< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

42/03/17

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تفسير سورة الاسراء/ تفسير القرآن / تفسير آية 107

 

كان بحثنا في الاسبوع الماضي حول قوله تعالى: ﴿وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى‌ مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً﴾[1] فبينّا سرّ تدريجيّة النزول وبما ان هؤلاء الذين يناقشون ويمارون لا يريدون ان يفقهوا الواقع وانما داعيهم على الاشكال الجحود للحق فالله تعالى امر رسوله ان يقول لهم ما يدل على غني الله والقران من ايمانهم فقال تعالى:

قال تعالى: ﴿قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى‌ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً﴾ [2] ﴿وَ يَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً﴾[3] ﴿وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً)﴾[4]

قال في المجمع: («قُلْ» يا محمد لهؤلاء المشركين «آمِنُوا بِهِ» أي بالقرآن «أَوْ لا تُؤْمِنُوا» فإن إيمانكم ينفعكم و لاينفع غيركم و ترككم الإيمان يضركم و لا يضر غيركم و هذا تهديد لهم و هو جواب لقولهم «لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا») [5]

و ذكر في الامثل ثلاثة اوجه في فهم الآية فقال: يعتقد المفسّرون أنّ جملة آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا يتبعها جملة محذوفة قدّروها بأوجه متعدّدة، إذ قال بعضهم:

إن المعنى هو: سواء آمنتم أم لم تؤمنوا فلا يضر ذلك بإعجاز القرآن و نسبته إلى الخالق.) بينما قال البعض: إنّ التقدير يكون: سواء آمنتم به أو لم تؤمنوا فإنّ نفع ذلك و ضرره سيقع عليكم.

لكن يحتمل أن تكون الجملة التي بعدها مكمّلة لها، و هي كناية عن أنّ عدم الإيمان هو سبب عدم العلم و المعرفة، فلو كنتم تعلمون لآمنتم به. و بعبارة أخرى: يكون المعنى: إذا لم تؤمنوا به فإنّ الأفراد الواعين و ذوي العلم يؤمنون به).[6]

يمكن القول بان الوجهين الاولين يعود الى معنى واحد والثالث قابل للجمع مع القولين يعني ان ايمانكم او عدم ايماتكم امر يخصكم ويعود النفع والضرر اليكم ولكن اعرفوا ان سبب انكاركم جهلكم فان الذين اوتوا العلم يؤمن به اشد الايمان.

وهذه الآية المباركة ولو كان الخطاب فيها الى المشركين في عصر النبي صلى الله عليه واله ولكن له انطباقات طيلة التاريخ و بما ان الايمان والكفر من المقولات المشككة فلابد ان نتعظ منها في اصلاح نفوسنا وتقوية ايماننا ولا نكتفي بمرحلة منها فانا رابحون تلك المرحلة وخاسرون المراحل فوقها و يوم الحسرة نتحسر لخسراننا.

ثم الكلام في المقصود من الذين اوتوا العلم من هم؟ فقالوا:

المقصود من الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ هم مجموعة من علماء اليهود و النصارى من الذين آمنوا بعد أن سمعوا آيات القرآن، و شاهدوا العلائم التي قرءوها في التوراة و الإنجيل، و التحقوا بصف المؤمنين الحقيقيين، و أصبحوا من علماء الإسلام.

وقال العلامة طباطبائي: (المراد بالذين أوتوا العلم من قبله هم الذين تحققوا بالعلم بالله و آياته من قبل نزول القرآن سواء كانوا من اليهود أو النصارى أو غيرهم فلا موجب للتخصيص اللهم إلا أن يقال: إن السياق يفيد كون هؤلاء من أهل الحق و الدين غير المنسوخ يومئذ هو دين المسيح (ع) فهم أهل الحق من علماء النصرانية الذين لم يزيغوا و لم يبدلوا). [7]

ومما يؤيد هذا المعنى تذييل اوتوا العلم بقوله من قبله. ولكن يمكن التعميم بان هؤلاء اهل العلم والوعي من اي دين اذا واجهوا الآيات القرآنية يتأثرون بها سواء كانوا من اليهود او النصارى او المجوس او اصحاب سائر الايان اذا لم يكن في نفوسهم مرض فسوف يقتنعون بمنطق القرآن.

ثم ان كان "من قبل" يعني قبل عصر التزول فانما تشمل المعاصرين للتبي ص اما ان قلنا من قبل يعني من قبل مواجهة الآيات فهذا سارية في جميع الازمان. وعلى كل حال تعميمه لجمبع الازمان اذا كان من قبل مواجهة الآيات ففي كل عصر لها مصاديق وان قلنا خاص بعصر رسول الله ففي سائر الازمنة تنطبق من باب تنقيح المناط فتأمل جيداً.

وقال في الامثل: (و في آيات أخرى من القرآن تمت الإشارة إلى هذا الموضوع، كما في قوله‌ تعالى في الآية (113) من سورة آل عمران: ﴿"لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ".﴾[8]


ولكن يمكن المناقشة في هذا القياس بان هذه الآية وردت في قسم من اهل الكتاب وهم على نحلتهم لا من اسلم منهم وهذا يستفاد من الآيات التي تليها: ﴿لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ﴾[9] ﴿يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ أُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾[10] ﴿وَ ما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ﴾ [11] فلم يرد في هذه الآيات ذكر لاسلامهم. ووزان هذه الآيات وزان قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ النَّصارى‌ وَ الصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[12]

حيث جعل فيها هذه الطوائف الثلاثة قسيم للذين آمنوا فأهل الكتاب ايضا اذا كانوا مؤمنين بالله و القياة وعملوا صالحا فهم اهل النجاة، نعم اذا تمت الحجة عندهم على حقانية الاسلام ومع ذلك لم يسلموا فهم مؤاخذون على جحودهم و عنادهم.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo