< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/05/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 75 ) ضمان القيمة يكون على أي زمان؟ – شروط المتعاقدين.

وهناك احتمال رابع ذكره السيد الخوئي(قده)[1] وحاصله: - إنَّ كلتا الكلمتين - ( قيمة ) و( بغل ) - مضافتان في آنٍ واحد إلى كلمة (يوم)، فتصير النتيجة نفس النتيجة، وهي قيمة يوم المخالفة، يعني لا توجد اضافتان، وإنما توجد اصافة واحدة، ففي آنٍ واحد المجموع بما هو مجموع - وهو ( قيمة بغل ) - مضافة إلى كلمة(يوم ).

إن قلت: - هل يوجد هذا الاستعمال في لغة العرب؟

قلت: - نعم إنه موجود، كما لو قلت ( هذا ماءُ وردِ زيدٍ )، فهنا ما هو المضاف إلى ( زيد )، فهل المضاف هو كلمة ( ماء )، يعني هل تربد أن تقول ( ماء زيد )؟ فإن هذا غير صحيح، أو أنَّ المضاف هو كلمة ( ورد )، يعني ( ورد زيد )؟ فإن هذا غير صيح أيضاً، لأنَّ زيد قد لا يوجد عنده وردٌ أصلاً وإنما يوجد عنده ماء ورد فقط، فالمضاف إذا كان هو المجموع بما هو مجموع يضاف إلى كلمة زيد فيقال ( هذا ماءُ وردِ زيدٍ )، فالذي أضيف إلى زيد ليس هو الماء وحده، ولا الورد وحده، فإنَّ هذا غير خطأ، وإنما المجموع يكون مضافاً إلى زيد، وهذا استعمال صحيح معهود، ولا يحتمل أحد أنه خطأ.

ونفس الشيء نقوله بالنسبة إلى تعبير ( نعم قيمة بغل يوم المخالفة ) ، فـ( يوم ) مضاف إليه، والمضاف ليس هو كلمة ( قيمة ) وحدها ولا كلمة ( بغل ) وحدهما كما كانت توحي به عبارة الشيخ الأعظم(قده) في الاحتمال الأول، وإنما المضاف هو مجموع الكلمتين، فمجموع الكلمتين قد أضيف إلى كلمة ( يوم )، وبالتالي هذا سوف ينتج لنا المطلوب، وهو أن نجعل المدار على قيمة البغل يوم المخالفة.هذا ما ذكره في نصرة الشيخ ولكن ببيانٍ آخر.

وفيه: - إنَّ المثالين اللذين مثّل بهما يوجد فيهما إضافة معنوية واضافة لفظية، فإنه بحسب المعنى الأمر كما ذكر، يعني أنَّ المضاف إلى زيد ليس هو كلمة ( ماء ) وحدها بحسب المعنى وإنما هو المجموع، ولكن بحسب اللفظ نقول إنَّ كلمة ( ماء ) مضافة إلى كلمة ( ورد ) وكلمة ( ورد ) مضافة إلى ( زيد )، ولا أحد بحسب اللفظ يعرب المجموع - ( ماء ورد ) - بأنه مضاف إلى زيد، وإنما الأمر كما ذكرنا.

فإذاً هناك ضافة معنوية بحسب المعنى، وهناك إضافة بحسب اللفظ، أما الإضافة بحسب اللفظ فالأمر كما ذكر، وأما بحسب اللفظ فهناك اضافتان بالشكل الذي ذكرناه.وحينئذٍ نقول: - إذا أردنا تطبيق هذه الفكرة في فقرة الرواية التي ورد فيها ( قيمة بغل يوم ) فبحسب المعنى صحيح أنَّ الأمر كما ذكره، ولكن يحسب اللفظ لا يمكن ذلك، فإنَّ القيمة مضافة إلى بغل، والبغل لا يمكن أن يضاف إلى الظرف - ( يوم ) -، لأننا قلنا في مناقشة الاحتمال الأول في كلام الشيخ أنَّ الجامد لا يضاف إلى الظرف، فلا تقول ( زيد أمس )، ولازم هذا الاحتمال الذي أبرزه إضافة الجامد إلى الظرف، لأنَّ الذي ذكره فيه جنبة معنوية وفيه جنبة لفظية، فمن الجنبة المعنوية يصح المعنى، ولكن من الجنبة اللفظية يقف الأمر، وإذا لم نحل المشكلة من الجنبة اللفظية يبقى هذا الجواب ناقصاً ولا يمكن المصير إليه.وبهذا اتضح أنَّ الاحتمالات المذكورة في صالح أنَّ المدار على قيمة يوم المخالفة أربعة أوجهها الاحتمال الثالث الذي تكون فيه كلمة ( يوم ) ظرفاً إلى كلمة ( قيمة )، يعني ( قيمة يوم ).

ورب قائل يقول: - إنَّ كلمة ( قيمة ) جامد فكيف يتعلق الظرف بالجامد، فإنَّ الظرف وهكذا الجار والمجرور لا يتعلق بالجامد؟

والجواب: - صحيح أنها من الجامد، ولكن فيها شائبة معنى الحدثية، وبهذا الاعتبار يصح تعلّق الظرف بها ونقول ( قيمة يوم المخالفة )، وهذا أمر وقبول ولا شيء فيه، بخلافه في ( زيد اليوم ) وما شاكله، فإن هذا شيء مستهجن، أما ( قيمة يوم المخالفة ) بحيث يكون ( يوم ) ظرفاً للقيمة فهو شيء وجيه ولا بأس به، فإن كلمة ( قيمة ) وإن كانت جامدة ولكن بحسب المعنى فيها شائبة معنى الحدثية، فلا مشكلة من هذه الناحية.

هذا ويمكن أن يبرز احتمال آخر تكون الرواية بناءً عليه أجنبية عن تعيين كون المدار على قيمة أي يوم:- فهي أصلاً ليست في صد تعيين أي يوم من الأيام، وإنما هي في صدد بيان القيمة فقط، أي يلزمك القيمة أما قيمة أي يوم فالرواية ليست في صدده، وإذا تم هذا فسوف يبطل كل ما أراد الشيخ الأعظم(قده)، والشيخ كان ملتفتاً إلى هذا الاحتمال حيث قال:- أنَّ بعضاً احتمل أنَّ المقصود من الرواية هو السؤال عن أصل أني أنا أبو ولاد الذي استأجرت البغل أوليس أني ضامن لقيمة البغل والامام عليه السلام في مقام الجواب قال نعم إذا خالفت أنت فسوف تكون ضماناً فيلزمك قيمة بغل يوم المخالفة، يعني أنَّ ( يوم المخالفة ) يصير متعلقاً بـ( يلزمك )، أما أنه ( يلزمك يوم المخالفة قيمة بغل ) قيمته في أي يوم فهل في نفس يوم المخالفة أو قيمة يوم الاكتراء أو أعلى القيم أو قيمة يوم التلف فكل هذه الاحتمالات مسكوت عنها، فالرواية ليست في صدد تحديد يوم الضمان وأنَّ المدار على قيمة هذا اليوم أو ذاك، وإنما هي في صدد بيان أصل الضمان لا أكثر، وبهذا تكون الرواية على طرف نقيض مع ما أفاده الشيخ الأعظم والسيد الخوئي(قده).

وخلاصة هذا الاحتمال: - هو أن السؤال كان سؤالاً عن اصل لزوم الضمان فإنَّ الرواية رود فيها هكذا: - ( أرأيت لو عطب البغل أو نفق اليس كان يلزمني؟ قال:- نعم قيمة يوم المخالفة ) يعني يلزمك قيمة بغل يوم المخالفة، أما متى فالرواية ليست في صدد تحديد ذلك، ولا نريد أن نقول إنَّ ظاهر الرواية هو ذلك، وإنما نريد أن نبرزه كاحتمال، وبذلك تصير الرواية مجملة فلا يمكن أن يتمسك بها الشيخ الأعظم(قده) لإثبات أنَّ المدار على قيمة يوم المخالفة.

وعلّق عليه الشيخ الأعظم ووافقه عليه السيد الخوئي(قده) بما حاصله: - إنَّ أبا ولّاد كان يعلم بهذا المقدار - وهو أنه لو خالف وتلف البغل فتلزمه القيمة - فلا معنى لاحتمال أن يسأل عنه بعدما كان يعرف أنَّ التلف من موجبات الضمان، وهو قد صرّح بذلك حيث قال ( أرأيت لو عطب البغل أو نفق أليس كان يلزمني؟ )، فهو يعترف بأنه يلزمه ذلك، وهو واضح عنده، فلا معنى لسؤاله عن هذا، ولكن سؤاله هو سؤال عن الضمان، هكذا ذكرا في ردّ هذا الاحتمال.

والجواب:- إن أبا ولاد استفاد جملة وكلمة من أبي حنيفة، فإن أبي حنيفة قال ( مادام الضمان موجوداً فيكفي هذا الضمان، فلو أرجعه سالماً فليس على الآخذ أجرة المسير الزائد لأنَّ الخراج بالضمان )، يعني أنَّ المنافع - وهي المسير على البغل في هذا المقدار الزائد - تكون مقابل الضمان، يعني لو تلفت يكون ضامناً وحيث إنه ارجعه سالماً فلا ضمان للمنافع، وكأن أبي ولاد يريد أن يطرح تساؤلاً أخذه من أبي حنيفة، فيريد أن يقول أوليس كان يلزمني قيمة بغلٍ لو نفق أو تلف، فإذا كان يلزمني فلماذا عليّ ما ذكرت من أجرة المسافة الزائدة؟ والامام عليه السلام في مقام الجواب قال: - نعم أنت ضامنٌ للبغل لو حصل فيه شيء، وأيضاً عليك الأجرة للمسافة الزائدة، وغضّ الامام عله السلام النظر عن شبهة أبي حنيفة، فإنها لا أساس لها، فهذا لا يليق أن يطرح، فالإمام عليه السلام غضّ النظر عن جواب الشبهة، وإنما أبو ولّاد طرح الشبهة والامام عليه السلام قرر الشبهة وقال: - ( نعم يلزمك قيمة بغل يوم المخالفة )، أما قيمة البغل في أيّ يوم من الأيام فهذا شيء مسكوت عنه، وبهذا تكون الرواية أجنبية عن المقام، فلا يمكن أن يستفاد منها تحديد قيمة أيّ يوم.

وأشكل السيد الخوئي(قده)بإشكالٍ آخر حيث قال: - إنه بناء على هذا الاحتمال يلزم ثبوت الضمان قبل التلف، لأنَّ العبارة الوارد في الرواية: - ( أرأيت إن عطب البغل أو نفق أليس كان يلزمني، قال:- ننعم يلزمك )، يعني لو عطب في المستقبل يلزمك قيمته يوم الخالفة، فقيمة البغل تلزمه بمجرد أن خالف حتى لو لم يعطب البغل بعدُ، وإنما بمجّرد أن سار سيراً مخالفاً ثبت عليه الضمان وإن لم يتلف بعدُ، وهذا لا يمكن أن يلتزم به فقيه، فلا يمكن أن يلتزم فقيه بثبوت ضمان العين قبل أن يحصل التلف.

وجوابه واضح حيث يقال: - إنه يوجد مقدّر قد حذف لوضوحه، يعني ( يلزمك قيمة بغل يوم خالفت إن تلف وعطب )، لا أنه يلزمك قيمته بمجرد المخالفة وإن لم يعطب.

والنتيجة النهائية من كلّ ما ذكرنا: - إنَّه يصعب استفادة كون المدار على قيمة يوم المخالفة من هذه الفقرة من الصحيحة.


[1] محاضرات في الفقه الجعفري، الخوئي، ج2، ص199.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo