< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/05/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 75 ) ضمان القيمة يكون على أي زمان؟ – شروط المتعاقدين.

وأما الفقرة الثانية من صحيحة أبي ولاد التي تمسك بها الشيخ الأعظم(قده) هي قوله عليه السلام ( أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمته يوم اكتري كذا وكذا ):- فهذه الفقرة رغم أنَّ الوارد فيها قيمته يوم اكتري ولم يقل يوم المخالفة ولكن الشيخ الأعظم(قده) يصرّ على أنه يمكن أن نجعل كون المدار على قيمة يوم المخالفة، فتكون عندنا فقرتان تدل على ذلك، ولكن كيف تدل هذه الفقرة على هذا؟

إنَّ المطلوب اثباته هو أنه صحيح أنَّ الامام عبّر بكلمة ( يوم اكرتي ) ولكنه عبّر بذلك من باب المرآتية إلى يوم المخالفة، فإنَّ يوم الاكتراء بما هو هو لا يحتمل أن يكون المدار عليه، وهذه قضية مفروغ عنها، فعبر الامام عليه السلام بيوم الاكتراء وأراد بذلك يوم المخالفة، وبذلك ثبت المطلوب وهو أنَّ المدار على يوم المخالفة.أما ما هو المسوغ للإمام عليه السلام أن يعبر عن يوم المخالفة بيوم الاكتراء؟ذكر في هذا المجال ثلاث مقدمات: -

المقدمة الأولى: - إنَّ المخالفة حصلت بمجرد الخروج، فهو خالف بمجرد أن خرج، لا أنه خالف بعد ذلك بيومين أو ثلاثة، وقد دلت الصحيحة في صدرها على ذلك، حيث ورد فيها:- ( اكتريت بغلاً على قصر بني هبيرة ذاهباً وجائياً بكذا وكذا وخرجت في كلب غريم لي فلما صرت إلى قرب قنطرة الكوفة خبّرت أن صاحبي توجه إلى النيل فتوجهت نحو النيل .... )، فإذاً هو قبل أن يصل إلى قصر بني هبيرة خُبِّر بأنَّ صاحبه في النيل فذهب إلى النيل، وهذا معناه أن المخالفة إن لم تكن حصلت في بداية الخروج فقد حصلت بعده بسويعات.

المقدمة الثانية: - إنَّ الخروج لمثل هذه المسافات عادةً يكون في نفس يوم الاكتراء لا أنه يكتري قبل عشرة أيام مثلاً ثم بعد ذلك يخرج، وإنما هذه مسافات قريبة فالاكتراء يكون في نفس يوم الخروج.

المقدمة الثالثة: - إنه عادة لا تتغير قيمة البغل في هذا المقدار من المدة القصيرة.

فإذا قبلنا بهذا فحينئذٍ سوف يثبت أنَّ الامام عليه السلام يقصد من يوم الاكتراء يوم المخالفة، وقد أخذه مرآةً ليوم المخالفة، لأنَّ قيمتهما واحدة، فيصح أن يعبّر عن يوم المخالفة بيوم الاكتراء بعد اتحاد القيمة، وبذلك تدل الرواية على أنَّ المدار على قيمة يوم المخالفة، قال: - ( بتقريب أن يوم الاكتراء بما هو يوم الاكتراء لا يحتمل كونه هو المدار في تعيين القيمة المضمونة فلابد أن يكون ملحوظاً بنحو الطريقية إلى تشخيص يوم المخالفة لأن الظاهر من صدر الراية أنه خال فالمالك بمجرد خروجه من الكوفة، ومن المعلوم أن اكتراء البغل لمثل تلك المسافة القليلة إنما يكون يوم الخروج أو عصر اليوم السابق، ومعلوم أيضاً عدم اختلاف القيمة في هذه المدة القليلة )[1] .

وفيه:- إنَّ هذا أنسب أن يعدَّ أنه لا يتنافى مع الفقرة الأولى التي ذكرناها، فيجعل الشاهد هو الفقرة الأولى فقط، أما هذه الفقرة فلا تكون شاهداً ثانياً، وإنما لو أشكل شخص وقال إنَّ الفقرة الثانية توحي بكون المدار على قيمة يوم الاكتراء فنبيّن هذا المطلب لدفع المنافاة ولكن بالتالي يبقى الشاهد هو الفقرة الأولى لا أنَّ هذه الفقرة تصير شاهداً ثانياً، وإنما هذه الفقرة لا تصلح أن تكون منافياً، فلا نخلط بين المطلبين، فما لا يكون منافياً لا يكون شاهداً ودليلاً، وهذا أمرٌ واضح، وإلا إذا كان هذا المقدار الذي ذكره يبرر أن تكون هذه الفقرة شاهداً فهناك فقرة ثالثة فليجعلها شاهداً أيضاً، والحال أنه لم يجعلها شاهداً، وإنما قال هي لا تنافي الشاهد الأول، فعلى السير الذي ساره الشيخ الأعظم(قده) ينبغي أن يعدّ هذه الفقرة شاهداً ثالثاً، وهي الفقرة التي تقع بين الفقرتين المتقدمين حيث قال الامام عليه السلام:- ( عليك قيمة ما بين الصحة والعيب يوم تردّه )، وهذا يعطي أنَّ المدار لا على قيمة يوم المخالفة وإنما على قيمة يوم الرد.

وقد أجاب عن ذلك وقال: - إنَّ كلمة ( يوم الرد ) ليست متعلقة بـ( قيمة ) - يعني ( قيمة ما بين الصحيح والعيب يوم ) - حتى تصير منافية لما تقدم، بل هي مرتبطة بالظرف - يعني ( عليك ) - فالمقصود أنه ( عليك يوم ترده قيمة ما بين الصحة والعيب ) أما قيمة أي يوم فهذا مسكوت عنه.

ثم أجاب بجواب آخر وقال: - ويحتمل أنَّ ( يوم تردّه ) مرتبط بالعيب، يعني أنك تلاحظ العيب بأقصى درجاته، وأقصى درجاته يكون يوم الرد، فلا تلاحظ العيب في بدايته الذي يكون فيه بمقدارٍ قليل وإنما لاحظه يوم الرد، وبناءً على هذا هي أيضاً لا تنافي ما سبق، فبالتالي هذه عبارة لا تنافي ما سبق فنحملها على ما يتلاءم مع يوم المخالفة.ونحن نقول: - إذا حملتها على يوم المخالفة ودفعت هذه الإشكالات صارت بالتالي شاهداً على كون المدار على يوم المخالفة، فاجعلها شاهداً ثالثاً، فلماذا حصرت الشاهد باثنين دون هذا الثالث.إذاً اتضح من خلال ما ذكرنا أنَّ ما يصلح شاهداً هو الفقرة الأولى فقط، وأما هاتان الفقرتان فليستا شاهدين اضافيين وإنما هما يبينان مطلباً لا يتنافى مع ما سبق.

ونقول شيئاً اضافياً لا يرتبط بهذا المطلب وإنما ردّ مستقل: - وهو أن نقول: إنَّ البغل في مدة خمسة عشر يوماً لا يحتمل تغير قيمته[2] ، وتغير القيم الموجود في يومنا هذا ليس موجوداً في ذلك الزمان بهذا الشكل، وهذا من الأمور الواضحة، وحينئذٍ نقول: لعل الامام عليه السلام عبّر مرة بيوم المخالفة وأخرى بيوم الاكتراء وثالثة بيوم الردّ من باب التفنُّن في التعبير، فإنَّ القيمة واحدة طيلة هذه الفترة فيصح أن يعبّر بهذا التعبير أو بذاك التعبير أو بتعبيرٍ ثالث، وهذا الاحتمال موجود، وعليه لا يمكن أن يستفاد من الصحيحة أنَّ المدار على قيمة هذا اليوم أو ذاك، إنما يكون هذا وجيهاً فيما إذا فرض أنَّ القيم مختلفة، وبالتالي من البعيد أن يسأل السائل عن أنَّ المدار على قيمة أيّ يوم أو أنَّ الامام عليه السلام يبيّن أنَّ المدار على قيمة أي يوم، لأنَّ القيمة لا تتغير عادةً خلال خمسة عشر يوماً، فمحاولة استفادة أنَّ المدار على قيمة هذا اليوم دون ذلك اليوم شيء بعيدٌ في حدّ نفسه.

والنتيجة النهائية من كل ما ذكرنا: - إنَّ القاعدة تقتضي على كون المدار على يوم الرد، والصحيح لا يمكن أن يستفاد منها شيء في هذا المجال، فإنَّ القيمة للبغل في هذه الفترة القصيرة عادةً لا تتغير، فيبعد أن يكون السؤال عن تشخيص يومٍ معين، أو أنَّ الامام عله السلام يبيّن ذلك اليوم المعين، والاختلاف في التعبير يحمل على كونه من باب التفنُّن.


[2] لأنه الفترة كانت هي خمسة عشر يوماً حسب ما صرحت نفس الصحيحة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo