< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/01/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 25 ) التنجيم - المكاسب المحرمة.

نقاط في المقام:-

النقطة الأولى:- إنَّ السيد الماتن أخذ قيد الإخبار في التنجيم حيث قال:- ( التنجيم حرام وهو الإخبار عن الحوادث مثل الرخص والغلاء والحر والبرد ونحوها استناداً إلى الحركات الفلكية ) فالتنجيم الحرام هو الإخبار عن الحوادث الأرضية ارتباطاً بالحوادث العلوية ، والمناسب أنَّ قيد الإخبار لا مدخلية له فالتنجيم هو عبارة عن اسناد الحوادث الأرضية إلى الحركات العلوية الفلكية سواءً أخبر هذا الشخص المسنِد عن هذا الاسناد وأنه فسوف يتحقّق كذا أو لم يخبر بذلك ، فالإخبار لا مدخلية له في التنجيم ، بل مجرّد الإسناد هو عبارة عن التنجيم ، وإذا أردنا أن نقول التنجيم حرام فالحرام هو نفس هذا الاستناد والاعتقاد باستناد هذه الحوادث الأرضية إلى الكواكب العلوية ، إنّ نفس الاعتقاد بهذا الإسناد يكون حراماً أخبر الشخص بذلك أو لم يخبر به.

وهذا نظير الاجتهاد أو التفقّه ، ما هو الاجتهاد ؟ هو استنباط الأحكام الفرعية من الأدلة التفصيلية ، فنفس الاستنباط والاستخراج هو اجتهاد وتفقه سواء أخبر الشخص عن هذا الاستنباط أم لم يخبر فإنَّ هذا ليس له مدخليّة وإنما نفس الاستنباط هو عبارة عن الاجتهاد والتفقه ، وهنا أيضاً كذلك فنفس اسناد الحوادث الأرضية إلى الكواكب العلوية هو التنجيم ، فإذا بنينا على حرمته يكون هذا نفسه محرّماً سواء أخبر الشخص عن ذلك أم لم يخبر.

ولعلّ السيد الماتن(قده) أخذ ذلك من الشيخ الأعظم(قده) والذي أخذه بدوره من جامع المقاصد ، فإن الشيخ الأعظم(قده)[1] أخذ قيد الإخبار في تعريف التنجيم وقبله جامع المقاصد فلا يبعد أنَّ السيد الماتن أخذ ذلك تبعاً للشيخ الأعظم(قده) ، ولكن هذه قضية ينبغي الالتفات إليها وهي أنَّ قيد الإخبار لا مدخلية له ، وهذه قضية أشبه بالفنّية.

النقطة الثانية:- إنَّ الأخبار على ما عرفنا لا ظهور لها في الحرمة ويصعب الحصول على ذلك ، وإذا رجعنا إلى كلمات الفقهاء لم نجد إجماعاً ادّعي في هذا المجال ، بل ولا شهرة ، بل لم ينسب إلى قائلٍ بعينه ذلك - يعني أنه يفتي بتحريم التنجيم - ، بل بعضٌ لم يتعرّض إلى حرمة التنجيم كالمحقّق(قده) في الشرائع ، وصاحب الجواهر(قده) هو قد بحث مسألة التنجيم تبرعاً منه من دون تعليقٍ على عبارة الشرائع ولم يدّع اجماعاً كما لم يدّعِ شهرة ، قال النراقي(قده):- ( حرّمه بعض الأصحاب واسند إلى جماعة أيضاً وليس كذلك )[2] ، ولم ينسب صاحب الجواهر(قده)[3] إلى الأصحاب شيئاً ، ولم يشر الشيخ الأعظم(قده)[4] أيضا إلى إجماعٍ ولا إلى شهرة ولا إلى نسبةٍ إلى أحد ، وهذه أيضاً قضية جانبية وإنما ننبّه عليها لأنَّ الشخص حينما يرى أنَّ الفقهاء لم يذهبوا إلى الحرمة فهذا يصير عاملاً مساعداً له على ما ينتهي إليه من أخبار ، فإذا لم يرَ للأخبار ظهوراً في الحرمة فهذا يكون داعماً لفهمه ولا داعي إلى الاحتياط الوجوبي أو الاستحبابي مثلاً.

النقطة الثالثة:- هناك موردان يمكن الحكم فيهما بالجواز من دون كلام:-

المورد الأوّل:- النظر في الأوضاع الفلكية والاعتقاد بذلك من دون ربط الحوادث الأرضية بها ، كالنظر في النجوم لمعرفة متى الكسوف أو الخسوف أو دخول القمر في المحاق أو في العقرب ، فالمنجم ينظر في الكواكب - وقلنا الإخبار ليس بمهم وسوف نبحثه فيما بعد - ، ففي هذا المورد نقول يجوز للمنجّم أن ينظر في الكواكب لمعرفة هذه الظواهر الفلكية ، أما أنه لا يأتي ويقول سوف يحصل رخص أو غلاء أو مطر ، كلا بل مجرّد نظر في الكواكب لمعرفة الظواهر الفلكية التي أشرنا إليه ، وهل هذا جائز أولا ؟

والجواب:- نعم هو جائز لوجهين:-

الأوّل:- البراءة ، فإنه لا دليل على حرمة ذلك؛ إذ المحرّم بالروايات لو قلنا بالحرمة هو اسناد الحوادث الأرضية إلى الأوضاع الفلكية ، أما مجرّد النظر في الكواكب لمعرفة الظواهر الفلكية من دون ربطٍ للحوادث الأرضية بها فهذا ليس تنجيماً ولا تدل الروايات على حرمته ، وحينئذٍ نتمسّك بأصل البراءة.

فإما أن نقول إنَّ هذا ليس بتنجيمٍ أصلاً لأن التنجيم هو أن ينظر ويربط الحوادث الأرضية السماوية أما أنه مجرّد ينظر فقط فهذا ليس تنجيماً ، ولا أقل نشك أنّ التنجيم والنظر في النجوم الذي قالت الروايات بحرمته هل هو مجرّد النظر أو بربط النظر بما يحدث حتى في قضاء الحاجة أو لا ؟ والروايات التي تقدّمت عندنا ناظرة إلى أنه ينظر لقضاء الحاجة أو غير ذلك.

الثاني:- إنه وردت روايات تدلّ على كراهة عقد الزواج إذا كان القمر في العقرب أو يكره كذا إذا كان القمر في المحاق:-

من قبيل:- رواية عبد العظيم الحسني عن عليّ بن محمد عليه السلام عن آبائه عليهم السلام في حديث:- ( قال:- من تزوّج والقمر في العقرب لم يرَ الحسنى ، وقال:- من تزوّج في محاق الشهر فليسلِم لسقط الولد )[5] .

ومنها:- رواية محمد بن عمران عن أبي عبد الله عليه السلام:- (من سافر أو تزوّج والقمر في العقرب لم يرَ الحسنى)[6] .

إذن هذه الروايات أثبتت بعض الآثار أو أثبتت الكراهة للزواج أو غير الزواج إذا كان القمر في العقرب أو في المحاق ، وحينئذٍ نضمّ مقدّمة أخرى حيث يقال ومن أين نعلم ذلك؟ إنه لابدّ من النظر في النجوم حتى يعرف متى يكون القمر في العقرب ، وبضمّ هذه الملازمة العاديّة - ولا اقول الملازمة العقلية - إذا دلّت الرواية على كراهة الزواج عند كون القمر في العقرب مثلاً فهذا يدلّ بالملازمة العرفية على جواز النظر في الكواكب لمعرفة هذه الظواهر وإلا يكون تشريع هذا الحكم لغواً عادةً ولا يمكن الاستفادة منه.

إذن ثبت جواز النظر إلى الكواكب لمعرفة هذه الظواهر بأصل البراءة ، بل نتمكّن أن نقول يوجد عندنا ما دليل على الجواز[7] .

وههنا سؤالان:-

السؤال الأوّل:- هل يجوز لهذا المنجّم الذي نظر في الكواكب الإخبار بأن يقول سوف يدخل القمر في العقرب في وقت كذا أو يخبر بأنه سوف يحصل خسوف أو كسوف ؟ فأصل النظر قلنا لا محذور فيه للوجيهن المتقدّمين أما أن يخبر بذلك فهل هذا جائز أو لا ؟

والجواب:- نعم هو جائز لأصل البراءة ، فإنه لا دليل على حرمة الإخبار الذي لا يكون فيه إسناد للحوادث الأرضية إلى الظاهر الفلكية فنتمسّك بأصل البراءة ، فأصل البراءة الذي تمسّكنا به لإثبات أصل جواز نظر المنجّم من دون إسنادٍ أيضاً بنفسه يثبت لنا جواز الإخبار ولكن بشرط أن يكون المنجّم جازماً بنظره وبحساباته فحينئذٍ يجوز له الإخبار عن حصول الخسوف أو الكسوف أو ما شاكل ذلك ، أما إذا لم يكن جازماً فسوف يصدق عليه عنوان الكذب ، من قبيل أني لا أجزم بأنَّ زيداً يأتي من السفر اليوم وأقول اليوم يأتي زيد من السفر فهذا يكون إخباراً كاذباً ، فهنا المنجّم أيضاً إذا أراد أن يخبر من دون جرمٍ يكون كاذباً ، فشرط جواز إخباره هو أنّ يكون جازماً.

السؤال الثاني:- هل إخباره حجّة علينا أو لا ، فحينما يقول سوف يحصل خسوف أو كسوف فهل هذا حجّة علينا أو لا ؟

والجواب:- ينبغي التفصيل بين رؤية الهلال وبين غيرها ، فبالنسبة إلى الرؤية لا يكون إخباره حجّة ، فلو أخبر وقال إنَّ القمر سوف يُرى في هذه الليلة بعد الغروب بدقائق فشهادته هذه لا تكون حجّة علينا ولا يثبت بذلك أنَّ الهلال قد رؤي ، وبالتالي لا يمكن أن نحكم بتحقّق الشهر الجديد ، والوجه في ذلك الروايات الدالّة على أنَّ الصوم والافطار يلزم على أن ترى الهلال أنت بالعين المجرّدة أو بشهادة شاهدين يشهدان بالرؤية أما أن يأتي هذا المنجّم ويخبر بذلك فهذه الروايات تنفي حجيتّه ، بل بعض الروايات تشير إلى أنه لا عبرة بالمنجّم وبالتظنّي وبغير ذلك من هذه الأمور ، من قبيل صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال:- ( إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا وليس للرأي ولا بالتظنّي ولكن بالرؤية )[8] . إذن المدار في ثبوت بداية الشهر ونهايته يكون على الرؤية وليس بشهادة الفلكي فإنَّ شهادة الفلكي لا تنفع في هذا المجال.

وأمّا بالنسبة إلى غير رؤية الهلال كإخباره عن حصول الكسوف أو الخسوف فهنا نقول تارةً يحصل الاطمئنان بإخباره إما من جهة أنَّ الكثرة الكاثرة من أهل الفلك ادّعوا ذلك فيحصل لي الاطمئنان ، أو أنَّ لي عقيدة قويّة بهذا الفلكي فحصل لي الاطمئنان بذلك ، فإذا حصل الاطمئنان حينئذٍ تثبت الحجّية من باب الاطمئنان ، ومستند حجية الاطمئنان كما ذكرنا أكثر من مرّة هو السيرة العقلائية فإنَّها جرت على الاعتماد على الاطمئنان ، كأن اطمئن إلى شخصٍ فأعطيه صلاة استجارية فأنا لا يوجد عندي يقين بأنه سوف يصلّي ، وهكذا في الحج الاستيجاري وغير ذلك ، فهل عندي يقين بأنه سوف يأتي بالحجّ أو الصلاة أو غير ذلك ؟! كلا إنَّه لا يحصل لي يقين بذلك بل يحصل لي الاطمئنان ، فأمورنا جارية على الاطمئنان ، وحيث لا ردع عنه فتثبت بذلك حجّيته.

فعلى هذا الأساس إن حصل اطمئنان بإخباره بحصول الكسوف أو الخسوف فسوف نأخذ به من باب حجّية الاطمئنان لا من باب قوله بما هو حجّة ، وإنما الكلام فيما إذا لم يحصل الاطمئنان فهل يكون إخباره حجّة أو لا ؟


[7] ولو قيل:- هذا أخصّ من المدعى فإن الروايات تثبت الجواز في بعض الموارد ؟ قلت:-إذا قبلنا هذا فحينئذٍ نضم قضية ثالثة وهي إما عدم القول بالفصل يعين الذي يريد أن يقول هو جائز فمادام لا يوجد ربط بالحوادث الأرضية فلا يوجد احتمال لذلك، فإما أن نوقل لا يوجد احتمال أو نقول لم يفصّل الفقهاء.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo