< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

42/05/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تفسير الأيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا/تفسير /تفسير آية 104 من سورة البقرة

من الأسبوع الماضي قررنا أن نبحث عن تفسير الآيات المصدرة ب ﴿"ياأيُّهاالّذِينَ آمَنُوا"﴾ وللأسف صدر مني خطاً حيث زعمت اول الآيات المصدرة آية 172من سورة البقرة فبحثا عنها في الاسبوع الماضي بينما هي ثالث آية، فمع الاعتذار، اليوم نتحدث في اول آية وهي آية 104من سورة البقرة حيث قال تعالى:﴿"يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ"﴾[1]

لا يخفى أن خطاب ﴿ياايها الذين آمنوا﴾ خطاب شامل لكل المسلمين فقد ورد فِي أُصُولِ الْكَافِي عن عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلٍ قَالَ: كَانَ الطَّيَّارُ يَقُولُ لِي إِبْلِيسُ لَيْسَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ إِنَّمَا أُمِرَتِ الْمَلَائِكَةُ بِالسُّجُودِ- لآِدَمَ ع فَقَالَ- إِبْلِيسُ لَا أَسْجُدُ فَمَا لِإِبْلِيسَ يَعْصِي حِينَ لَمْ يَسْجُدْ وَ لَيْسَ هُوَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَالَ: فَدَخَلْتُ أَنَا وَ هُوَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: فَأَحْسَنَ وَ اللَّهِ فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ أَ رَأَيْتَ مَا نَدَبَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ قَوْلِهِ- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَ دَخَلَ فِي ذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ مَعَهُمْ قَالَ نَعَمْ وَ الضُّلَّالُ وَ كُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِالدَّعْوَةِ الظَّاهِرَةِ وَ كَانَ إِبْلِيسُ مِمَّنْ أَقَرَّ بِالدَّعْوَةِ الظَّاهِرَةِ مَعَهُمْ".[2]

كما ورد ايضا في روضة الكافي عن أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ إِبْلِيسَ أَ كَانَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَمْ كَانَ يَلِي شَيْئاً مِنْ أَمْرِ السَّمَاءِ فَقَالَ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ لَمْ يَكُنْ يَلِي شَيْئاً مِنْ أَمْرِ السَّمَاءِ وَ لَا كَرَامَةَ فَأَتَيْتُ الطَّيَّارَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا سَمِعْتُ فَأَنْكَرَهُ وَ قَالَ وَ كَيْفَ لَا يَكُونُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ- وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ الطَّيَّارُ فَسَأَلَهُ وَ أَنَا عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ رَأَيْتَ قَوْلَهُ عَزَّ وَ جَلَّ- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فِي غَيْرِ مَكَانٍ مِنْ مُخَاطَبَةِ الْمُؤْمِنِينَ أَ يَدْخُلُ فِي هَذَا الْمُنَافِقُونَ قَالَ نَعَمْ يَدْخُلُ فِي هَذَا الْمُنَافِقُونَ وَ الضُّلَّالُ وَ كُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِالدَّعْوَةِ الظَّاهِرَةِ".[3]

فعنوان المؤمن قد يطلق بمعنى شامل لجميع فئات المسلمين و قد يستعمل في المسلم الملتزم بجميع حدود الاسلام اعتقاداً وقولاً وعملاً. كما ان الاسلام هكذا قد يستعمل في كل من ينطق بكلمة التوحيد وقد يستعمل في المسلم الملتزم بشرائع الدين كلها حتى ورد: من اصبح ولم يهتم بامور المسلمين فليس بمسلم.

أقول: في سورة الحجرات ورد عنوان المؤمن لكلا الموردين في قوله تعالى:

﴿وَ إِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي‌ءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ فسمى الله الطاثفتين المتقاتلتين و بالاخص الطائفة الباغية التي امر الله المؤمنين بقتالها، ثم قال: ﴿"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[4]

فاعتبر جميع المسلمين بشتى نحلهم وطوائفهم اخوة وامرنا بالاصلاح بينهم. وقد استدل امير المؤمنين عليه السلام أيضا بهذه الآية المباركة في نهج البلاغة لقضية حرب صفين فاعنبر معاوية و اصحابه من الفئة الباغية المؤمنة.

وقال فی الآية 15 من نفس السورة: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ" فاستعمل مفردة المؤمن في الملتزم بجميع المعارف الحقة والعمل بجميع احكام الشريعة.

اما بالنسبة الى مفردات هذه الآية المبحوث عنها، قال في تفسير مجمع البيان حول مفردتي راعنا و انظرنا: (المراعاة التفقد للشي‌ء في نفسه أو أحواله و المراعاة و المحافظة و المراقبة نظائر و نقيض المراعاة الإغفال و رعى الله فلانا أي حفظه و رعيت له حقه و عهده فيمن خلف و أرعيته سمعي إذا أصغيت إليه و راعيته بعيني إذا لاحظته و جمع الراعي رعاء و رعاة و رعيان و كل من ولي قوما فهو راعيهم و هم رعيته و المرعي من الناس المسوس و الراعي السائس و استرعاه الله خلقه أي ولاه أمرهم ليرعاهم و الإرعاء الإبقاء على أخيك و الاسم الرعوى و الرعيا و راعني سمعك أي استمع و رجل ترعية للذي صنعته و صنعه آبائه الرعايةو قال الشاعر: [يسوسها ترعية حاف فضل]‌ وأصل الباب الحفظ، و نظرت الرجل أنظر نظرة بمعنى: انتظرته و ارتقبته).

وقال في شأن نزول الآية: (كان المسلمون يقولون يا رسول الله راعنا أي استمع منا فحرفت اليهود هذه اللفظة فقالوا يا محمد راعنا و هم يلحدون إلى الرعونة يريدون به النقيصة و الوقيعة فلما عوتبوا قالوا نقول كما يقول المسلمون فنهى الله عن ذلك بقوله «لا تَقُولُوا راعِنا وَ قُولُوا انْظُرْنا».... وقال الباقر (ع) هذه الكلمة سب بالعبرانية إليه كانوا يذهبون‌ و قيل كان معناه عندهم اسمع لا سمعت‌)[5] .

ولعل قوله تعالى: «مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَ يَقُولُونَ سَمِعْنا وَ عَصَيْنا وَ اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَ راعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَ طَعْناً فِي الدِّينِ»: (النساء- 46). يخبرنا عنما ورد في هذه الآية.

وقد ورد في تفسير فخر الرازي والمنار وجه آخر في شأن نزول الآية المبحوث عنها وهو أن اليهود استغلوا كلمة راعنا لنوع من سوء الأدب، لأنّها من باب المفاعلة، وباب المفاعلة يفيد المبادلة و الاشتراك، و هي لذلك تعني: راعنا لنراعيك، و قد نهى القرآن عن ترديدها[6] .

من الرسالات التي يمكن لنا ان نستوحاها من هذه الآية الكريمة أن لا نوفِّر للأعداء فرصة الطعن بنا، بفعل أو قول، ذريعة يسيئون بها إلى الجماعة المسلمة. ونتحذر حتى عن ترديد عبارة يستغلها العدوّ لصالحه. عبارة تمكن الأعداء أن يستثمروا أحد معانيها لتضعيف معنويات المسلمين، بل نختار عبارات لم يجد العدو ذريعة للطعن فينا او تشويه سمعتنا بتحريف عن واقع ما نريد.

خصوصا في أوساط غير الشيعة، من باب المثال: ظاهرة التطبير من اهم مفاسدها تشويه سمعة الشيعة بانهم اهل الخرافات حتى انا سمعت من بعض اهل السنة التي لم يكن بصدد الطعن على الشيعة قال: سمعنا بما ان قتلة الحسين كانوا من شيعته و لذلك الشيعة يجرحون انفسهم توبة الى الله عما فعل سلفهم بالحسين عليه السلام.

او المشي عند التشرف الى حرم اهل البيت عليهم السلام على اربع قوائم او الزحف على الأرض وامثال ذلك من مخترعات العوام يصير سببا للسخرية منا

من باب المثال التكبيرات الثلاثة بعد تسليم الصلاة مع رفع اليد، ولو انها من المستحبات الشريفة ولكن إصطنع بعض المغرضين المتعصبين من العامة تهمة وجّهوها الى الشيعة بانهم: يقولون ان الله قرّر النبوة لعلي عليه السلام ولكن جبرئيل سلام الله عليه سلّمها الى محمد صلى الله عليه واله ولذلك أن الشيعة يرفعون أيديهم في منتهى صلاتهم ويقولون خان الأمين ثلاث مرات، أي خان الجبرئيل الأمين في ايصال النبوة. فانا قد اوصيت إخواننا في الحج ان لا يرفعوا يديهم عند التكبيرات الثلاثة كي لا يزعم الجاهل ان هذه التهمة حق.

مما اري الاجتناب عنه كتابة اسم الحسين عليه السلام او المعصومين عليهم السلام على تربة السجدة فانها توهم من يراها نحن نعبدهم نستجير بالله وقد منع المرجع الكبير آية الله البروجردي عن كتابة الأسماء المقدسة على ترب الصلاة ولكن الحرص على التسويق يدعوا صانعيها لكتابة المقدسات على تلك الترب.

ثم قوله تعالى في منتهى الآية ﴿وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ امر صريح بامتثال هذا التعليم ووعيد لمن لا يقبل او وعيد للكفار الذين يهينون الرسول او اتباعه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo