< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/06/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 77 ) حكم من باع ملكه وملك غيره – شروط المتعاقدين.

وسند هذه الرواية معتبر، إذ قد رواها الحمدون الثلاثة فالشيخ الطوسي رواها بإسناده عن الصفار[1] ، وهكذا رواها الصدوق عن الصفار[2] ، وراها الكليني[3] عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسن الصفار، وطريق الكليني قصير معتبر فلا حاجة إلى مراجعة الطرق الأخرى، مضافاً إلى أنه توجد طريقة أخرى قد يتمسك بها وهي أنَّ اجتماع المحمدون الثلاثة على نقل رواية واحدة قد يورث الاطمئنان باعتبارها.

وأما من حيث الدلالة: - فهي تامة.

لكن الوارد في الرواية تعبير: - ( وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك )، والمقصود منه أنه وجب البيع بحصّة ما يملك من الثمن، وهذا واضح ولا يحتاج إلى أن يبيّنه الامام عليه السلام.

ورب قائل يقول: - إنَّ الرواية قالت ( وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك ) والحال أننا نقول بأن له خيار تبعض الصفقة وهو من الواضحات فإذاً الرواية دلت على شيء لا يمكن أن نلتزم به.

والجواب أن نقول: - إنه لا يبعد بقرينة المقابلة حيث قيل في الشق الأول ( لا يجوز أن يبيع ما ليس يملك ) فتكون عبارة ( وجب ) هنا لا بمعنى أنه صار لازماً، بل بمعنى المضيّ والثبوت الأعم من اللزوم، ونحن لا ندّعي الظهور في ذلك وإنما هو احتمال وجيه، فعلى هذا لا معنى لردّ الرواية، وإنما تردّ الرواية إذا دلت على شيءٍ بنحو الجزم لا يمكن الالتزام به، أما هنا فقد قلنا إنه بقرينة المقابلة يحتمل بدرجة وجيهة أنَّ المقصود من الوجوب هو الثبوت بالمعنى الأعم، فعلى هذا الأساس لا مشكلة في الرواية.

الرواية الثانية: - ما رواه عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( في رجل باع أرضاً على أنها عشرة أجربة فاشترى المشتري منه بحدوده ونقد الثمن ووقعت صفقة البيع وافترقا فلما مسح الأرض إذا هي خمسة أجربة، قال:- إن شاء استرجع فضل ماله وأخذ الأرض وإن شاء ردَّ البيع وأخذ ماله كله إلا أن يكون له إلى جنب تلك الأرض أيضاً أرضون فليؤخذ [ فيوفّيه ][4] ويكون البيع لازماً له )[5] .

والكلام تارة يقع في دلالة الرواية وأخرى في سندها: -

أما بالنسبة على دلالتها: - فقد يستشكل ويقال إن محل كلامنا فيما إذا انضم ملك الغير إلى ملك البائع مثلاً خمسة أجربة للبائع وخمسة للأجربة لشخص آخر، ولكن المفروض في الرواية ليس ذلك وإنما الموجود فقط هو ملك البائع ولكن كان يتصور أنه عشرة أجربة فإذا به خمسة أجربة، فإذاً هذه الرواية خارجة عن محل الكلام.

ولكن يمكن أن يجاب ويقال: - إنَّ الإشكالات التي كانت تواجهنا في هذه المسألة هي ثلاثة، الأول منها هو أنَّ المشتري قصد نقل المجموع ولم يقصد نقل البعض، وحينئذٍ البيع لا يتم من باب تخلف القصد حيث اتضح أن نصف المبيع ليس ملكاً للبائع والحال أنَّ البائع قاصداً كامل المبيع بكلا جزأيه المملوك وغير المملوك فهو يتصور أن المملوك هو ملك للبائع أما أنه يفترض أنَّ نصف المبيع الموجود هو مملوك للبائع وهو الخمسة أجربة من دون الخمسة أجربة الثانية فهذا خارج عن محل كلامنا.

والجواب: - إنه إذا تم الاشكال المذكور في صورة وجود الضميمة غير المملوكة يلزم في موردنا أن يحكم بالبطلان أيضاً، لأنه هناك يقال إنَّ المشتري لم يقصد البعض وإنما قصد المجموع فالبيع لا يصدق بلحاظ البعض لأنه لم يقصد، فهذا الاشكال إذا تم في حالة انضمام غير المملوك يتم هنا أيضاً، فإنه قصد شراء عشرة ولم يقصد شراء خمسة، فعلى هذا الأساس الاشكال المذكور سواء فرض وجود الضميمة أو لم فترض فالرواية إذا غضت النظر وتساهلت من هذه الناحية فلا فرق إذاً بين أن نفترض وجود الضميمة حالة البيع أو نفترض عدمها، فإذاً هي صالحة من هذه الناحية ولا مشكلة فيها.

وهكذا من ناحية الاشكال الثاني - هو الرضا -، فإنه رضي بشراء المجموع دون البعض، فهذا الاشكال يأتي هنا أيضاً فإنَّه رضي بشراء عشرة أجربة لا خمسة أجربة، فإذا حكم الامام عليه السلام بالصحة فيلزم أن نحكم بالصحة في حالة وجود الضميمة أو عدم وجودها.

نعم يبقى الاشكال الثالث ثابتاً وهو جهالة مقدار الثمن بلحاظ البعض المملوك، فلعل الامام عليه السلام تساهل من ناحية هاذ الاشكال من باب أنَّ الأجربة ذات قيمة واحدة، فإذا كانت قيمة العشرة أجربة ألفاً فالنصف قيمته نصف الألف، فلا توجد جهالة من حيث الثمن في مورد هذه الرواية، أما في الموارد الأخرى التي لا يفترض فهيا تساوي المبيع من حيث القيمة يكون هذا الاشكال باقياً، إذاً هذه الرواة تنفعنا إذا كانت قيمة البعض معلومة وليست مجهولة من جهة تساوي اجاء المبيع من حيث القيمة.

فإذاً اتضح أنَّ الرواية لا بأس بها.

ولكن تبقى مشكلة أخرى في الرواية:- وهي أنَّ الامام عليه السلام قال إذا كانت توجد أرض إلى جنبها فيوفيه من تلك الأرض، وحاصل الاشكال هو أن البيع وقع على هذه الأرض فما معنى إعطاء شيئاً ثانياً لم يتعلق به البيع، إنَّ هذا حكم لا يمكن الالتزام به، إلا أن يقول قائل: إنه ليس من البعيد أنَّ المبيع كلي، يعني لا هذه الأرض بل عشرة أجربة في هذا المكان فإذا لم تكن هذه الأرض عشرة أجربة وكانت إلى جنبها أرض أخرى للبائع فيعطى منها، فإذا قلنا بوجاهة هذا الاحتمال فسوف تنحل المشكلة، وإذا لم نقبل بهذا الاحتمال فنقول إنَّ هذا حكم على خلاف القاعدة وأي مانع من الالتزام بحكم مخالف للقاعدة إذا دل عليه الدليل؟!!، وهذا الكلام الذي ذكرناه لا ينبغي أخذه على سعته فإنه توجد أحكام مخالفة للقاعدة لوكن لا يمكن لأحد الالتزام بها كما لو فرض أن الحكم المخالف للقاعدة هو مخالف لضرورة المذهب فهذا لا يمكن الالتزام به أما إذا كان مخالفاً للقاعدة بهذه الدرجة فإذا دلت عليه رواية فيمكن الالتزام به، وليس من البعيد أنَّ المورد من هذا القبيل، فإذاً الرواية لا بأس بها من حيث الدلالة.

وأما من حيث سندها: - فقد رواها الشيخ بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن الحسين عن ذبيان عن موسى بن أكيل عن داود بن الحصين عن عمر بن حنظلة، وأيضاً رواها الصدوق بإسناد عن عمر بن حنظلة[6] .

ولابد أو من ملاحظة طريق الشيخ إلى محمد بن علي بن محبوب، ثم نقول إنَّ محمد بن علي بن محبوب الشعري القمي هو من أجلة اصحابنا، عن محمد بن الحسين هو ابنن الخطاب وهو من أجلة أصحابنا، أما ذبيان ففيه كلام، وأما موسى بن أُكَيل فقد وثقه النجاشي، أما دود بن الحصين فقد وثقه النجاشي، أما عمر بن حنظلة فلا يوجد توثيق واضح في حقه، فإذاً يوجد إشكالان في سند هذه الرواية الأول بالنسبة إلى ذبيان والثاني بالنسبة على عمر بن حنظلة ثم نراجع سند الشيخ الطوسي إلى ابن محبوب، أما بالنسبة على ذبيان فلا يوجد توثيق في حقه سوى أنَّ النجاشي قال في ترجمة أحمد بن يحيى بن حكيم ( كوفي أبو جعفر بن أخي ذبيان ثقة له كتاب دلال النبي رواه عنه جعفر بن محمد بن مالك الفزاري )[7] ، نعم الشيء المهم هو أن النجاشي عرّف أحمد بن يحيى بأنه ابن اخي ذبيان فتبين أن ذبيان رجل معوف الذي يعرّف الأشخاص به ومن خلاله فربما يقال إنَّ هذا يكفي في وثاقة ذبيان، ولكن في المقابل يقال صحيح أنه رجل معروف ولكن لا يلزم أن يكون ثقة فإن المعروفية لا تلازم الوثاقة فإذاً يبقى الاشكال من ناحيته على حاله، وأما عمر بن حنظلة فصحيح أنه لا يوجد فيه حقه توثيق ولكن روى عنه صفوان ومن يبني على أن رواية أحد الثلاثة موجب للتوثيق فيكون ثقة، وتوجد رواية عن يزيد بن خليفة وهي:- ( قلت لأبي عبد الله:- إن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت، فقال أبو عبد الله عليه السلام:- إذاً لا يكذب علينا )[8] ، وظاهر هذا التعبير من قبل الامام عليه السلام ليس في هذا المورد بخصوصه وإنما هو صفة للشخص فإذا استظهارنا هذا فسوف تثبت وثاقته، ولكن المشكلة هو أنَّ يزيد بن خليفة لم تثبت وثاقته فكيف نريد أن نثبت وثاقة عمر بن حنظلة من خلاله، فإذاً الرواية محل إشكال.


[4] هذا ما هو موجود في من لا يحضره الفقيه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo