< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/03/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 70 ) – هل الاجازة كاشفة أو ناقلة – شروط المتعاقدين.

عرفنا أنَّ العلمان المحقق الحلي والشيخ الأعظم اتفقا على أنَّ المناسب عدم وقوع البيع صحيحاً في المجموع بما في ذلك مقدار الزكاة إلا أن يقال إنَّ الحق يتعلق بالذمة، وهذا الذي ذكره الشيخ الأعظم(قده)، وأما المحقق الحلي(قده) فلم يذكر توجيهاً وإنما وجّه الاشكال من دون دفعٍ، أما الشيخ الأنصاري فقد قبل الاشكال وحاول أن يبرز دفعاً له.

وفي مقام التعليق نقول: - يمكن أن يقال: إنَّ الشيخ الطوسي حكم بالصحة لا لما ذكره الشيخ الأنصاري بل توجد رواية تدل على أنَّ من باع مجموع المال الزكوي إذا فدفع بعد البيع مقدار الفريضة وقع البيع صحيحاً، فإذا كانت رواية فالشيخ الطوسي قد استند إليها ويكون إشكال المحقق ليس وارداً، وهكذا إشكال الشيخ الأنصاري مع الجواب لا يكون وراداً، والرواية هي صحيحة عبد الرحمن[1] بن أبي عبد الله قال:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- رجل لم يزكِّ إبله أو شاهه [ أو شاته ][2] عامين فباعها على من اشتراها أن يزكيها لما مضى؟ قال: - نعم تؤخذ منه زكاتها ويدفع بها البائع أو يؤدي زكاتها البائع )[3] إنها دلت بوضوح على أنَّ البائع - وهو المالك - إذا دفع مقدار الزكاة بيع البيع فالبيع حينئذٍ يكون ماضياً، فدلالتها واضحة في ذلك ولا تأمل فيها.

ثم إنه عرفنا أنَّ الاحتمالات في المسألة ثلاثة أحدها أنَّ البيع صحيح مع الاجازة، وقد ذهب إليه الشيخ الأعظم(قده) وقال إنَّ الدليل على ذلك هو الأصل والعمومات[4] .

أما العمومات:- فهي مثل ( أحلَّ الله البيع ) أو ( أوفوا بالعقود ) وما شاكل ذلك، أما الأصل فلإن كان مقصوده الأصل العملي فهذا لا معنى له من جهة أنه مع العمومات لا تصل النوبة إلى الأصل العملي فإنَّ هذا صحيح، ولكن لعل مقصود الشيخ الأعظم(قده) أنه بقطع النظر عن العمومات يكفينا الأصل، وهذا مقبول، ولكن نقول لا يصح التمسك بالأصل، لأنَّ الأصل العملي في باب المعاملات دائماً يقتضي الفساد إلا مع وجود أمارةٍ كحمل فعل المسلم على الصحة أو ما شاكل ذلك، أما إذا شككنا في معاملةٍ بنحو الشبهة الحكمية الكلية - أي ليست هذه المعاملة وإنما نشك في الحكم الكلي - فنشك أنَّ هذه المعاملة صحيحة أو لا وأنه ترتب عليها الأثر أو لا فالأصل يقتضي عدم ترتب الأثر، لأنه قبل تحقق المعاملة لا أثر وبعد تحقق المعاملة نشك فنستصحب عدم ترتب الأثر، فإذاً دائماً الأصل العملي يقتضي عدم ترتب الأثر فما مقصود الشيخ من الأصل إلى جنب العمومات ؟ ليس لنا أن نقول إنَّ هذا العطف تفسيري، فمقصوده من الأصل هو الأصل اللفظي والعطف هنا تفسيري.

فالأصل العملي في باب المعاملات يقتضي الفساد دائماً فإذا لم يكن هناك دليل اجتهاد على الصحة - يعني عمومات - نحكم بالفساد للأصل العملي فاختلف مقتضى الأصل العملي عن الأصل اللفظي في باب المعاملات، ولعله في غير بباب المعاملات مثل الحلية الأصل العملي يقتضي الحلية والأصل اللفظي كما لو كانت هناك عمومات لعلها تقتضي الحلية ايضاً أما في باب المعاملات فالصل العملي يقتضي الفساد والعمومات تقتضي الصحة، وهذا مطلب واضح، فيلزم حمل عبارة الشيخ على العطف التفسيري.

وما أفاده من التمسك بالعمومات شيء وجيه إن لم يكن هناك ما يقتضي البطلان، أما إذا كان هناك دليل يقتضي البطلان فلا معنى للتمسك بالعمومات.

الأدلة على البطلان: - ذكرت عدة أدلة لإثبات البطلان: -

الدليل الأول: - إنَّ الاجازة تعني إمضاء ما صدر من العقد وإلا إذا لم تكن إمضاءً لما سبق بل هي اثبات لشيء جديد فلا تكون إجازة وإمضاءً حتى يصح ما سبق وهذا من البديهيات، وحينئذٍ نأتي على مقامنا، فإنَّ المعاملة التي صدرت في حل الكلام ولنفترض أنَّ الولد باع سيارة والده وبعد أن باع اتضح أنَّ الوالد مات بعد البيع فحينئذٍ صار الولد مالكاً فيأتي هنا مصداق من باع شيئاً ثم ملك فهنا لا يمكن للولد أن يجيز تلك المعاملة إذ تلك المعاملة طرفها وعمادها الأب بينما حينما يريد الولد ان يجيز فهو يجير لنفسه يعني يصير العماد هو فما صدر لم يجزه وما اجازه لم يصدر.

إن قلت: - نحن عرفنا من خلال الأبحاث السابقة ان قصد البيع عن النفس أو عن الغير ليس بمهم ولا أثر له وخارج عن المعاملة فكيف عدت إليه الآن وأخذته بعين الاعتبار؟

قلت: - إني لم أقل البيع السابق قصد به الأب وغنما قلت عماده وكرفه هو الأب وهذا واقع الحال وهذا لا يرتبط بالقصد بل واقعه أنَّ طرف المعاملة هو الأب بينما الاجازة الآن تكون للابن والطرف يصير الابن والمعاملة تصير للابن فلا يمكن إجازة ما سبق فإنَّ ما سبق يختلف عمّا أجيز.

فإذاً كيف نصحّح هذه المعاملة؟

وفي مقام الجواب نقول:- إنَّ ما ذكر وجيه إذا أردنا امضاء تلك المعاملة من خلال اجازة الابن فإنَّ الاشكال يكون وارداً، فإنَّ طرف المعاملة الأولى هو الأب بينما الطرف بعد الاجازة هو الابن فلا توجد مطابقة بين الاجازة وبين ما يراد اجازته، ولكنا نقول إنَّ الاجازة هي إنشاء جديد ينظم إلى ما صدر في المعاملة السابقة من الأصيل الذي هو المشتري، فهذا الابن حينما صار مالكاً يقول أجزت فها مبرز وقبول المشتري الأصيل مبرز ايضاً فتحصل معاملة جديدة غير ما سبق فالمعاملة السابقة لم تجز وإنما بالاجازة انشاء عقد جديد وبالتالي صححنا المعاملة للمالك الجديد بعد اجازته من خلال هاذ البيان والمهم أننا نريد أن نصحح المعاملة بالاجازة وقد صححناها، نعم كنت تتصور أننا نصحح بالاجازة المعاملة السابقة وقد اتضح الأمر ليس كذلك وإنما صححناها لا من خلال إجازة المعاملة السابقة بل من خلال ايجاب جديد يرتبط بالقبول السابق فيشمله عموم ( أوفوا بالعقود )، وهذا طريق لا بأس به.


[1] وهو عبد الرحمن البصري ثقة.
[2] هكذا في الكافي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo