< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/07/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : مكروهات الجهاد

فيما ذكر المصنف من فروع الجهاد عطف على ما ذكر من مكروهات الجهاد قوله: (أن يعرقب الدابة و إن وقفت به)[1] هذا الحكم قد أفتى به كثير من الفقهاء المتقدمين والمتأخرين واستدلوا على الكراهة برواياتٍ:

منها: ما عن مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِذَا حَرَنَتْ عَلَى أَحَدِكُمْ دَابَّتُهُ (فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ- فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فَلْيَذْبَحْهَا وَ لَا يُعَرْقِبْهَا".[2] سنده موثق ومعنى اذا حرنت اي ضعفت عن المشي او لاينقاد فنهى عن عرقبتها وهو قطع اعصاب رجلها.

وهذه الموثقة تدل على الحرمة لا مجرد الكراهة. و قد استدل في الجواهر بالكراهة "بقاعدة الناس مسلطون على اموالهم" جمعاً بينها وبين الروايات الناهية فحمل النهي على التنزيهي، واليك نص كلامه:

(و كيف كان فالذي يدل على أصل الجواز‌ عموم «الناس مسلطون على أموالهم»‌و أنها مخلوقة للناس يفعلون بها كيف شاءوا و نحو ذلك، و فعل جعفر الذي لم ينكره النبي صلى اللّٰه عليه و آله بل أعطي في تلك الشهادة جناحان يطير بهما في الجنة كيف يشاء، و المناقشة بكونه ظلما فيقبح يدفعها أن الشارع بجوازه كشف عن عدم قبحه كالذبح و الإشعار و نحوهما مما يجوز شرعا، ولكن يرد عليه بان السلطة محدودة بالمحلل منها لا أكثر، فاذا دل دليل على حرمة العرقبة هي مضافاً إلى النصوص إيذاء للحيوان وهو لا يجوز، فينتفي السلطة عنه [3]

وقد روى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ السَّكُونِيِّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ ص أَبْصَرَ نَاقَةً مَعْقُولَةً وَ عَلَيْهَا جَهَازُهَا- فَقَالَ أَيْنَ صَاحِبُهَا مُرُوهُ فَلْيَسْتَعِدَّ غَداً لِلْخُصُومَةِ.

فبهذا المقدار لا يجوز التصرف فيه وهناك روايات وردت حول عدم جواز ترك الدابة بلا ماء ولا علف، وكذا ورد عن النبي صلى الله عليه و آله انه : دخلت النار إمرأة في هرة حبستها ولم تطعمها ولم تسقيها حتى ماتت" وغير ذالك ولعل العقل ايضا يحكم بذلك. نعم اذا كان ضرورة في قتل الحيوان حتى لا يقع بيد العدو فيتقوى بها فيبح قتلها او اذا لم يمكن فعرقبتها حتى تعجز عن المشي وتموت عادة منها.

وبذلك نعرف انه لابد من حمل ما ورد في موثقة سكوني المروي في الكافي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: "لما كان يوم موتة كان جعفر بن أبي طالب على فرس، فلما التقوا نزل عن فرسه فعرقبها بالسيف، فكان أول من عرقب في الإسلام" كان لضرورة اباحت له ذالك.

وذكر المحقق ايضاً من مكروهات القتال: (المبارزة بغير إذن الإمام عليه السلام) والمراد من المبارزة بدون اذن الامام، ليس في قتال غير مأذون فانه محرم، وليس عندما طلب الامام منه المبارزة فعند ذالك يجب الاجابة، وليس ما اذا طلب العدو منه المبارزة فانه منصوص الجواز بل المراد من مورد الكراهة هو مبادرة المجاهد بطلب المبارزة من دون استئذان من الامام كما ورد فيما رواه مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ الْخَشَّابِ عَنِ ابْنِ بَقَّاحٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ جُمَيْعٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: سُئِلَ عَنِ الْمُبَارَزَةِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ بَعْدَ إِذْنِ الْإِمَامِ- فَقَالَ لَا بَأْسَ وَ لَكِنْ لَا يُطْلَبُ إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ. وكذلك ما في خبر ابن القداح فيما رواه الكليني عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنِ ابْنِ الْقَدَّاحِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: دَعَا رَجُلٌ بَعْضَ بَنِي هَاشِمٍ إِلَى الْبِرَازِ فَأَبَى أَنْ يُبَارِزَهُ- فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع مَا مَنَعَكَ أَنْ تُبَارِزَهُ- فَقَالَ كَانَ فَارِسَ الْعَرَبِ وَ خَشِيتُ أَنْ يَغْلِبَنِي- فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع فَإِنَّهُ بَغَى عَلَيْكَ- وَ لَوْ بَارَزْتَهُ لَغَلَبْتَهُ وَ لَوْ بَغَى جَبَلٌ عَلَى جَبَلٍ لَهُدَّ الْبَاغِي- وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ ع- دَعَا رَجُلًا إِلَى الْمُبَارَزَةِ فَعَلِمَ بِهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع- فَقَالَ لَئِنْ عُدْتَ إِلَى مِثْلِ هَذَا لَأُعَاقِبَنَّكَ- وَ لَئِنْ دَعَاكَ أَحَدٌ إِلَى مِثْلِهَا فَلَمْ تُجِبْهُ لَأُعَاقِبَنَّكَ- أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّهُ بَغْيٌ.[4]

وفي نهج البلاغة "قال أمير المؤمنين عليه السلام لابنه الحسن عليه السلام «لا تدعون إلى مبارزة، و إن دعيت إليها فأجب، فإن الداعي باغ و الباغي مصروع" (المصدرح3) وهذه الرواية ضعيفة السند ولذا لا يستفاد منها الا في اثبات الكراهة على القول بالتسامح في أدلة السنن.‌

و في المنتهى المبارزة مشروعة غير مكروهة في قول عامة أهل العلم إلا الحسن البصري فإنه لم يعرفها و كرهها، و لا ريب في فساده، لما عرفت و لما رواه الجمهور و غيرهم من أن عليا عليه السلام بارز يوم خيبر مرحبا فقتله، و بارز عمرو بن عبدود فقتله، و بارز هو و حمزة و عبيدة بن الحارث يوم بدر بإذن النبي صلى اللّٰه عليه و آله، و فيما رواه الجمهور أيضا أن بشر بن علقمة بارز أسوارا فقتله فبلغ سلبه اثنى عشر ألفا، و لم يزل أصحاب رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله تقع منهم المبارزة، و أنه كان أبو ذر يقسم أن قوله تعالى: ﴿ هٰذٰانِ خَصْمٰانِ اخْتَصَمُوا [5] نزلت في الذين تبارزوا يوم بدر، و هم حمزة و علي عليه السلام و عبيدة ، و أن أبا قتادة قال: بارزت رجلا يوم خيبر فقتلته إلى غير ذلك، بل يمكن دعوى كونه من الضروري.

ولكن الجمع بين هذه الموارد بان نقول: اذا لم يحرز المقاتل رأي الامام في القتال لابد ان يستأذن منه، وعند ماعرفوا رضاه فيستحب المبادرة إلى المبارزة.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo