< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/05/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 62 ) – شرطية الاختيار – شروط المتعاقدين.

أما ما ذكره أولاً[1] فيرد عليه:- إنه يمكن أن نقول: إنما يلزم الحمل على الفرد النادر فيما لو كان المورد يصدق فيه الاكراه ولكن نقيد ونقول لا نكتفي به فيلزم الحمل على الفرد النادر ، ولكن نحن نقول:- إنَّ أصل الاكراه لا يصدق ، فمع قدرته على التورية لا يصدق الاكراه ، فالإكراه في الرواية هو من الأوّل سوف يكون ضيّقاً ، لا أنه وسيع ونحن ضيّقناه بحمله على حالة العجز عن التورية.

فعلى هذا الأساس يعتبر العجز عن التفصّي بالتورية لا من باب تقييد الاكراه ، بل من باب أنه من دونه لا يصدق ، فلا يلزم الحمل على الفرد النادر لا في حديث نفي الاكراه ولا في الروايات الأخرى الواردة في أنَّ طلاق المكرَه ليس بشيء وعتقه ليس بشيء ، فإنها ليست وسيعة ونحن حملناها على حالة العجز عن التورية حتى يقال هذا حمل على الفرد النادر ، بل من البداية لا يصدق الاكراه ، يعني أنَّ دائرة الاكراه هي ضيقة ، وهذا ليس من الحمل على الفرد النادر ، وإنما وُلِدَ وهو ضيق ، لا نحن ضيّقناه حتى يلزم الحمل على الفرد النادر.مضافاً إلى ما نذكر فيما بعد في الأمر الثاني فانتظر.

وأما ما ذكره ثانياً[2] فجوابه:- إنه إذا فرض أنَّ الشخص كانت التورية سهلة متيسرة له فهنا نقول يعتبر في صدق الاكراه العجز عن التورية ، نعم إذا كانت غير متيسرة له كما في حق الكثير من الناس لدهشةٍ أو لغفلةٍ فنقول عرفاً لا يعتبر العجز عن التورية ، أما إذا كانت التورية سهلة فعرفاً نقول صدق الاكراه موقوف على العجز عنها ، فينبغي التفصيل ، لا أنه مطلقاً عرفاً لا يعتبر في صدق الاكراه العجز عن التورية ، بل ينبغي أن يفصل بين أن تكون التورية سهلة له فلا يصدق في حقه الاكراه ، وبين ما لم تكن ميسّره له فيصدق الاكراه حينئذٍ في حقه.

وأما ما ذكره ثالثاً[3] :- فهذه الرواية تارةً يقع الكلام فيها سنداً وأخرى دلالةً:-

أما سنداً:- فسندها هو:- ( محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن موسى بن سعدان عن عبد الله بن القاسم عن عبد الله بن سنان ) ، ومحمد بن يعقوب هو الشيخ الكليني(قده) ، ومحمد بن يحيى هو الأشعري القمي شيخ الكليني وهو أجلة وثقات أصحابنا وقد روى عنه الكليني ربع الكافي تقريباً ولا كلام فيه ، ومحمد بن الحسين هو ابن أبي الخطّاب وهو من أجلّة أصحابنا ، وعبد الله بن سنان ثقة أيضاً ، إنما المشكلة في موسى بن سعدان وعبد الله بن القاسم ، أما بالنسبة إلى موسى بن سعدان فقد ضعّفه النجاشي ، وأما بالنسبة إلى عبد الله بن القاسم فهو مشترك بين الحارثي وقد ضعّفه النجاشي وبين الحضرمي وأيضاً ضعّفه النجاشي.

فإذاً السند ضعيف من ناحيتين ، وقد بيّنا أكثر من مرة أنَّ الشيخ الأعظم(قده) في الأصول فهو يعتبر هذه الأمور الرجالية أما في الفقه فيتساهل ، فالرواية إذاً محل تـأمل.

وأما من حيث الدلالة:- فالرواية قالت ( الاكراه يكون من الزوجة والأب ) ، وربما يخطر إلى الذهن في مقام التعليق فيقال: إنَّ هذا استعمال مجازي ، فهنا عبّر بالإكراه مجازاً ومسامحة ، وإلا حقيقةً فهذا ليس إكراهاً.

ولكن يمكن للطرف أن يقول:- إنَّ الأصل في الاستعمال هو الحقيقة والحمل على المجار يحتاج إلى قرينة ، فلنقل إنَّ كلمة الاكراه لغةً هي وسيعة تشمل حتى حالة القدرة على التفصّي بغير التورية ، كما بالنسبة إلى الزوجة ، فإنه يستطيع أن يتفصّى عنها كأن يخرج من الدار ولا يعير أهمية لكلامها ، وهكذا الأم.

فإذاً لا يمكن أن نقول إنَّ هذا الاستعمال مجازي ، لأنه يمكن أن يردّ بأن الأصل في الاستعمال هو الحقيقية ، فهذا الجواب ليس علمياً بتلك الدرجة.

والأولى أن نجيب بجواب آخر وذلك بأن نقول:- قد قرأنا في الأصول إنه إذا كان المعنى معلوماً وشككنا أنَّ الاستعمال فيه بنحو الحقيقة أو بنحو المجاز فهنا لا مجال لتطبيق أصالة الحقيقة ، وإنما مورد أصالة الحقيقة ما إذا عرفنا المعنى الحقيقي وعرفنا المعنى المجازي شككنا بأنَّ المتكلم يريد المعنى الحقيقي أو يريد المعنى المجازي فهنا الأصل هو الحقيقة ، أما إذا انعكس الأمر فكان المعنى معلوماً بيد أننا نشك في أنَّ الاستعمال في هذا المعنى بنحو الحقيقة أو بنحو المجاز فهنا أصالة الحقيقة لا تجري ، وموردنا من هذا القبيل ، لأنَّ المعنى معلوم حيث أريد من الاكراه هنا حالة الضغط من قبل جهةٍ ولكن مع إمكان التفصّي بالتورية وبغير التورية ، فالمعنى معلوم ولكن نشك في أنَّ هذا الاستعمال بنحو الحقيقة أو بنحو المجاز ، فهنا لا يجزم بجريان أصالة الحقيقة ، وهذا ليس من موارد تطبيق أصالة الحقيقة.

ولو قيل:- إنَّ هذا الكلام جيد ولكن ما هو المدرك ؟ فلماذا إذا علم بالمعنى ولكن لا يدرى أنَّ الاستعمال بنحو الحقيقة أو بنحو المجاز لا تجري أصالة الحقيقة ، أما إذا كان المعنى الحقيقي والمجازي معلومان ولا ندري هل يريد المعنى الحقيقي أو المجازي فهنا تجري أصالة الحقيقة ، فما هي النكتة في ذلك ؟

والجواب:- إنَّ مدرك أصالة الحقيقة ليست آية ولا وراية حتى نقول جئني بآية أو راية ، وإنما المدرك هو السيرة ، والقدر المتيقن من السيرة ما إذا فرض أنَّ المعنى الحقيقي والمجازي كانا معلومين فإذا شككنا فهنا العقلاء يطبقون أصالة الحقيقة ، أما إذا كان المعنى معلوماً فما هي فائدة تطبيق العقلاء لأصالة الحقيقة فأنَّ المعنى معلوم ، فسيرة العقلاء موجود فيما إذا كان المعنى الحقيقي والمجازي معلومان ولا ندري هل المتكلم يريد المعنى الحقيقي أو المجازي فهنا تطبيق أصالة الحقيقة له فائدة ، ومادام له فائدة فالعقلاء يطبقون أصالة الحقيقة ، أما إذا فرض أنَّ المعنى كان من البداية معلوماً ولكن لا ندري أنه بنحو الحقيقة أو المجاز فإجراء أصالة الحقيقة ليس لها فائدة ، لأنَّ المعنى معلوم ، لأنه بعد معلومية المعنى لا يوجد عندنا نذر على كونه حقيقةً أو مجاز ، فإذاً هذه قضية واضحة.

ومن هنا ما قرأناه في المعالم أنه كان يقول:- إنّ صيغة الأمر قد استعملت في الوجوب كثيراً - ويأتي بشواهد - ، والأصل في الاستعمال الحقيقة.

ونحن نقول:- كلا ، بل إذا كان المعنى معلوماً فالأصل في الاستعمال هو الحقيقية ، فنحن نقول إنَّ سيرة العقلاء لا نجزم بانعقادها - ويكفينا أن نقول لا نجزم بانعقادها - وإنما القدر المتيقن من سيرة العقلاء ما أشرنا إليه.

وفي موردنا قلنا إنَّ المقصود من الاكراه واضح وهو الدرجة المخفّفة ، لأنَّ الزوجة درجة اكراهها مخفّفة ، لأنه يستطيع أن يخرج من الدار ولا يستمع لقولها ، فالمعنى معلوم ولكن لا ندري هل الاستعمال بنحو الحقيقة أو بنحو المجاز ، فلا معنى لأن يستشهد الشيخ الأعظم(قده) بهذه الرواية ، لأنَّ أصالة الحقيقة لا مجال لها هنا.هذا كلّه بالنسبة إلى الأمر الأول.

[1] من أنَّ النصوص المجوّزة للحلف أو غير ذلك في حالة الاكراه حملها على حالة العجز عن التورية بعيد وقلنا لابد أن يكون مقصوده من وجه البعد الحمل على الفرد النادر.
[2] من أن العجز عن التفصي بالتورية ليس بمعتبر في مفهوم الاكراه عرفاً.
[3] وهو أنه نتمكن أن نقول إنه حتى العجز عن التفصّي بغير التورية لا يعتبر في صدق الاكراه والمستند رواية عبد الله بن سنان التي قالت الاكراه يكون من الزوجة والأب.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo