< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/03/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- الفصل الثاني: شروط المتعاقدين - مسألة ( 58 ) شرطية البلوغ.

وفي المقابل ذكرت وجوه في مقابل التقريب الأوّل الذي الشيخ النائيني(قده) وبالتالي سوف تكون في صالح كفاية الرشد ولا يلزم البلوغ وهي:-

الوجه الأوّل:- ما ذكره الميرزا علي الايرواني ، وحاصله: إنه يمكن أن يقال إنَّ الشرع اعتبر في غير البالغ الرشد ، فإذا لم يكن بالغاً يلزم أن يكون رشيداً ولابد من ثبوت رشده ، وأما إذا كان بالغاً فنفس البلوغ أمارة على كونه رشيداً وأنه يتصرّف بنحو الرشد ولا يحتاج إلى اختبار.

وبناءً على ما ذكره سوف يكون الشرط الأصلي المعتبر والأساسي في صحة المعاملة هو الرشد ، وإما البلوغ فإن اعتبرناه فهو من باب الكاشفية عن الرشد.وبعبارة أخرى:- إنَّ ثبت أنه رشيداً في تصرفه كفى ذلك حتى لو لم يكن بالغاً ، وأما إذا فرض أنه لم يثبت كونه رشيداً والحال أنه أجرى معاملة فنحقّق معه فإذا عرفنا أنه بالغ فنحكم بصحة معاملته ، فالبلوغ يصير أمارة على الرشد، وإذا لم يكن بالغاً فلابد وأن نلاحظ هذه المعاملة هل هي وفق الرشد أو لا ، فقد جعل(قده) الشرط الأصيل والأمر المعتبر الأصيل هو الرشد ، وأما البلوغ إنَّ اعتبرناه فهو بنحو الطريقية والمرآتية إلى الرشد.

ولكن حينما نطبّق ما ذكره على الآية الكريمة نجد أنها خلاف ما تقول:- فإنَّها قالت ﴿ وابتلوا اليتامى ﴾ يعني اختبروهم هل يوجد عندهم رشد أو لا ، ولكن هذا يحتاج إليه إلى أن يصلوا بلوغ النكاح أما إذا بلغوا النكاح فلا يحتاج إلى اختبار ، يعني هذا الاختبار فقط إلى فترة البلوغ ، فحينئذٍ ما داموا غير بالغين لابد من اختبارهم ، فإنَّ اختبرناهم فإن آنستم منهم رشداً قبل البلوغ فادفعوا إليهم أموالهم ، أي اختبروه قبل عمر الخمسة عشر عاماً فإن آنست منه رشداً فادفع إليه أمواله ، أما إذا بلغ الخامسة عشر فلا ابتلاء وإنما تدفع إليه أمواله من دون ابتلاء ، لأنَّ الآية الكريمة قيدت وقالت ﴿ وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح ﴾ أي إلى حين البلوغ - النكاح - ، فهذا الابتلاء والاختبار يكون إلى هذه الفترة ، ففي الفترة التي ما قبل البلوغ إن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ، أما ما بعد البلوغ فلا يلزم الاختبار بل تدفع عليه أمواله من دون اختبار.

والآية الكريمة تتحمَّل هذا المعنى ، فهذا المعنى الذي أفاده(قده ) ينطبق على الآية الكريمة ، قال(قده):- ( بل لا يبعد استفادة أن المدار في صحة معاملات الصبي على الرشد من الآية وابتلوا اليتامى ..... وأن اعتبار البلوغ طريق اعتبر أمارة على الرشد بلا موضوعية له )[1] .

ثم بعد ذلك قال:- ومما يدعم ذلك أمران:-

الأمر الأوّل:- صحيحة جميل بن دراج عن أحدهما عليهما السلام قال:- ( يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عَقِلَ وصدقته وصيته وإن لم يحتلم )[2] ، و( عَقِلَ ) يعني إذا كان رشيداً يعرف كيف يتصرّف ، والرواية دلت بشكلٍ واضح على أنَّ المدار ليس على البلوغ وإنما المدار على أنه يعرف كيف يتصرّف ( يَعقِل ) ، فيصح طلاقه وصدقته ووصيته.

وقد يقول قائل:- إنَّ هذه الرواية واردة في الوصية والصدقة والطلاق ولم ترد في البيع.

فنقول:- إنَّ احتمال الخصوصية بعيد.

فإذاً إذا لم تجعل هذا دليلاً اجعله مؤيداً وداعماً.ولا بأس بما أفاده(قده).

الأمر الثاني:- سيرة العقلاء ، فإنَّ الشخص إذا كان رشيداً في تصرّفاته قبل بلوغه فالعقلاء يرسلونه إلى السوق ويطلبون منه أن يشتري الأشياء ، وهذه سيرة عقلائية لم يثبت ردعٌ عنها فحينئذٍ تكون ممضاة.

وقد يشكل عليه بإشكالين:-

الاشكال الأوّل:- إن نقول: إنَّ ما ذكرته في تفسير الآية الكريمة احتمالٌ وجيه ، ولكن في نفس الوقت ذلك التفسير الثاني الذي يستظهر من الآية الكريمة اعتبار الاثنين معاً - البلوغ والعقل - تتحمّله الآية الكريمة أيضاً ، فتعود مجملة ، فإما أن نقول نرجع إلى الروايات والروايات قد نهت عن أمر الصبي إلا أن يحتلم ، وبالتالي سوف تكون هذه النتيجة في غير صالحك.

الاشكال الثاني:- أن نقول: إنه عند تساوي الاحتمالين وصيرورة الرواية مجملة نحتاج إلى مصحح للمعاملة وهو مفقودٌ ، فإذاً النتيجة سوف تكون ضدّك لأنه لا يوجد مصحّح ، فإننا نشك في أنه يترتب الأثر أو لا فيجري استصحاب عدم ترتب الأثر على معاملة الصبي ، وحينئذٍ سوف تصير النتيجة هي أنه يلزم البلوغ.

إذاً يوجد طريقان قد يردّ بهما ما ذكره(قده).

والرواية هي رواية أبي الحسن الخادم بيّاع اللؤلؤ عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( سأله أبي وأنا حاضر عن اليتيم متى يجوز أمره ؟ قال: حتى يبلغ أشدَّه ، قال: وما أشدُّه ؟ قال: احتلامه ، قال: قلت: قد يكون الغلام ابن ثمان عشرة سنة أو أقل أو أكثر ولم يحتلم ؟ قال: إذا بلغ وكتب عليه الشيء جاز عليه أمره إلا أن يكون سفيهاً او ضعيفاً )[3] ، والشاهد هو أنَّ الرواية الشريفة قالت: ( إذا بلغ وكتب عليه الشيء جاز عليه أمره ) يعني إذا لم يبلغ لا يجوز أمره ، وأمره يعني تصرفاته ومنها البيع والشراء ، فالرواية تدل على أنَّ الصبي الذي بَعدُ لم يبلغ لا يصح منه ذلك.

وبعد تعارض الاحتمالين في الآية الكريمة - أي الاحتمال الذي ذكرته أنت والاحتمال الآخر الموجود فيها والذي كنا نفهمه أوّلاً - تصير مجملة ، هذا اوّلاً ، وثانياً إنه بقطع النظر عن هذا قلنا إذا تعارض الاحتمالان تصير الآية مجملة فيجري استصحاب عدم ترتب الأثر.قد يجيب ويقول:-

أما بالنسبة إلى رواية الخادم:- فإنها قالت ( لا يجوز أمره ) ، وأمره إنما يصدق فيما إذا دخل العاملة بنحو الاستقلال ، أما إذا أَذِن له والده وقال له اذهب إلى السوق وتصرّف فهنا لا يعبّر بـ( أمره ) ، والرواية منصرفة عن ذلك ، فالرواية ناظرة إلى حالة ما إذا لم يصدر الإذن من الوالد ، وأما إذا صدر منه فهذا أمر الوالد وليس أمر الولد ، فإذاً سوف يثبت أنه إذا صدر الإذن من الوالد فالبلوغ ليس بشرط في التصرّف فإنَّ هذه لا تمنع ، فلا يمكن عدّها مانعاً إذا صدر الإذن من الوالد ، ومن الواضح أننا نعتبر في تصرفات الصبي إذن الوالد ، فإذا صدر فحينئذٍ فهذا أمر الوالد لا أمر الصبي ، فهذه الرواية لا تكون مانعة.

وأما بالنسبة إلى ما ذكره ثانياً فجوابه:- إنه إذا كان الاطلاق موجوداً مثل ﴿ أحلَّ الله البيع ﴾ لا تصل النوبة إلى استصحاب عدم ترتّب الأثر ، فالشيخ الأنصاري قال نستصح عدم ترتب الأثر إذا لم يكن هناك أصل لفظي ، أما إذا وجد أصل لفظي فلا تصل النوبة إلى استصحاب عدم ترتب الأثر.

فإذاً هذا لا يقف أما الحاج ميرزا علي الايرواني(قده) لأنه يجيب ويقول إنه يوجد عندنا ﴿ أحل الله البيع ﴾ وغيره من الاطلاقات والعمومات ، فحينئذٍ عند إجمال الآية الكريمة يكفينا التمسّك بالإطلاق ، فـ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ يشمل معاملة الصبي وإن لم يكن بالغاً.

والخلاصة من كل هذا:- إنَّ ما ذكره(قده) لا بأس به.

وقد يناقش ويقال:- إنَّ ما ذكره وما ذكرناه خلاف الظاهر.

قلت:- إنَّ هذه استظهارات ، فواحدٌ يرى أنها تتلاءم مع الاحتمالين ، وأنت تقول هذا خلاف الظاهر ، وهذا حقٌ لك ، ولكن هذه مناقشة ليست مهمة فلا داعي إلى بيانها.

 


[1] الحاشية على المكاسب، الميرزا علي الايرواني، ج2، ص170.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo