< قائمة الدروس

المضوع: حرمة حلق اللحية - مسألة (43) - المكاسب المحرّمة.

فروع ترتبط بالمقام:-

الفرع الأول:- ما مقدار اللحية الواجب إبقائه ؟

هناك روايات تدل على مقدار القبضة وهي:-

الرواية الأولى:- محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمّد بن أبي حمزة ، عمّن أخبره ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: ( ما زاد على القبضة ففي النار ، يعني اللحية )[1] ، وهي مرسلة.

الرواية الثانية:- وعن الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، وعن علي بن محمّد ، عن صالح بن أبي حمّاد جميعاً ، عن الوشّاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن أبي خديجة ، عن معلّى بن خنيس ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: ( ما زاد من اللحية عن القبضة فهو في النار ). المصدر السابق ح2.

الرواية الثالثة:- وعن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن علي بن إسحاق بن سعد ، عن يونس ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قدر اللحية قال:- ( تقبض بيدك على اللحية وتجزّ ما فضل ). المصدر السابق ح3.

وغاية ما تدل عليه هذه الروايات هو أنَّ الزائد على القبضة مرجوح ، أما أن مقدار القبضة راجح فهذا لا تدل عليه وإنما تدل على أنه ليس بمرجوح أما أنه راجح فلا ، أي هو متساوي الطرفين فهو مباح من دون رجحان ، وعلى هذا الأساس لا نستفيد من هذه الروايات تحديد مقدار اللحية الواجب إبقائه ، وعلينا أن نرجع إلى المستندات التي نستند إليها في حرمة الحلق وكان أهمها - لو تمت - الارتكاز أو سيرة المسلمين عند دخولهم في الاسلام فهي كانت على ابقاء اللحية بعدما كانوا يحلقونها قبلاً وهذا مثلاً يدل على أنهم فهموا من الأجواء اللزوم ، فأحسن ما يمكن التمسّك به هو أحد هذين الوجهين وكلاهما يقتضي ضرورة وجود اللحية فإنَّ القدر المتيقن من الارتكاز أو السيرة المذكورة أنه لابد من وجود لحية ، أما مقدارها فيبقى شيء مسكوت عنه ، فعلى هذا الأساس المرجع في المقدار الواجب هو إلى العرف وذلك بأن يصدق أن هذا الشخص له لحيه أما تحديدها بمقدارٍ فليس شرعياً وإنما هو عرفي ، وقلنا إنَّ مقدار القبضة لا يستفاد رجحانه بل غاية ما يستفاد أنه ليس في النار وليس بمرجوح أما أنه راجح فلا.

يبقى شيء:- وهو أنَّ الزائد على القبضة ينبغي أن نحترز عنه لا أقل من باب الاحتياط ، لأنَّ هذه الروايات وإن كان سندها محل تأمل إلا أنَّ اجتماعها قد يورث الاطمئنان على أنَّ الزائد في النار ، فالمناسب لنا ولكلّ مؤمنٍ أن لا يبقي الزائد على القبضة بل حتى مقدار القبضة أيضا كما فهمنا أنه ليس براجح ، فمن المناسب أن نلاحظ ما هو المناسب للظروف والأجواء.

الفرع الثاني:- هل المقدار اللازم هو ما كان على الذقن والعارضين أو يكفي الوجود على الذقن فقط ؟

عرفنا من خلال ما سبق أنَّ المستند المهم هو الارتكاز والقدر المتيقن من الارتكاز هو ما صدق عليه أنه له لحيه ، ووجودها على الذقن يصدق عليه أن ملتحٍ ، وإذا صدق عليه أنه ملتحٍ فحينئذٍ يكون مشمولاً للارتكاز ، ولا نستفيد من الارتكاز أكثر من هذا ، ولذا يكتفي السيد الخوئي(قده) بهذا المقدار لأنَّ المستند عنده هو الارتكاز فكان يجوّز حلق العارضين.

نعم لو أخذنا بالبيان الآخر وهو أنَّ سيرة المسلمين حينما دخلوا الاسلام كانت على ابقاء اللحية لا على الذقن فقط بل حتى على العارضين فربما يقال إنه بناءً على هذا يكون وجودها على العارضين لازماً ولا يكفي وجودها على الذقن ، ولكن كما ذكرنا أنَّ أصل هذا الدليل محل تأمل ، لكن من استند إليه فربما يقول إنَّ وجود اللحية على العارضين أمرٌ لازم.

الفرع الثالث:- قد يتوهم متوهم كطريق شرعي إلى الحلق من دون أن يرتكب محرّماً وذلك بأن يفترض أنه في أوائل بروز اللحية هو يحلقها ، أي لا يوجد شيء وإنما توجد شعرات خفيفة فيحلقها ثم يفعل ذلك في اليوم الثاني والثالث هكذا ثم يفعل هذا على طول الخط فيبقى إلى آخر عمره ليست له لحية بارزة حتى يصدق أنه قد حلقها.

أو أنه يصنع ذلك لا في أوائل بلوغه وإنما عمره يكون عشرون أو ثلاثون فيحلق لحيته لسببٍ وآخر ، فإذا حلقها فالآن ليست له لحيه ففي اليوم الثاني والثالث والرابع هكذا يصنع أيضاً فبالتالي لا يصدق عليه أنه حلق لحيته.

فقد يتمسّك بهذا الطريق ويقال إنه لا يصدق عليه أنه حلقها لأن اللحية ليست موجودة فلا حلق آنذاك.

والجواب:- إنَّ هذا تعامل جاف مع الألفاظ فيما إذا فرض أنَّ الوارد في الرواية عنوان حلق اللحية كما في بعض الروايات السابقة حيث قالت:- ( حلق اللحية من المثلة ) نعم ربما تأتي بهذه الطريقة ، ولكن بعض الروايات كان الوارد فيها هو لزوم اعفاء اللحية ولم يؤخذ عنوان حرمة حلق اللحية ، فإذن هذه الطريقة تنفع فيما إذا كان الوارد هو حرمة حلق اللحية فيقال إنَّ حلق اللحية فرع وجودها وهي ليست موجودة مادام يحلق في كلّ يوم والتعبير بالحلق يكون آنذاك مجازاً ، ولكن كما قلنا إنه حتى لو كان الوارد هو عنوان حلق اللحية وغضضنا النظر عن عنوان لزوم الاعفاء فنقول إنَّ هذا تعامل جاف مع الألفاظ وهو مرفوض فإنَّ العرف يفهم من هذه الألفاظ ليس عنوان حلق اللحية بنحو الموضوعية بحيث يلزم أن يصدق عنوان حلق اللحية حتى يقال إنَّ ذلك فرع وجود اللحية ، وإنما يفهم من ذلك أنَّ وجود اللحية على العارضين والذقن شيء مطلوب شرعا ، أي يفهم من التعبير بالحلق الطريقية إلى ابقاء اللحية ، والتعامل مع ألفاظ النص ليس محبّباً دائماً ، وهذه قضية لابد من الالتفات إليها.

ولا تقل:- إنك تارة تتعامل مع النص فتقول إنَّ الوارد في النص هكذا وتتماشى مع ألفاظ النص ، ومرة تقول أنا لا أتماشى مع ألفاظ النص بل أدخل الفهم العرفي للنص أيضاً وأرى كيف يفهم العرف من العنوان المأخوذ في النص؟!

فأقول:- إنَّ هذا يختلف باختلاف الموارد ، فبعض الموارد إذا فرض فيها أنَّ العرف يفهم من ألفاظ النص شيئاً آخر غير ما تعطيه الألفاظ فالمدار حينئذٍ يكون على الفهم العرفي ، وأما إذا فرض أن العرف كان حيادياً من هذه الناحية فنتعامل آنذاك مع ألفاظ النص ، فلكل مقامٍ ما يناسبه ، فلا توجد قاعدة عامة تعم جميع المقامات بشكلٍ واحد بل تختلف المقامات.

الفرع الرابع:- ازالة الرجل الشعر عن وجهه بحفٍّ أو نحوه وهكذا بالنسبة إلى تزجيج الحاجب هل هو جائز أو لا ؟

الجواب:- إنه بناء على عدم حرمة حلق اللحية فهذا يكون غير محرّم من بابٍ أولى ، وحيث لا دليل يمنع فنتمسّك بأصل البراءة ، وهذا من فوائد أصل البراءة.

نعم هي قضية غير لائقة وهي أنسب بالنساء منها بالرجال إلا أنَّ هذه قضة أخرى ، وربما يحرم بالعنوان الثانوي ، يعني إذا فرض أنَّ هذا يعطي للمجتمع صورة غير صحيحة ويوجب حرف الشباب فيحرم آنذاك ، ولكن كلامنا الآن في العنوان الأوّلي.

بل نقول أكثر:- وهو أنه حتى أنَّ وضع شيءٍ أحمر أو غير أحمر هو بالعنوان الأولي لا مشكلة فيه ، نعم إذا انطبق العنوان الثانوي فذاك شيء آخر.

الفرع الخامس:- بناءً على حرمة حلق اللحية قد يجوز حلقها في بعض الموارد ، كما إذا سببت له حرجا أو ضرراً فحينئذٍ لقاعدة لا ضرر أو لا حرج ترتفع الحرمة ولكن بمقدار الحرج لا أنه يتوسع أكثر ، فمثلاً الذي في سلك الجنود والجيش إذا فرض أنه يسبب له الحرج فيجوز له الحلق بمقدارٍ يرفع الحرج لا أكثر ، ولابد من الالتفات إلى أنه إذا كان في دائرةٍ ويقول إنه في حرج أن أبقي اللحية فنقول له اترك الوظيفة إذا كان يتمكن من العمل في وظيفة أخرى أو كان له مال يستطيع أن يعتاش به فحينئذٍ لا حرج عليه ، فلا مجوّز له للحلق لأنه متمكن من ترك هذه الوظيفة من دون ضرر أو حرج.


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج2، ص112، ب65، ح1، ط آل البيت.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo