< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث التفسیر

43/09/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: التفسير الموضوعي/الآيات المصدرة بيا ايها الذين آمنوا /تفسير الآية 11من سورة المائدة

 

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾[1]

كان بحثنا في الليلة الماضية حول هذه الآية المباركة وتحثنا حول الذكر والمشار اليه في قوله تعالى: اذ همّ قوم وذكرنا حوله عدد من الآراء من دون تفصيلات القصص رعاية للوقت والتقدم في البحث والليلة نريد ان نقف عند قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾

هنا

تم استخدام مفردة التوكل ومشتقاتها 70 مرة في القرآن الكريم. وجعل التوكل من لوازم الإيمان. على سبيل المثال، ورد في سورة الانفال:

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى‌ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾[2] .

وكذلك ورد في سورة آل عمران ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾[3]

وفي سورة الطلاق: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً﴾[4] ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدْراً﴾[5]

نزلت بعض آيات التوكل في موضوعات مختلفة كالجهاد والقتال مع الكفار او الصلح وإقامة العلاقات السياسية معهم والتعامل مع المنافقين.

انّ فيما روي عن اهل البيت عليهم السلام أيضا تأكيد على أهمية التوكل: ففي رواية عن الإمام علي (ع): (أنَّ الإيمان له أركان أربعة: التوكل على الله، وتفويض الامر إلى الله، والرضا بقضاء الله، والتسليم لأمر الله عز وجل) [6] وجاء في حديث عن الإمام الرضا (ع): (أنَّ التوكل من مقومات اليقين). [7] ) .في حديث جنود العقل والجهل عن الإمام الصادق (ع): (أنَّ التوكل من جنود العقل وضده الحرص).[8]

ثم ورد في بيان حقيقة التوكل من علماء الاخلاق والعرفاء عبارات نذكر نماذج منها:

قال حاج ملا مهدي النراقي في جامع السعادات: (أن التوكل هو التبرّي من کل حول وقوة، والاعتماد على حول الله وقوّته، وأن لا مؤثر في عالم الوجود إلا الله. وأنه لیس وراء منتهی قدرته قدرة، ولا وراء منتهی علمه علم، ولا وراء منتهی عنایته عنایة. فمن اعتقد ذلک إتّکل قلبه لا محالة على اللّه وحده، ولم یلتفت إلى غیره، ولا إلى نفسه أصلا).[9]

وقال في الميزان: (أنَّ التوكل هو إرجاع أمر التأثير إلى الله تعالى وحده).[10]

وقد أورد الشيخ الصدوق في كتابه معاني الأخبار حديث عن رسول الله (ص) جاء فيه: (أنَّ التوكل أن يعلم الإنسان أن المخلوق لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع، وأن لا يخاف غير الله ولم يطمع في أحد سوى الله) [11]

وللتوكل أرتباط وثيق بالتفويض. حيث ذكر الكليني في كتابه الكافي الأحاديث التي تتكلم عن التفويض والتوكل في باب واحد تحت عنوان: (بَابُ التَّفْوِيضِ إِلَى اللَّهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْه‌) [12]

إنّ الإمام الخميني رضوان الله عليه في الأربعون حديثاً قارن بين التوكل والتفويض والرضا والتسليم فقال: (إنَّ الفرق بين التوكل والتفويض، أنَّ التفويض هو أن لايرى العبد في نفسه حولاً ولاقوة، ولا يجد أن له التصرف في شيء، ويرى الحق تعالى هو المتصرف في كل الأمور، وأما في التوكل إنَّ الله سبحانه وتعالى قائماً مقام المتوكل في التصرف واجتلاب الخير والصلاح أنَّ مقام الرضا والتسليم أعلى من مقام التوكل، في مقام التوكل يجعل الإنسان الله وكيله؛ ولكن التوكل لا يكون إلا بعد وقوع سبب دنيوي يستوجبه (أي عند وجود أمر يتوكل فيه العبد على الله؛ ولكن في مرتبة الرضا والتسليم يرضی العبد بما يختار الله له، فيكون قد أفنى إرادته في إرادة الله، فلا يختار لنفسه شيئا وإن كان هذا الشيء موافق لرغبته)[13]

ذكر في المصادر الأخلاقية والعرفانية كإحياء العلوم ومحجة البيضاء وجامع السعادات أنَّ للتوكل ثلاث درجات من حيث القوة والضعف:

الدرجة الأولى: في هذه الدرجة على الفرد أن يكون حاله في حقّ اللّه والثقة بكفالته وعنايته كحاله في الثقة بالوكيل، واعتبر الحاج ملا مهدي النراقي أنَّ هذه الدرجة هي أضعف درجات التوكل.

الدرجة الثانية: بهذه الدرجة يكون المتوكل حاله مع اللّه كحال الطفل مع أمّه فإنّه لا يعرف غيرها، ولا يفزع إلى ما سواها، ولا يعتمد إلّا عليها، والفرق بين هذه المرتبة والمرتبة الأوّلى أنّ المتوكل لا يلتفت قلبه إلى التوكّل وحقيقته بل إلى المتوكّل عليه فقطّ، ويعتبر علماء الأخلاق هذه المرتبة من التوكل هي خاصة بالخواص.

الدرجة الثالثة: وهي أعلاها حيث يقول علماء الأخلاق أن يكون المتوكل عديم الإرادة والاختيار، فيكون بين يدي اللّه في حركاته وسكناته مثل الميّت بين يدي الغاسل. والفرق بين هذه المرتبة والمرتبة الثانية في هذه المرتبة التوكّل يثمر ترك الدّعاء والسؤال منه ثقة بكرمه وعنايته وأنّه يعطي ابتداء أفضل وأكثر ممّا يسأل، فكم من نعمة ابتدأها قبل الدّعاء وقبل الاستحقاق، أما الدرجة الثانية لا يقتضي ترك الدّعاء والسؤال منه وإنّما يقتضي ترك السؤال من غيره فقطّ. اعتبر النراقي أنَّ هذه الدرجة من التوكل هي أعلى الدرجات والوصول إليها نادر جداً، ومن هذا القسم توكل إبراهيم (ع) لما وضع في المنجنيق ليرمى به إلى النار.

يقول النراقي في جامع السعادات، (اعلم أنَّ درجات الناس في التوکل مختلفة، بحسب تفاوت مراتبهم في قوة اليقين وضعفه، وفي قوة التوحيد وضعفه، فكلما كان الإيمان أقوى كانت درجة توكل الإنسان أعلى).[14]

ثم ذكروا لطريق تحصيل التوكل مطالب:

قال الحاج ملا مهدي النراقي: (أنّ الطريق إلى تحصيل التوكل يكون من خلال تقویة التوحيد، والاعتقاد بأن الأمور باسرها مستندة إلیه سبحانه، ولیس لغیره مدخلیة فیها، وأن يتذكر العبد الآيات والأخبار الدالة على فضيلته ومدحه، وكونه باعث النجاة والكفاية). وقال: أنَّ من علامات التوكل أن كسب الأموال أو خسارتها لا يغير من حال الإنسان.[15]

من آثار التوكل:

جاء في حديث عن الإمام علي عليه السلام: (من توكّل على اللّه هانت له الصّعاب وتسهّلت عليه الأسباب). [16]

ورد عن الإمام الرضا (ع) أنه قال: (من أراد أن يكون أقوى الناس، فليتوكل على الله).[17]

علاقة التوكل بالسعي والعمل:

ورد في الأحاديث التأكيد على التمسك بالعلل والأسباب الطبيعية مع التوكل، ومثال على ذلك ما ورد عن رسول الله (ص) عندما جاء رجل وقال له: (يا رسول الله، اُرسِلُ ناقتي وأتوكّلُ أو أعقلها وأتوكّل؟ قال: أعقِلْها وتَوَكَّلْ). [18]

و من هنا يظهر أيضا: (أن المراد بالتوكل ما يشمل الأمور التشريعية و التكوينية جميعا أو ما يختص بالتشريعيات بمعنى أن الله سبحانه يأمر المؤمنين بأن يطيعوا الله و رسوله في أحكامه الدينية و ما أتاهم به و بينه لهم رسوله و يكلوا أمر الدين و القوانين الإلهية إلى ربهم، و يكفوا عن الاستقلال بأنفسهم، و التصرف فيما أودعه عندهم من شرائعه كما يأمرهم أن يطيعوه فيما سن لهم من سنة الأسباب و المسببات فيجروا على هذه السنة من غير اعتماد بها و إعطاء استقلال و ربوبية لها، و ينتظروا ما يريده الله و يختاره لهم من النتائج بتدبيره و مشيئته).[19]

فالتوكل في الاعمال هو الاخذ بالأسباب التي جعلها الله وسيلة للوصول الى المسببات ولكن عليه ان يعرف انها ليست مستقلة في الأثر وكلها قائمة بالله فلا يغفل عن مسبب الأسباب ويعرف انه لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم حدوثا وبقاءً الى هنا وفي هذه الليلة نختم بحثنا في شهر رمضان المبارك و سوف نتابع هذه الآيات وفق المتعارف في الأربعاء من كل أسبوع من أيام الدراسي ان شاء الله والسلام عليكم وتقبل الله صيامكم وقيامكم ورحمة الله وبركاته.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo