< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

42/09/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: تفسير الموضوعي / تفسير آيات المصدرة ب"يا ايا الذين آمنوا /تفسير آية 271 الي 274سورة البقرة

قد انتهينا في الليالي الماضية من البحث حول أربعة آيات من المقطع التاسع المصدرة بيا ايها الذين آمنوامن سورة البقرة والآن ندخل في البحث عن بقية آيات هذا المقطع وهي قوله تعالى:

إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ يُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَ ما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[1]

في الآية الاولى إشارة إلى كيفيّة الإنفاق من حيث السرّ و العلن فتقول: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ﴾. الابداء هو اظهار الشيء و قوله فنعمّا اصله نعم ما، اي شيء حسن ثم يقول: وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ" والخير بمعنى الأفعل اى احسن وافضل فيستفاد من هذه الآية المباركة افضلية الاخفاء الصدقات او فقل الاصل في الصدقات اخفائها الا اذا ترتبت مصلحة في الابداء والاجهار بها

والسر في افضلية الاخفاء عدم شوبها بالرياء للمؤدي و صيانة كرامة الفقير وعِرضه، ولكن هذا الامر يكون امراً غالبياً وليس دائمياً، فيمكن أن يكون المصدِّق متحلّى بحلية التقوى بحيث لا يغتر بتصدّقه ولا يرائي بها، بل قد يتقرب الى الله بأعلانها لدفع الصدقة تشجيعاً للآخرين على الانفاق كما ان المتصدق عليه قد يكون حاله واضحاً عند الناس فلا يتغير بأخذ الصدقات ولا يبالي بذلك وفي الحقيقة في امر الصدقة امامنا امران: احدهما اخراج: الصدقة من قبل المصدّق، والامر الثاني ايصالها الى المتصدَّق عليه، ومن الطريف ان في هذه الآية فكك بين الامرين بقوله: "وان تخفوها وتؤتوها الفقراء" ولم يقل "وان تؤتوها الفقراء خفية" ففي الامر الاول لابد من اخلاص النية عن الرياء في مقام القلب وفي اخلاصه من المنة والايذاء في مقام العمل ومن الايذاء اراقة ماء وجه الفقير.

قال في الامثل: (ففي الحالات التي يكون فيها الجانب التشجيعي أكثر و لا يصادر فيها الإخلاص فالإظهار أولى، و في الحالات التي يكون فيها المحتاجون من ذوي العزّة و الكرامة فإن حفظ ماء وجوههم يقتضي إخفاء الإنفاق، كما أنّه إذا خشي الرياء و عدم الإخلاص فالإخفاء أولى).[2]

ومن الطبيعي ان أداء الواجب ليس موردا للرياء، فهو واجب لا بدّ أن يؤدّيه كلّ مسلم في محيط الاسلامي كالضريبة اللازمة التي يدفعها الجميع، فالانسب دفعه علنا من دون اخفاء حتى يكون احياء و دعاية لفريضة واجبة اسلامية و لدفع التهمة عن النفس، فإظهار الصدقة أفضل، أمّا الصدقة ‌ المستحبّة فبما إنّ إظهار إنفاقه قد يشوبه شي‌ء من الرياء و عدم خلوص النيّة، فيكون إخفاؤه اسلم. اما قول الله تعالى في ذيل الآية: "﴿وَ يُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾"

تكفير السيئات بمعنى تغطيتها إمّا بغلبتها على السيئات في القيامة فتمحوها، و يمكن مضافا الى ذلك ان يغطي عيوب العبد في هذه الدنيا ويمحوها فيرتقي بواسطتها الى مراقي الكمال في حياته.

وهناك روايات كثيرة وردت حول التشجيع على صدقة السر، في بعضها اشارة الى بُعدها عن الرياء وفي بعضها اشارة الى صيانة كرامة الفقير و حفظ ماء وجهه نأتي بنماذج منها:

عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع يَا عَمَّارُ الصَّدَقَةُ وَ اللَّهِ فِي السِّرِّ- أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ فِي الْعَلَانِيَةِ- وَ كَذَلِكَ وَ اللَّهِ الْعِبَادَةُ فِي السِّرِّ- أَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْعَلَانِيَةِ[3] . فهذا الكلام صريح في افضليتهما اذا اديا في السر.

وعن الصدوق: قَالَ: كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع يَقُولُ إِنَّ أَفْضَلَ مَا يَتَوَسَّلُ بِهِ الْمُتَوَسِّلُونَ- الْإِيمَانُ بِاللَّهِ إِلَى أَنْ قَالَ- وَ صِلَةُ الرَّحِمِ فَإِنَّهَا مَثْرَاةٌ لِلْمَالِ- مَنْسَأَةٌ فِي الْأَجَلِ- وَ صَدَقَةُ السِّرِّ فَإِنَّهَا تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ- وَ تُطْفِئُ غَضَبَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ فَإِنَّهَا تَدْفَعُ مِيتَةَ السَّوْءِ- وَ تَقِي مَصَارِعَ الْهَوَانِ الْحَدِيثَ.[4] فمما يوجب قوة الحديث رغما لإرسالها ان الصدوق ينسب الكلام الى امير المؤمنين عليه السلام بتصدير كان الذي مشعر بإستمرار المولى على هذا الكلام.

وعَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي‌ عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: صَدَقَةُ الْعَلَانِيَةِ تَدْفَعُ سَبْعِينَ نَوْعاً مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَاءِ- وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ.[5]

وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ عَنْ أَبِيهِ "عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي حَدِيثٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ ع كَانَ يَخْرُجُ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ- فَيَحْمِلُ الْجِرَابَ عَلَى ظَهْرِهِ- وَ فِيهِ الصُّرَرُ مِنَ الدَّنَانِيرِ وَ الدَّرَاهِمِ- وَ رُبَّمَا حَمَلَ عَلَى ظَهْرِهِ الطَّعَامَ أَوِ الْحَطَبَ- حَتَّى يَأْتِيَ بَاباً بَاباً فَيَقْرَعَهُ ثُمَّ يُنَاوِلَ مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ- وَ كَانَ يُغَطِّي وَجْهَهُ إِذَا نَاوَلَ فَقِيراً لِئَلَّا يَعْرِفَهُ- فَلَمَّا تُوُفِّيَ فَقَدُوا ذَلِكَ- فَعَلِمُوا أَنَّهُ كَانَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ ع وَ لَمَّا وُضِعَ عَلَى الْمُغْتَسَلِ- نَظَرُوا إِلَى ظَهْرِهِ وَ عَلَيْهِ مِثْلُ رُكَبِ الْإِبِلِ- مِمَّا كَانَ يَحْمِلُ عَلَى ظَهْرِهِ- إِلَى مَنَازِلِ الْفُقَرَاءِ وَ الْمَسَاكِينِ" والحديث طويل [6] وتغطية وجهه عن الفقير كان لعدم وقوعه في الاحراج بان مثل هذه الشخصية العظيمة جاء له بهذا المال فيخجل.

ثم نأتي الى الآية التي تليها وهي قول الله عزوجل: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَ ما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ﴾

ورد في المجمع في شأن نزول الآية: (كان المسلمون يمتنعون عن الصدقة على غير أهل دينهم فأنزل الله تعالى هذه الآية عن ابن عباس و ابن الحنفية و سعيد بن جبير و قيل كانت أسماء بنت أبي بكر مع رسول الله في عمرة القضاء فجاءتها أمها فتيلة و جدتها تسألانها و هما مشركتان فقالت لا أعطيكما شيئا حتى أستأذن رسول الله ص فإنكما لستما على ديني فاستأذنته في ذلك فأنزل الله هذه الآية عن الكلبي).[7]

في تناسب الآية مع ماقبلها مقالات مختلفة ورأيت امتنها ما قاله في الميزان واليك نصه: (قوله تعالى: َليْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ، في الكلام التفات عن خطاب المؤمنين إلى خطاب رسول الله ص، و كان ما كان يشاهده رسول الله ص من فعال المؤمنين في صدقاتهم من اختلاف السجايا بالإخلاص من بعضهم و المن و الأذى و التثاقل في إنفاق طيب المال من بعض مع كونهم مؤمنين أوجد في نفسه الشريفة وجدا و حزنا فسلاه الله تعالى بالتنبيه على أن أمر هذا الإيمان الموجود فيهم و الهدى الذي لهم إنما هو إلى الله تعالى يهدي من يشاء إلى الإيمان و إلى درجاته، و ليس يستند إلى النبي لا وجوده و لا بقاؤه حتى يكون عليه حفظه، و يشنق من زواله أو ضعفه، أو يسوؤه ما آل إليه الكلام في هذه الآيات من التهديد و الإيعاد و الخشونة.

و الشاهد على ما ذكرناه قوله تعالى:، هُداهُمْ، بالتعبير بالمصدر المضاف الظاهر في تحقق التلبس. على أن هذا المعنى أعني نفي استناد الهداية إلى النبي ص و إسناده إلى الله سبحانه حيث وقع في القرآن وقع في مقام تسلية النبي و تطييب قلبه. فالجملة أعني قوله: لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ جملة معترضة اعترضت في الكلام لتطييب قلب النبي بقطع خطاب المؤمنين و الإقبال عليه (ص)، نظير الاعتراض الواقع في قوله تعالى: ﴿«لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ:»﴾ الآيات القيامة- 17. فلما تم الاعتراض عاد إلى الأصل في الكلام من خطاب المؤمنين).[8]

وقال في الامثل: (تحدّثت الآيات السابقة عن مسألة الإنفاق في سبيل اللّه بشكل عام، و لكن‌ في هذه الآية الحديث عن جواز الإنفاق على غير المسلمين، بمعنى أنّه لا ينبغي ترك الإنفاق على المساكين و المحتاجين من غير المسلمين حتّى تشتدّ بهم الأزمة و الحاجة فيعتنقوا الإسلام بسبب ذلك. تقول الآية لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ فلا يصحّ أن تجبرهم على الإيمان، و ترك الإنفاق عليهم نوع من الإجبار على دخولهم إلى الإسلام، و هذا الأسلوب مرفوض، و رغم أنّ المخاطب في هذه الآية الشريفة هو النبي الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلّم إلّا أنّه في الواقع يستوعب كلّ المسلمين. ثمّ تضيف الآية وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ و من تكون له اللياقة للهداية. فبعد هذا التذكّر تستمر الآية في بحث فوائد الإنفاق في سبيل اللّه)[9]

وعلى كل حال سواء قلنا ان في الآية الكريمة عناية الى انفاق لغير المسلمين او لم نقل، يستفاد من سيرة رسول الله و اهل بيته عليهم السلام ان الانفاق مطلوب لاي متنفس سواء كان من البهائم او بني بشر وهم اولى سواء كان مسلم او غيره كان ملتزم بالشريعة او لم يلتزم وانما لا يجوز الانفاق الى ما اذا كان انفاقنا سببا لقوة الباطل في باطله و لقوة الاعداء على المسلمين، فهذا رسول الله ارسل من غنائم الحرب الى ابي سفيان المشرك ليوزع على فقراء مكة المشركين وائمتنا عليهم السلام كانوا ينفقون على فقراء العامة كقضية معلى بن خنيس وغيرها و في تعقيبات الصلاة في شهر رمضان نقول اللهم أغن كل فقير اللهم أشبع كل جائع الى اخره. والقرآن يدعونا الى الدفاع عن المستضعفين مطلقا من دون قيد حيث قال: ﴿ما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان﴾"[10] ولم يقيد هؤلاء بدين او مذهب.

ثم في مختتم الآية قال: ﴿وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَ ما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ﴾ [11] ذكر اربع امور تطيب نفس المؤمن على الانفاق وهي كون مردود الانفاق لانفسكم و وانفقكم كان لإبتغاء وجه الله و وسوف يوف اليكم واخيراً انتم لا تظلمون با تؤدى حقكم وما تستحقون.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo