< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

36/02/30

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة ( 442 )، مسألة ( 443 ) - أحكام المصدود.
مسألة ( 442 ):- إذا صُدَّ عن الرجوع إلى منى للمبيت ورمي الجمار فقد تمّ حجّه ويستنيب للرمي إن أمكنه في سنته وإلا ففي القابل على الأحوط ولا يجري عليه حكم المصدود.
..........................................................................................................
تشتمل هذه المسألة على أحكامٍ ثلاثة:-
الأوّل:- إنّ من صُدَّ عن المبيت في منى وعن رمي الجمار في اليوم الحادي عشر والثاني عشر فلا يؤثر ذلك على حجّه بل إنّه صحيح.
الثاني:- الأحوط وجوباً النيابة للرمي في سنته إن أمكن وإلا ففي قابل.
الثالث:- لا يترتب عليه حكم المصدود - أعني وجوب الهدي وإعادة الحج في العام المقبل فإن هذين حكمان وأثران للمصدود -.
أما الحكم الأوّل:- فذلك واضحٌ باعتبار أنا عرفنا في أبحاث سابقة أن المبيت في منى وهكذا الرمي ليس جزءاً من الحجّ، نعم هو واجبٌ ولكن بالوجوب التكليفي وليس جزءاً، وعلى هذا من تركهما حتى عن عمدٍ فلا يتصدّع بذلك حجّه.
أما ما هو الدليل على أن هذين خارجان عن الحج ؟
والجواب:- قد تقدّمت الإشارة إلى الدليل أيضاً حيث ذكرت بعض الروايات أنّه يجب طوافٌ آخر بعد الحج - وهو ما يعبّر عنه بطواف النساء - وهذا يدلّ على أنّ الحج قد انتهى يعني أنّه بطواف الحج والسعي ينتهي الحج والرواية تقول ويجب بعد الحج طوافٌ آخر وهذا معناه أنّ الحج قد انتهى، والمسألة مسلّمة تقريباً.
ونقرأ بعض الروايات:-من قبيل صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( القارن لا يكون إلا بسياق الهدي وعليه طوافٌ بالبيت - يعني بعد اعمال منى - وركعتان عند مقام إبراهيم وسعيٌ بين الصفا والمروة وطوافٌ بعد الحج وهو طواف النساء )[1]، وعلى منوالها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( ..... وطوافٌ بالبيت بعد الحج )[2].
إذن لا إشكال في صحّة الحجّ رغم الصدّ عن المبيت في منى وعن الرمي.
وأما الحكم الثاني:- فوجهه واضحٌ أيضاً إذ تقدّم ورود روايةٍ تدلّ على هذا المضمون - يعني على أنّ من ترك الرمي عليه النيابة - وهي رواية عمر بن يزيد، وإنما كانت رواية باعتبار أنّ الراوي هو ولده محمد بن عمر بن يزيد أمّا عمر بن يزيد فهو من أجلّة أصحابنا أمّا ابنه فلم يثبت توثقيه، ونصّها:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام:- من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق فعليه أن يرميها من قابل فإن لم يحج رمى عنه وليّه فإن لم يكن له وليٌّ استعان برجل من المسلمين يرمي عنه فإنه لا يكون رمي الجمار إلا أيام التشريق )[3].
وإنما كان الحكم مبنياً على الاحتياط دون الفتوى لنكتتين:-
أحداهما:- قد تقدّمت الاشارة إليها وهي أن السند ضعيفٌ فإنّ محمد بن عمر بن يزيد مجهول الحال فلا يمكن الاستناد إلى الرواية على مستوى الفتوى ولكن الاحتياط لا بأس به.
ثانيهما:- إنها واردة فيمن غفل لأنّ الوارد في صدرها هو ( من اغفل رمي الجمار ) بينما كلامنا فيمن صُدَّ ولعلّ المصدود أخفّ حالاً من الغافل فالغافل قد يقال له لماذا لم تضع منبهاتٍ حتى لا تغفل ؟!! أمّا هذا فهو قد صُدَّ من قِبَلِ عدوٍّ خارجيّ فهو أخفّ حالاً فمن الممكن أنّه لا يجب عليه الرمي ولكن الاحتياط شيء حسن.
وهل المناسب أن يكون الاحتياط وجوبياً أو استحبابيا ؟
والجواب:- إن السيد الماتن جعله وجوبياً كما هو الظاهر من عبارته، ولكن يوجد مجالٌ لجعله استحبابياً لأجل النكتة الثانية التي أشرنا إليها فإنّ الرواية كما ذكرنا هي واردة في الغلفة فالتعدّي إلى موردنا إن كان فهو من باب الاحتياط الاستحبابي لا الوجوبي، بل حتى النكتة الأولى إذ يمكن أن يقال إنّه مادام الراوي مجهولاً فهي ساقطة إذن عن الاعتبار إلّا إذا أفتى الأصحاب على طبقها.
وأما الحكم الثالث:- فواضحٌ إذ المصدود هو من صُدَّ عن دخول مكة أو عن أفعالها الركنيّة أو الأعم التي تكون أجزاءً، أمّا إذا كان الصدُّ عن واجباتٍ ليست بأجزاءٍ فلا دليل على انطباق حكم الصدّ عليه إذ هو قد أتى بكامل أجزاء الحج والمفروض أنّه قد تحلّل في اليوم العاشر بالهدي فهو ليس بمحرمٍ حتى يحتاج إلى التحلّل بالهدي ثانيةً.
إذن من ناحية الهدي لا موجب له كما هو واضح لعدم انطباق حكم المصدود عليه كما قلنا إذ لم يُصَد عن شيءٍ من اجزاء الحج، مضافاً إلى أنّه قد تحلّل في اليوم العاشر لأنّه مُنِعَ من المبيت ورمي الجمار لا أنّه مُنِعَ من أعمال الحج في اليوم العاشر.
وما أنّه لا إعادة عليه للحج فقد اتضح أيضاً إذ المفروض أنّه قد أتى بالحج بشكلٍ كامل.
وبهذا اتضحت المسألة بالكامل.
يبقى شيء لا بأس بالإشارة إليه:- وهو أنّ هذا الشخص لم يَبِت في منى ليليةً أو ليلتين ونحن نعرف أنّ حكم من ترك المبيت هو أنه عليه دمٌ، فهل مثل هذا يجب عليه دمٌ أو لا ؟
والجواب:- قد تقدّمت الاشارة إلى هذا المطلب في مسألة ( 429 ) التي تعرضت إلى من ترك المبيت وقلنا هناك إنّ من ترك المبيت عن نسيانٍ أو غير ذلك فلا شيء عليه تمسّكاً بحديث الرفع - أعني حديث ( رفع عن متي ما لا يعلمون وما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه..... ) -، وفي مقامنا المناسب أن نطبّق فقرة الإكراه فإنّه أُكِره على ترك الواجب وعلى ترك المبيت فيكون حينئذٍ ما هو مترتّب على ترك المبيت مرتفعاً بسبب الإكراه . فإذن يمكن التمسّك بالحديث المذكور.
إن قلت:- إن حديث الرفع لا يثبت صحّة وأنّه أُتِيَ به كما أشرنا إلى ذلك أكثر من مرّة فكيف إذن يثبت في المقام أنّ ما أُتِيَ به صحيحٌ بعد فرض أنّ حديث الرفع هو حديثُ رفعٍ ولا يثبت الصحّة ؟
قلت:- قد اتضح الجواب عن ذلك من خلال ما تقدّم فإن الصحّة ليس لنا فيها شكٌّ إذ المفروض أن المكلّف قد أتى بجميع الواجب وقلنا إنّه حتى لو ترك المبيت عن عمدٍ فهو لا شيء عليه بمعنى أنّ حجّه صحيحٌ . إذن الصحّة لا نشك فيها وإنما الذي نشكّ فيه هو أنّ ذمته هل اشتغلت بالدم أو لا ؟ وحيث إنّه قد أُكْرِهَ على ترك المبيت فحديث الرفع حينئذٍ يثبت لنا رفع ما يترتب على ذلك - أعني الدم -.
إن قلت:- إنّه بهذا تريد أن تثبت أنّه قد تحقّق منه المبيت لأنّ الحديث نطبّقه على ترك المبيت فنقول هو قد أكره على ترك المبيت فيكون هذا مرفوعاً ولازم رفع ترك المبيت يعني تحقّق المبيت وإثبات المبيت والفروض أنّ حديث الرفع لا قابلية له على إثبات الوجود فلا يمكن من خلاله أن نثبت أنّه قد تحقّق منه المبيت.
والجواب:- نحن لا نريد أن نثبت أنّ المبيت قد تحقّق بل نريد أن نقول إنَّ ما يترتب على ترك المبيت - وهو الدم - هو المرفوع لا أنّ ترك المبيت مرفوعٌ حتى تكون النتيجة هي اثبات المبيت . فإذن لا مشكلة من هذه الناحية.

مسألة ( 443 ):- من تعذّر عليه المضيّ في حجّه لمانعٍ من الموانع غير الصدّ والحصر فالأحوط أن يتحلّل في مكانه بالذبح.
..........................................................................................................
ومحصّل المسالة هو أنّه لو فرض أنّ المكلف لم يُصَدّ عن دخول مكة ولا عن أعمالها ولكن هو لم يتمكن من دخولها كما لو انكسرت السيارة ولم تتهيأ سيارة ثانية حتى يواصل السير أو أن نفقته سرقت وليس لديه أموال أخرى ليواصل السير بها أو ما شاكل ذلك، فالمقصود أنه ليس المنع من ناحية مرضٍ حتى يتحقّق الحصر ولا من ناحية عدوٍّ حتى يتحقّق الصدّ وإنما المانع مانعٌ شخصيٌّ يرتبط بالمكلف.
فهل عليه في مثل هذه الحالة التحلّل بالهدي كما هو حكم المصدود ؟
والجواب:- المناسب بمقتضى القاعدة عدم الحاجة إلى ذلك؛ إذ ذكرنا في بداية حكم الصدّ أنّ القاعدة الأوليّة تقتضي فيمن صُدَّ انكشاف بطلان الإحرام فإنّ وجوب الإحرام وجوبٌ ترابطيٌّ فإذا لم تمكن بقيّة الأجزاء ينكشف أنّ الإحرام ليس بواجبٍ وليس بمطلوبٍ وليس بصحيحٍ، نظير أفعال الصلاة فإنّ من لم يتمكّن من أن يواصل إلى تمام الصلاة ينكشف أنّه من البداية لم يتحقّق الدخول في الصلاة لأنّ الواجب ترابطيّ، وهنا أيضاً كذلك بمقتضى القاعدة الأوليّة ينكشف أنّه لم يتحقّق منه الإحرام وإنما الإحرام كان صورياً وإلّا ففي الواقع لا إحرامَ، ولكن خرجنا عن هذه القاعدة لأجل روايات المصدود وأنّه يتحلّل بالهدي، وحيث إنّ هذا المكلف لا ينطبق عليه عنوان المصدود فيبقى الرجوع إلى مقتضى القاعدة بلا مانعٍ فنتمسّك به وعليه فلا حاجة إلى الهدي، نعم الاحتياط بالتحلّل بالهدي شيءٌ حسنٌ لاحتمال أنّ حكم الصدّ يُطبَّق عليه أيضاً وإن لم يكن مصدوداً بالمعنى الحقيقي، فالاحتياط شيءٌ حسنٌ ولا أقل على مستوى الاحتياط الاستحبابي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo