< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/11/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 55 ) – المكاسب المحرّمة.

وما هو منشأ الاشكال في قبول المعاملة المعاطاتية للشرط ؟

وما هو وجه أقربية أو وجاهة قبول المعاملة المعاطاتية للشرط ؟ لأنه(قده) قال إشكال فما هو وجه الاشكال ثم قال ولكن قبول المعاملة المعاطاتية للشرط لا يخلو من وجه فلماذا له وجاه.

أما بالنسبة إلى وجه الاشكال في قبول المعاملة المعاطاتية للشرط:- فيمكن أن يبين في هذا المجال التقريبان التاليان:-

التقريب الأول:- إنَّ المعاملة المعاطاتية هي من سنخ الفعل ومقولة الفعل بينما الشرط هو من مقولة اللفظ والكلام ولا سنخية ولا تشابه ولا تجانس بين الفعل والكلام فكيف يمكن أن يقع الشرط الذي هو من مقولة الكلام في المعاملة المعاطاتية التي هي من مقولة الفعل إنه لا سنخية ولا تجانس فبهذا الاعتبار يشكل قبول المعاملة المعاطاتية للاشتراط ، ومن الواضح لا في خصوص البيع بل في جميع المعاملات المعاطاتية كالاجارة والقرض يأتي هذا الكلام.

وفيه:- إنَّ المعاملة المعاطاتية من الوجيه قبولها للاشتراط وذلك:-

أولاً:- من أين لك أنه يعتبر وحدة الجنس بين المعاملة وبين الشرط فإنَّ هذا كلام وجيهاً بادئ ذي بدء ولكن بأدنى تأمل يتضح أنه فليكن هذا من مقولة الفعل وذلك من مقولة الكلام ولكن لا محذور في ذلك ، فإن عنوان العقد صادق على المعاملة المعاطاتية صادق جزماً فهي عقدٌ فيشمله ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ والاشتراط يشمله ما دل على وجوب الوفاء بالشروط ، وبالتالي هذا شرطٌ فيشمله دليل وهو الوفاء.

إذن يوجد عندنا دليلان في المقام يمكن أن يشملا هذه المعاملة مع شرطها ، هما دليل وجوب الوفاء بالعقد ، ودليل وجوب الوفاء بالشرط ، لأنه تعتقد بأن عنوان العقد صادق جزماً وعنوان الشرط صادق جزماً فإذا كانا كذلك فيشمل كل واحد منهما دلليه الخاص ، أما أنه لابد من المسانخة بين العقد وبين الشرط فهذا يحتاج إلى دليل وهو مفقود.

نعم قد يأتي إلى الذهن أنه كيف يقع القول في الفعل فإن هذا من غير هذا فكيف يقع القول في الفعل فإن هذا تصوره صعب ونحن نجيبك ونقول المهم أنه بالتالي يصدق عنوان العقد أو لا ؟ نعم يصدق فيشمله دليل وجوب الوفاء بالعقد ويصدق بالتالي عنوان الاشتراط أو لا ؟ نعم ، فيشمله دليل وجوب الوفاء بالشرط ، ولا نحتاج أكثر من هذا فإذن لا مشكلة في البين.

ثانياً:- من قال هما من جنسين مختلفين ؟!! فلنقل هما من جنس واحد وإنما الاختلاف في المبرز فإنَّ العقد التزام والشرط التزام فهما معاً من مقولة الالتزام إلا أنَّ أحدهما يكون المبرِز له هو الفعل - يعني العقد المعاطاتي - بينما المبرز لذاك الالتزام - أي الشرط - هو اللفظ ، فالتعدد هو في الكاشف والمبرِز وليس ذلك اختلافاً وتعدداً في المبرَز ، فإن المبرَز واحدٌ وهو الالتزام فإنَّ العقد التزام بنقل هذا الشيء مقابل ذاك والشرط التزام ايضاً بتحقق الشرط وإلا فله الفسخ ، فكلاهما التزام والاختلاف في المبرِز.

إذن لو تنزّلنا عن جوابنا الأول يكفينا الجواب الثاني.

ثالثاً:- لو تنزّلنا عن الجواب الأول والثاني وقلنا إنَّ ما أفيد تام وأنَّ اللفظ لا يمكن أن يقع في الفعل ويرتبط بالفعل ولكن نقول:- يمكن أن يكون الشرط من مقولة الفعل أيضاً ، فكما أنَّ المعاطاة من مقولة الفعل يمكن أن يكون الشرط أحياناً من مقولة الفعل ، فلو فرض أنَّ المعاطاة صارت بالاشارة أو بالكتابة الشرط أيضأً يكون بالاشارة أو بالكتابة فكلاهما صارا معاً من مقولة الفعل لا أنه أحدهما من مقولة الفعل والآخر من مقولة اللفظ ، فإذن ما ذكرته أخصّ من المدّعى ، فإنَّ المعاطاة قبلت الاشتراط فيما إذا كان فعلاً ، فلو تم ما أفيد فهو لا ينفع في اثبات تمام المدّعى ، أي لا يثبت أنَّ المعاطاة لا تقبل الاشتراط أبداً ، وإنما ترفض الاشتراط فيما إذا كان باللفظ أما إذا كان بالفعل كما هو الحال في المعاطاة فلا إشكال في البين.

التقريب الثاني:- أن يقال: إنَّ المعاطاة عقد جائز بينما الشرط أمر لازم فإنَّ الشروط يجب الوفاء بها فهي لازمة ، بينما المعاطاة لا يجب الوفاء بها ، فعلى هذا الأساس كيف يقع الأمر اللازم في الأمر الجائز وينبط أحدهما بالآخر فإن هذا لا يمكن فإن أحدهما يتنافى بالآخر وكيف يرتبط اللازم بغير اللازم فإنه هذا أشبه بالتآلف بين الضدين فإنَّ هذا غير ممكن؟!

وفيه:- إنَّ الشرط وإن كان لاوماً كما ذكر ويجب الوفاء به إلا أن يجب الوفاء به مادام العقد باقياً ولم يُفسخ ، فأنت لك حق فسخ البيع ، ولكن إذا فرض أنه لم يفسخ وإنما امضى البيع فحينئذٍ يأتي دليل وجوب الوفاء بالشرط ويقول إذن يلزمك أن تفي بالشرط ، وإذا فرض انه فسخ العقد فيصير المورد من السالبة بانتفاء الموضوع فأين المنافاة ؟!!

ثم إنَّ هذا الاشكال لو تم فهو يأتي في مطلق البيع لا خصوص المعاطاة ، فإنَّ مطلق البيع جائز إذ يوجد فيه خيار المجلس أو خيار الحيوان أو خيار آخر من الخيارات ، فهو جائز باعتبار تلك الخيارات ولا أقل من خيار المجلس لكن رغم ذلك الوفاء بالشرط - لو كان هناك شرط - هو لازم وكيف تلائم بينهما ؟ ليس لك من جواب إلا أن تقول إنه ما دمت لم تفسخ في المجلس فيجب عليك الوفاء بالشرط وإذا فسخت في المجلس أو بسبب خيار الحيوان صار المورد من السالبة بانتفاء الموضوع فالموضوع مادام باقيا فيجب الوفاء بالشرط ولكن لك الحق في ازالة الموضوع ، فهذا الجواب الذي تذكره في غير المعاملة المعاطاتية يأتي في المعاملة المعاطاتية ، فلا منافاة في البين.

إذن من خلال هذا اتضح أنه لا مانع من تحقق الاشتراط في المعاملة المعاطاتية ، وأحياناً قد الدقّة الزائدة غير محبّبة ، وهذا من موارد الدّقة الزائدة ، نعم هي محببة لأجل عرض الإشكالات ودفعها ، فهي تجعل الذهن ليس في حالة من الحركة وعدم الجمود ، ولكن أنَّ الانسان يطرح هذه الاشكالات ثم يصير بناءه البناء قليلاً قليلاً عليها ويتناسى وجدانه ، فنحن بوجداننا نعتقد أنَّ المعاطاة تقبل الاشتراط ، وهذه سفسطة في مقابل الوجدان والحقيقة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo