< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/02/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 57 ) حكم المقبوض بالعقد الفاسد.

ثانياً:- إنَّ الإقدام لا يصلح أن يكون مدركاً للضمان باعتبار أنه قد يتحقق ولا يتحقق الضمان ، وقد لا يتحقق ومع ذلك يثبت الضمان ، فإذاً لا توجد ملازمة بين الإقدام وبين الضمان ، إذ قد يتحقق إقدام بلا ضمان وقد يفترض عدم الإقدام ولكن مع ذلك يوجد ضمان ، فإذاً لا يصلح أن نعلل الضمان بالمقبوض بالعقد الفاسد بالإقدام مادامت الملازمة منتفية من الطرفين.

أما كيف يتحقق الإقدام ولا ضمان ؟ كما هو الحال في تلف المبيع قبل قبضة فإنَّ من اشترى شيئاً وقد تم الشراء والبيع وصار المبيع ملكاً للمشتري ولكن بعدُ لم يقبضه من البائع فإذا تلف المبيع عند البائع قبل قبضه يكون من مال بائعه ، وهذا أمر مسلّم ، فإذاً يوجد إقدام من قبل المشتري على الضمان ، فهو مقدّم على أنه ملكه فهو مقدم على الضمان ولكن لا ضمان بحكم الشرع ، لأنَّ الشارع قال إذا تلف المبيع قبل قبضه فلا ضمان.وأما أنه قد لا يتحقق الإقدام ولكن مع ذلك يوجد ضمان ، كما هو الحال في البيع بلا ثمن ، فإنَّ من باع من دون ثمن فمادام بلا ثمن يعني أن البائع يقول بعته والمشتري يقول اشتريته بلا ثمن فهنا لا يوجد إقدام على الضمان باعتبار أنه يقول للبائع اشتريته بلا ثمن وهذا بيع فاسد ولكن رغم ذلك لو حصل تعيّب في هذا المبيع المقبوض بالعقد الفاسد يلزم أن يرجعه المشتري إلى البائع مع الضمان ، فإذا تلف المبيع ضمن بدله أو قيمته ، فالضمان شرعاً ثابت رغم أنَّ المشتري لم يقدم على الضمان لأنَّه قد اشتراه بلا ثمن ، وكالإجارة بلا أجرة الكلام فيها هو الكلام فهي بإجارة فاسدة فإذا حصل تلف أو عيب في العين يكون المستأجر ضامناً رغم أنه لم يقدم على الضمان لأنه استأجره بلا أجره.وكما إذا فرض أنَّ المشتري اشترط على البائع أنه يشتري المبيع ولكن لو حصل فيه عيب واتضح أنَّ العقد فاسد فهو ليس ضامناً فرضي البائع ، فهنا المشتري لم يقدم على الضمان ولكن رغم ذلك شرعاً بعد أن يتضح الفساد يلزم أن يرد المشتري العين ويضمن قيمة ذلك العيب ، فإذاً الضمان يثبت رغم أنه لم يقدم على الضمان ، ولعله توجد أمثلة كثيرة أخرى.إذاً الاقدام لا يصلح أن يكون علّة للضمان بعدما فرضنا أنه قد يتحقق إقدام بلا ضمان ، وقد لا يتحقق إقدام ولكن مع ذلك يوجد ضمان.

ثالثاً:- من أين لك أن الإقدام هو موجبات الضمان ؟! فأنت أخذتها كأنها من ألأمور الواضحة والحال أنَّ هذا ليس بثابت.

ولذلك لو فرض أني قلت لشخص أنا أقدمت على ضمان دارك هذه ، فهو قد اشترى بيتاً من شخصٍ وكان خائفاً أن يكون غصباً أو أنه سيقع أو غير ذلك فقلت له أنا ضامن لكلّ ما يحصل فيه فإن انهدم فسوف أبنيه وإن ظهر أنه عصباً فأنا الضامن وسأدفع قيمته ، فهنا يوجد إقدام ولكن هل يصير هذا موجباً للضمان مادام لم يقع ضمن عقدٍ أو كشرط للعقد وإنما كان تبرّعياً ابتدائياً ؟ كلا لا يكون موجباً للضمان ، نعم هو يضمن من باب أنَّ المؤمن إذا وعد وفى أو غير ذلك لكن هذه قضية أدبية أخلاقية وهي أمر ثانٍ ، أما أنه يوجد إلزام شرعي بأنه مادام قد أقدم على الضمان فعليه أن يضمن فلا .وهذا من قبيل أن أقول لشخص سوف أدعوك إلى مائدة طعام كبيرة فهل يجب عليَّ أن أطبّق هذا الشيء ؟ كلا لا يجب علي ذلك ، نعم تبقى حيثية الكذب والصدق ولكن دعنا عنها الآن ، لأني إذا لم أطبق ذلك فقد أكون كاذباً وليس من المناسب لي أن أكذب أو غير ذلك ، ولكن هل بمجرّد التزامي بنفسه يصير ملزماً لي ؟ كلا لا يكون ملزماً لي إلا أن يمكون في ضمن عقدٍ من العقود بأن يقع شرطاً مثلاً.فإذاً اتضح أنَّ الإقدام من البداية من قال إنه من موجبات الضمان ؟! ، وكان من المناسب ذكر هذا كمناقشة أولى.

إن قلت دفاعاً عن هذه المناقشة الثالثة:- لعل مقصود من تمسك بالإقدام ليس أنَّ الإقدام وحده بما هو هو يوجب الضمان وإنما خانه العبير ، وإنما كان مقصوده هو أنه إذا تحققت يدٌ على الشيء فحينئذٍ مع الإقدام تكون اليد مؤثرة ومقتضية للضمان ، فإذاً لا يراد جعل الضمان ثابتاً بمجرد الإقدام وإنما اليد بإضافة الإقدام هي الموجبة للضمان.

والجواب واضح:- إنه بناءً على هذا سوف يعود هذا المدرك إلى المدرك السابق وفي طوله ومتفرعا عليه ولم يكن في عرضه ، وحينما يذكر مستنداً ثانياً فيلزم أن يكون في عرض المستند الأوّل - يعني سواء تم المدرك الأوّل أم لم يتم فهذا بنفسه يكون تام - ، فلا معنى لأن نذكر وجهاً يكون متفرّعاً على الوجه السابق وإلا عاد الوجهان إلى وجهٍ واحد.

والنتيجة من خلال كلّ هذا:- اتضح أنَّ المدرك الأوّل لقاعدة ( ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ) ، ليس بتام.

المدرك الثاني:- التمسك بقاعدة اليد ، حيث يقال:- إنَّ القابض للمبيع بالعقد الفاسد وهو المشتري صار صاحب يدٍ على المبيع واليد من موجبات الضمان ، فإذا اتضح فساد العقد كانت اليد مقتضية للضمان.

وفيه:- إنا ذكرنا قبل قليل أنه لابد وأن يكون كل مدرك في عرض المدرك الآخر لا في طوله ، والمفروض أنَّ قاعدة اليد هي الدليل الثاني على ضمان المقبوض بالعقد الفاسد والآن نفس اليد التي استعنّا بها كدليلٍ ثانٍ لإثبات ضمان المقبوض بالعقد الفاسد الآن استعنّا بها كمدركٍ لقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، يعني لإثبات الضمان ، فبالتالي قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده مادام مدركها قاعدة على اليد فسوف تصير في طول المدرك الثاني لا في عرضه ، فإذاً هذا واضح الوهن جداً.

المدرك الثالث:- قاعدة احترام مال المسلم ، فإنَّ الشرع المقدّس قد جعل حرمة واحتراماً لمال المسلم ومقتضى الاحترام أنه لو ظهر أنَّ العقد فاسد يضمن له لأنَّ هذا هو لازم احترام مال المسلم ، فيكون المشتري ضامناً للبائع.

أما أنه من أين أتت قاعدة احترام مال المسلم ؟ إنها أتت من بعض الروايات ، من قبيل ما قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه )[1] [2] ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر وأكل لحمه معصية وحرمة ماله كحرمة دمه )[3] [4] ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( لا يصلح ذهاب حق أحد )[5] يعني بلا مقابل.

فإذاً المدرك الثالث لقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده هو قاعدة احترام مال المسلم فإنَّ مقتضى الاحترام هو ضمان المقبوض بالعقد الفاسد.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo