< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

42/09/01

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تفسير الموضوعي / تفسير آيات المصدرة ب"يا ايا الذين آمنوا /تفسير آية 183 و 184 سورة البقرة

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[1]

قبل كل شيء نتقدم الى ساحة ولينا وامام زماننا حجة بن الحسن المهدي عج الله فرجه وسهل مخرجه وجعلنا من اعوانه وانصاره والى الامّة الإسلامية وبالأخص المنتمين باهل البيت عليهم السلام في المذهب ومراجعنا العظام واليكم سادة المستمعين الكرام بالتهاني والتبريكات الفائقة بمناسبة حلول هذا الشهر الكريم رمضان المبارك.

وبما نحن في شهر نزول القرآن وكان من سيرتنا في السنوات الماضية بتشريف امسياتنا في هذا الشهر الفضيل ببحث تفسيري يجعلنا في أجواء قرآنية، فارتأينا ان نجعل بحوثنا في التفسير متابعة لبحوثنا في كل أربعاء ونحن بدأنا بالبحث حول الآيات المصدرة ب ﴿يا أيها الذين أمنوا﴾ و قد اكملنا البحث في ثلاث مقاطع من سورة البقرة والمقطع الرابع منها كان حول القصاص و الخامس حول الصيام ولكن بمناسبة حلول هذا الشهر الفضيل قدمنا الخامس على الرابع وان شاء الله بعد اكمال هذا البحث نعود الى المقطع الرابع لنكمل المشوار حسب ترتيب المذكور في المصاحف الشريفة. والبحث حول هذه الآيات ولو طرحت كثيرا ولكن كما ان قراءة القرآن لا يمل تكرارها كذلك الوقوف عن تفاسيرها لا يمل ولو كرات غير مرات:

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون﴾

الخطاب هنا متوجه الى المؤمنين بمعناه الأعم فيشمل كل من اعتنق الاسلام ونطق بالشهادتين، فان المؤمن قد يطلق ويراد منه خصوص الملتزم بأداء الواجبات وترك المحرمات وفي قباله الفاسق أي المسلم غير الملتزم وقد يطلق في معنى مرادفا للمسلم فيشمل كل من نطق بالشهادتين من جميع النحل الإسلامية، والنسبة بين المعنيين عموم مطلق.

ثم تناولت الآية لثلاثة امور: أحدها ايجاب الصيام على المؤمنين، بقوله ﴿"كُتِبَ"﴾ فهذه المفردة إذا تعدّت بعلى تفيد التحتم في الوجوب أي وضع على ذمتكم وعهدتكم الصيام، ثانيها: مقارنة وجوب هذه الفريضة في شريعة الإسلامية مع سائر الأديان السماوية قبلها.

وهنا خلاف عند المتكلمين في انه هل الكفار مكلفون بالفروع ومعذبون على ترك مفرداتها او لا؟ وبالإجمال أقول: ان ظاهر الخطابات التي توجهت الى الذين آمنوا في الفروع، لا تشمل الكفار ما دام لا يؤمنون بأساس الاسلام، نعم ان العقاب على الكفر بالله ورسوله إذا كان عن تقصير فهو اشد من العقاب على ترك الواجبات او فعل المحرمات، فيغطّي كلّها من دون حاجة الى العقاب على مفردات احكام الشريعة.

ومما لابد من إلفات النظر اليه: انّ الخطاب الى المؤمنين يرفع معنوياتهم مضافا الى ان ذكر عنوان المؤمن في الخطاب مشعر بالعلية اي بما انكم آمنتم بالإسلام كتب عليكم هذه الاحكام، ومما نشاهد كثيراً في القرآن انه تعالى يخاطب عباده المؤمنين لطفلاً منه ومنة إليهم واهتماماً بهم، بخلاف الكفار والفاسقين فلم يرد خطاب من الله إليهم الا نادراً جداً، إهانة إليهم وتزهيداً فيهم، الا في مقام التهديد. وروى في المجمع عن الصادق عليه السّلام انه قال: «لذّة ما في النّداء- أي يا ايّها الّذين آمنوا- أزال تعب العبادة والعناء»

و الكتابة في اللغة هي الخط الذي يرسم على شيء كقرطاس ونحوه وله معنى فمادة الكتابة اذا تعدى بعلى، يكنى بها عن الفرض و العزيمة و القضاء الحتم والحكم الثابت،‌ فالكتابة تشمل الاحكام التشريعية كقوله تعالى: ﴿كتب عليكم الصيام﴾، و ﴿كتب عليكم القتال﴾، وقوله تعالى: ﴿وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ...﴾ و ﴿كتب على نفسه الرحمة﴾ والتكوينية: كقوله تعالى: ﴿كتب الله لأغلبنّ انا ورسلي﴾ وقوله: "﴿قل لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَالَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ اِلى مَضَاجِعِهِمْ﴾ أما إذا تعدى بلام فيفيد المنفعة كقوله: ﴿ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم﴾

والصيام بمعنى كف النفس عن الفعل والامساك عن الشيء، والصَّوْمُ في الشّرع: إمساك المكلّف بالنّية من طلوع الفجر الى غروب الشمس عن تناول المأكولات والمشروبات، واجتناب سائر المفطرات على التفصيل الوارد في كتب الفقه. وقال في الميزان: (والصيام والصوم في اللغة مصدران بمعنى الكف عن الفعل: كالصيام عن الأكل والشرب والمباشرة والكلام والمشي وغير ذلك ... ثم غلب استعماله في الشرع في الكف عن أمور مخصوصة، من طلوع الفجر إلى المغرب بالنية)[2] . فالصوم حقيقة شرعية بإطاره الخاص وهو الامساك عن المفطرات المنصوصة في الشرع كالصلاة حيث كانت في اللغة بمعنى الدعاء ولكن استعمل في نمط خاص من الدعاء وهو النسك المقررة المفروضة على كل مسلم ان يأتي بها في الأوقات المخصوصة بها.

ثم قوله تعالى: ﴿كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ فيه تصريح بشمولية الحكم للشرائع السالفة من دون تعرض للكم والكيف، وذكر هذه الشمولية تفيد في تطيب نفوس المؤمنين للصوم وتُهوّنُ لهم مشقّة الجوع والامساك عن الشهوات، وما تستصعبه النفوس. مضافاً الى التأكيد على أهمية هذه الفريضة اذ أطبقَ عليها سائر الشرائع السماوية ايضاً.

والى الآن نجد هذه الفريضة عند اليهود والمسيحيين والبوذيين والهندوس مع اختلاف في كمها وكيفها واوقات أدائها، بتفصيلات ذكرناها في بحثنا قبل أربع سنوات في الامسيات الرمضانية وتلك المباحث موجودة في بعض المواقع الالكترونية فلا نكررها.

ثم في مختتم الآية قال تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ وفي هذا الكلام القليل اللفظ وكثير المعنى يبيّن فلسفة تشريع الصوم وما يتوقع من آثار الصوم، فان تقوية التقوى هي الهدف الأسمى من تشريع الصوم لأنّه ترويض للنفس وتدريب على تربيتها وتسليط العقل والايمان عليها، ونحن نشعر بوضوح هيبة شهر رمضان وتقليل الفساد فيه ولو عند غير الملتزمين. ونتابع البحث الليلة القادمة في الآية التي تليها ان شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo