامل غرض من خلال اشتراط ذلك على المالك، لا يجعل الشروط مربوطاً بطرفي الالتزام العقدي، من الملتزم والملتزم عليه، وإنما سنخ التزام غير عقدي، فيكون باطلاً.

والجواب: أنه لو تم فسوف يبطل الشرط ويفسده، ولكنه لا يقتضي فساد العقد، نعم يكون للعامل الخيار.

والحاصل: أن المضاربة صحيحة، وأما الشرط فإن كان مرجعه إلى الشرط الابتدائي فلا نفوذ له، وإلاّ إن قلنا: بكفاية أن يكون الملتزم بتنفيذ الشرط طرفاً في الالتزام العقدي، ولا نظر إلى من ينتفع الشرط، فيكون الشرط صحيحاً ومشمولاً لأدلة نفوذ الشروط.

نعم على تقدير البطلان، لا يوجب الشرط حقاً للثالث، إذ ليس طرفاً في هذا الالتزام الشرطي الواقع ضمن الالتزام العقدي. فالصحيح: ما أفاده الماتن.

 

المالك الآخر، لا من باب نقصان الحصة من الربح التي يجعلها للعامل في المضاربة الانحلالية، نعم يتم ما ذكره فيما لو لم يكن ما يحصل عليه مستوعباً لتمام الربح.

والخلاصة: أنه يشترط أن لا يكون التفاضل بحيث يكون ربح مال السهم الزائد مستوعباً للحصة التي حصل عليها، إذ لا يمكن تخريج الزيادة التي حصل عليها على أساس المضاربة الانحلالية، بحيث يستحق الزيادة من العامل؛ لأن ربح ماله أقل بكثير، فالزيادة لا بد أن تكون من ربح المالك الآخر، وله مثل هذا الشق في الشق الثاني.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo