< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

43/03/13

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: الايات المصدرة (يا ايها الذين امنوا)/سورة النساء / اية19

كان بحثنا في قوله تعالى: ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى‌ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ يَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾ [1]

وقد ذكرنا في الاسبوع الماضي اقوالا في شأن نزول هذه الآية تفيد رؤية الظالمة تعيشها الجاهلية بالنسبة الى النساء كزوجة واعتبارها مملوكاً من مملوكات الرجل يرثها اولاده، لا يستمتع بها ولا يطلقها ليرث اموالها او ايراد الضغط عليها لتهبه مهرها.

ان هذه الآية المباركة تتعرض لقضايا عدة:

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾:

القضية الاولى: ﴿لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً﴾ في هذا المقطع من هذه الآية ورد تفسيرين:

احدهما: تحريم جعل الزوجة موروثا يرثها الأبناء، فكان في الجاهلية يعتبرون الزوجة من اموال الميت فيرثها ابن الميت ثم يتزوجها على حساب مهر الذي دفعه ابوه، فهو يتمتع بها على حساب ذاك المهر الذي دفعه ابوه الى هذه الزوجة، او يزوجها بشخص آخر و يأخذ منه ما دفعه ابوه اليها فالاسلام حرّم ذلك.

ثانيهما: على ان يكون قوله: ﴿ان ترثوا النساء﴾ اي اموال النساء بحذف المضاف، و ذلك فيمن لا رغبة له في زوجته ولا يتعامل معها كالزوجة ولا يطلقها طمعاً في مالها وهي كارهه. فهذا ظلم في حقها بل على الزوج ان يطلقها ويطلق سراحها كي تتزوج برجل آخر او تعيش بحريتها، و على فرض الوفاة يرثها اهلها من الاولاد والاحفاد والوالدين او الطبقة الثانبة من الاخوة والاخوات.

الثانية: "وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ" هذه الآية تشير الى جفاء كثر ما يتفق في حق النساء وهو الضغط عليهن وحبسهن و منعهن عن الزواج حتى تتنازل عن مهرها. واليك بعض النصوص التي ذكرت هذه الفجيعة.

نعم انما يجوز للرجل يأخذ مالا ليطلق اذا كان المرأة لا تكرهه ولا يريده وهو يريدها ويحبها. فمن شروط تحقق طلاق الخلع كراهة الرجل للمأة دون العكس و هناك روايات تفيد ها المعنى واليك نماذج منها:

مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ (عَنْ أَبِيهِ) عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنِ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: لَا يَحِلُّ خُلْعُهَا حَتَّى تَقُولَ لِزَوْجِهَا- وَ اللَّهِ لَا أَبَرُّ لَكَ قَسَماً- وَ لَا أُطِيعُ لَكَ أَمْراً وَ لَا أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ- وَ لَأُوطِئَنَّ فِرَاشَكَ- وَ لآَذَنَنَّ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنِكَ- وَ قَدْ كَانَ النَّاسُ يُرَخِّصُونَ فِيمَا دُونَ هَذَا- فَإِذَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ لِزَوْجِهَا حَلَّ لَهُ مَا أَخَذَ مِنْهَا الْحَدِيثَ.[2]

وَ عَنْهُ – اي محمد بن يعقوب عن علي بن ابراهيم- عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَرَّازِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: الْمُخْتَلِعَةُ الَّتِي تَقُولُ لِزَوْجِهَا- اخْلَعْنِي وَ أَنَا أُعْطِيكَ مَا أَخَذْتُ مِنْكَ- فَقَالَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئاً حَتَّى تَقُولَ- وَ اللَّهِ لَا أَبَرُّ لَكَ قَسَماً- وَ لَا أُطِيعُ لَكَ أَمْراً- وَ لآَذَنَنَّ فِي بَيْتِكَ بِغَيْرِ إِذْنِكَ- فَإِذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَلِّمَهَا- حَلَّ لَهُ مَا أَخَذَ مِنْهَا الْحَدِيثَ.[3]

وهذه الكراهة لابد ان لا تنشأ من سوء تعامل الزوج معها كما اشار اليه الروايات منها:

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِذَا خَلَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ- فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ- وَ هُوَ خَاطِبٌ مِنَ الْخُطَّابِ- وَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَخْلَعَهَا حَتَّى تَكُونَ- هِيَ الَّتِي تَطْلُبُ ذَلِكَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُضِرَّ بِهَا- وَ حَتَّى تَقُولَ لَا أَبَرُّ لَكَ قَسَماً- وَ لَا أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ- وَ لَأُدْخِلَنَّ بَيْتَكَ مَنْ تَكْرَهُ- وَ لَأُوطِئَنَّ فِرَاشَكَ- وَ لَا أُقِيمُ حُدُودَ اللَّهِ- فَإِذَا كَانَ هَذَا مِنْهَا فَقَدْ طَابَ لَهُ مَا أَخَذَ مِنْهَا.[4]

وهكذا ما رواه: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي عِقَابِ الْأَعْمَالِ بِسَنَدٍ تَقَدَّمَ فِي‌ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ عَنِ النَّبِيِّ ص فِي حَدِيثٍ قَالَ: وَ مَنْ أَضَرَّ بِامْرَأَةٍ حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ نَفْسَهَا- لَمْ يَرْضَ اللَّهُ لَهُ بِعُقُوبَةٍ دُونَ النَّارِ- لِأَنَّ اللَّهَ يَغْضَبُ لِلْمَرْأَةِ كَمَا يَغْضَبُ لِلْيَتِيمِ- أَلَا وَ مَنْ قَالَ لِخَادِمِهِ- أَوْ لِمَمْلُوكِهِ- أَوْ لِمَنْ كَانَ مِنَ النَّاسِ لَا لَبَّيْكَ وَ لَا سَعْدَيْكَ- قَالَ اللَّهُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا لَبَّيْكَ- وَ لَا سَعْدَيْكَ اتْعَسْ فِي النَّارِ- وَ مَنْ ضَارَّ «2» مُسْلِماً فَلَيْسَ مِنَّا- وَ لَسْنَا مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ- وَ أَيُّمَا امْرَأَةٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا- لَمْ تَزَلْ فِي لَعْنَةِ اللَّهِ وَ مَلَائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ- حَتَّى إِذَا نَزَلَ بِهَا مَلَكُ الْمَوْتِ قَالَ لَهَا- أَبْشِرِي بِالنَّارِ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قِيلَ لَهَا- ادْخُلِي النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ- أَلَا وَ إِنَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ بَرِيئَانِ مِنَ الْمُخْتَلِعَاتِ بِغَيْرِ حَقٍّ- أَلَا وَ إِنَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ بَرِيئَانِ- مِمَّنْ أَضَرَّ بِامْرَأَتِهِ حَتَّى تَخْتَلِعَ مِنْهُ. [5]

وهكذا ما عن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ فِي رَوْضَةِ الْوَاعِظِينَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ- فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ.[6]

وقد ورد في الشرائع للمحقق الحلي: شروط لطلاق الخلع فقال:

(الأولى: لو أكرهها على الفدية فعل حراما‌ و لو طلق به صح الطلاق و لم تسلم إليه الفدية و كان له الرجعة).

(الثانية: لو خالعها و الأخلاق ملتئمة لم يصح الخلع و لا يملك الفدية‌ و لو طلقها و الحال هذه بعوض لم تملك العوض و صح الطلاق و له الرجعة). [7] وسائر فقهائنا كماتهم قريب من ذلك.

نعم لو ان الزوج ايضا كرهها اي يكون التنافر من الطرفين فيكون موضوع طلاق المباراة كما فسره المحقق بقوله:

(و المبارأة كالخلع لكن المبارأة تترتب على كراهية كل واحد من الزوجين صاحبه و يترتب الخلع على كراهية الزوجة و يأخذ في المبارأة بقدر ما وصل إليها منه و لا تحل له الزيادة و في الخلع جائز).[8]

الى هنا تكتفي بهذا المقدر وبقي علينا ثلاث قضايا من الآية وهي قوله تعالى:

"إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ" و" عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" و "فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى‌ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ يَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً" نتعرض لها في الاسبوع القادم ان شاء الله


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo