< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/05/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 75 ) ضمان القيمة يكون على أي زمان؟ – شروط المتعاقدين.

مسألة ( 75 ):- الظاهر أنَّ المدار في القيمة المضمون بها القيمي قيمة زمان القبض لا زمان التلف ولا زمان الأداء.

............................................................................................

والمقصود هو أنه إذا فرضنا أنَّ المقبوض بالعقد الفاسد فأمره سهل حيث يدفع المثل، وأما إذا كان قيمياً فلابد من دفع القيمة، ولكن قيمة أي يوم من الأيام؟

إنه ذكر ثلاثة احتمالات - ولكن لا على سبيل الحصر بل لعل الاحتمالات أكثر فربما يقول قائل هي أعلى القيم - أحدها أن المدار على زمان قبض المبيع بالعقد الفاسد وقد تبناه، في مقابل القول الآخر الذي يقول إنَّ المدار على زمان التلف وقد تبنّاه الشيخ الأعظم(قده)، في مقابل الاحتمال الثالث وهو أنَّ المدار على زمان الأداء، ففي اليوم الذي يريد أن يؤدي فيه قد يكون هو نفس زمان التلف وقد يكون بعد شهر مثلاً، ولعل هناك احتمالات أخرى، أما بالنسبة إلى رأي السيد الخوئي(قده) وهو أنَّ المدار على يوم قبض المبيع فهو ليس على طبق القاعدة، وإنما يستند في ذلك إلى بعض الروايات كما سوف يأتي فانتظر.

والكلام تارةً يقع فيما تقتضيه القاعدة، وأخرى فيما تقتضيه النصوص: -

أما مقتضى القاعدة: - فقد ذهب الشيخ الأعظم(قده)h[1] إلى أنه قد يقال إنَّ المدار على زمان التلف، باعتبار أنه هو زمان الانتقال إلى البدل، فيكون المدار عليه، إذ العين مادامت موجود فيه مضمونه بنفسها، فإذا تلفت فيصير زمان الانتقال إلى البدل هو زمان التلف، فالمدار على زمان التلف.

ثم أشكل وقال: - صحيح أنَّ زمان التلف هو زمان الانتقال إلى القيمة، ولكن قيمة أيّ يوم، فهل هي قيمة يوم التلف أو يوم الأداء أو يوم آخر، فإنَّ هذا لا يثبت بما أفيد، فإن الذي أفيد هو أنَّ زمان التلف هو زمان الانتقال إلى البدل - أي زمان الانتقال إلى القيمة - ولكن قيمة أيّ يوم فإنَّ هذا مسكوت عنه، فهذا المقدار من الكلام حيادي وأقصى ما يثبت هو أنَّ زمان التلف هو زمان الانتقال إلى القيمة أما قيمة أيّ يوم فهو ساكت عنه، فهذا المقدار من البيان لا يكفي لإثبات أنَّ المدار على قيمة يوم التلف.

ولذلك تصدّى لإثبات أنَّ المدار على يوم التلف: - وحاصل ما ذكره مركب من مقدمتين: -

المقدمة الأولى: - إنَّ معنى الضمان هو تدارك الشيء ببدله.

المقدمة الثانية: - وتدارك الشيء ببدله إنما يتحقق بملاحظة بدله في زمان التلف، فيكون المدار على زمان التلف.

ويرد عليه: -

أولاً:- إنَّ الشيخ الأعظم(قده)استعان بمصطلح الضمان وحاول أن يستفيد منه، فقال إنَّ الضمان هو تدارك الشي ببدله، ونحن نقول:- سلَّمنا هو تدارك الشيء ببدله ولكن لماذا أستعنت بمصطلح الضمان حتى ترتب عليه ما أتيت به بعد ذلك، فإنَّ مصطلح الضمان تبرع منك لا نحتاج إليه، وهو لم يؤخذ في نصٍّ ولا في حكم العقل والعقلاء، وإذا أخذ فهو يؤخذ بنحو الطريقية لا بنحو الموضوعية، فيمكن الاستغناء عنه، وذلك بأن نقول ( عند اتلاف مال الغير يجب ردّ بدله ) ولا نأتي بمصطلح( ضمان ) فحينئذٍ يجب ردّه، أما متى يكون بدله فهل يجب ردّ بدله حين الأداء أو حين التلف فهذا مسكوت عنه.

ثانياً: - سلّمنا أنَّ الضمان هو عبارة عن تدارك الشيء ببدله عند تلفه، أما أنه يلحظ البدل عند التلف كما ذكر في المقدمة الثانية فلا، فنحن نقول إنَّ تداركه ليس بملاحظة القيمة عند تلفه، بل يمكن أن يحصل التدارك بالقيمة عند التلف إذا طالب يوم التلف أو بالقيمة يوم الأداء إذا طالب في يوم الأداء فإنَّ هذا تدارك أيضاً، فلماذا تدارك الشيء ببدله لا يتحقق إلا بملاحظة قيمته يوم تلفه؟!! وإنما يتحقق بملاحظة قيمته يوم التلف إذا طالب به يوم التلف، وإذا طالب بعد ذلك فتلاحظ القيمة يوم الأداء.

ثالثاً: - إنَّ كل ما ذكره مبني على مقدمة مضمرة أخذها كشيء مسلّم، وهي أنَّ الذمة بعد تلف المقبوض بالعقد الفاسد لا الذمة لا تعود مشغولة بنفس الشيء وإنما تكون مشغولة بالبدل، ولذلك قال إنَّ ضمانه عبارة عن تداركه ببدله عند التلف وذلك لا يكون إلا بملاحظة القيمة عند التلف، ونحن نقول:- إنَّ الذمة تبقى مشغولة بالعين، ولا نحتاج إلى الجزم بذلك، بل كيفينا الاحتمال في ابطال ما بناه الشيخ الأعظم(قده)، بل ربما يقال إنَّ المثبت موجود لا أنه مجرّد احتمال، فإنَّ الذمة كانت مشغولة قبل التلف بنفس العين، وبعد أن حصل التلف يشك هل يتبدل انشغال الذمة إلى البدل أو يبقى مشغولة بنفس العين فنستصحب ما تقدم، فمن خلال الاستصحاب يمكن أن نثبت أنَّ الذمة مشغولة بنفس العين.

إن قلت: - إنَّ هذا تكليف بما لا يطاق فإنَّ العين إذا كانت تالفة كيف تكون الذمة مشغولة بها؟

قلت: - إذا كان الخطاب والحكم في المقام بنحو الحكم التكليفي - يعني يجب عليك أن تؤدي الكتاب التالف - فنعم هذا تكليف بما لا يطاق، وأما إذا كان الخطاب وضعياً فلا محذور في ذلك.

وذهب السيد اليزدي(قده)[2] إلى أنَّ الذمة مشغولة بنفس العين: - وبذلك يبطل كل ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) لأنَّ مبني على أنه عند التلف الذمة تنشغل بالبدل، فيثبت الضمان بمعنى تدارك الشيء ببدلة ولس بنفسه، أما السيد اليزدي يقول إنَّ الذمة لازالت مشغولة بالعين وعليه فسوف يبطل كل ما أفاده الشيخ الأعظم(قده)، وقد استدل السيد اليزدي بحديث ( على اليد ما أخذت حتى تؤدي )، فقال إنَّ مقتضى حديث ما أخذت حتى تؤدي هو أنَّ المضمون هو نفس العين حيث قال الحديث ( على اليد ما أخذت ) وما أخذته هو العين - كالكتاب - فاليد هي ضامنة للعين، فالحديث يدل على أنَّ العين هي المضمونة ( حتى تؤدي ) فالذمة مشغولة بنفس العين إلى حين الأداء.

والاشكال عليه واضح: -

أولاً: - إنَّ الحديث لم يثبت سنداً.

ثانياً: - إنه حتى لو فرض أنَّ السند تام ولكن طريقة التمسك بالحديث بهذا النحو الدقيق ليس بصحيح، فهنا المقصود من ( على اليد ما أخذت ) ليس هو المعنى الحقيقي وإنما المقصود هو الضمان، فالرواية تريد أن تبيّن أنك ضامن للعين إذا تلفت، ولكنها لا تريد أن تبيّن أنَّ نفس الكتاب حتى بعد تلفه تكون ذمته مشغولة به، فهذا التعبير مقبول ويؤدي في اللغة العربية إلى أنَّ هذا الشخص ضامن، أما أنَّ ذمته تبقى مشغولة بنفس العين حتى بعد تلفها فهو ليس بصدد بيان هذا المطلب.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo