< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/06/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 77 ) حكم من باع ملكه وملك غيره – شروط المتعاقدين.

شرط صحة البيع فيما يملك:- نقل صاحب الجواهر(قده) أنَّ الكثير من الأصحاب ذهبوا إلى الصحة فيما يملك وإن كانت مسلّمة ومقبولة ولكن بشرط أن لا يلزم محذور من عدم اجازة المالك للجزء الثاني من المبيع، ولكن أحياناً يلزم من عدم اجازته محذور بلحاظ البيع فيما يملك، والمحذور هو إما أنَّ يصير المورد من بيع غير المقدور على تسليمه فإنه يبطل إلا مع الضميمة، أو يلزم محذور الربا أو يلزم محذور آخر، فالمهم أنَّ شرط صحة البيع فيما يملك أنَّ لا يلزم محذور، وقد نقل الشيخ الأنصاري(قده) نفس الشرط، قال صاحب الجواهر(قده):- ( وعلى كل حال فلا خلاف في صحة بيعه ونفوذه فيما يملك إذا لم يتولد من عدم الاجازة مانع شرعي كلزوم ربا وبيع آبق من دون ضميمة ونحو ذلك بل ظاهرهم الاجماع عليه كما اعترف به في الرياض )[1] ، وقال الشيخ الأنصاري(قده):- ( ثم إنَّ صحة البيع فيما يملكه مع الردّ مقيدة في بعض الكلمات بما إذا لم يتولد من عدم الاجازة مانع شرعي كلزوم رباً وبيع آبق من دون ضميمة )[2] .

والكلام يقع في توضيح هذين المثالين حتى يتضح أصل الفكرة التي أشار إليها صاحب الجواهر(قده) ونقلها عن الأعلام: -

أما مثال غير المقدور على تسلميه كالآبق أو الطير في الهواء فإنه لا يصح بيعه إلا مع ضميمة، إذا كانت الضميمة ملكاً للغير ولم يجز الغير البيع فسوف يبطل البيع في البعض الذي يملكه البائع من المبيع - وهو الآبق أو الطير -، باعتبار أنَّ صحة البيع مشروطة مع الضميمة حيث دلت الرواية على ذلك فإنَّ هذا حكم تعبّدي، فإذا فرضنا أنَّ مالك الضميمة لم يجز البيع بطل بيع الآبق أو الطائر من دون ضميمة لأجل محذور خاص بالمورد.

وأما مثال لزوم الربا، كما لو فرض أني بعت مثقالين من الذهب مع مثقالين من الفضة بمثقال من ذهب ومثقال من فضة فينصرف كلٌّ إلى مخالفه، والدليل على ذلك الروايات حيث علّم الامام عليه السلام أصحابه بذلك، وقد أشكل عليه المخالف بأنه ما هذا إلا الفرار من الحرام، فقال عليه السلام له ( نعم الحلية الفرار من الحرام إلى الحلال )، فينصرف كلٌّ إلى مقابله، فينصرف مثقال الذهب في مقابل مثقالي الفضة ومثقالي الفضة يقابلهما مثقال من ذهب، وقد دلت على الرواية على أنَّ البيع يقع صحيحاً، فلو فرض أنا بعنا بيعاً من هذا القبيل فهذا البيع صحيح ولكن اتضح أنَّ المثقال من فضة كان ملكاً للغير ولم يجز البيع فحينئذٍ سوف يلزم المحذور في بيع ما أملكه، لأنَّ هذا المثقال من الذهب سوف يقابل مثقالين من ذهب ومثقالين من فضة فيلزم الربا.

وبهذا اتضحت الفكرة التي ذكرها الأعلام.

بيد أنَّ السيد الخوئي(قده)[3] ذكر ما حاصله:- إننا نسلّم بأصل هذا الاشتراط على مستوى الكبرى ولكن نناقش في المثالين فنقول إنهما ليسا مصداقين لهذه الكبرى، فنحن نقبل بأصل الاشتراط ولكن التنظير بالمثالين مرفوض، فإنَّ في المثالين خدشة:-

أما المثال الأول: - فيمكن رفضه باعتبار أنَّ بيع غير المقدور على تسليمه وإن كان يصح مع الضميمة لدلالة الروايات على ذلك ولكنه مشروط بشرط، وهو أن تكون الضميمة ملكاً لمالك الشيء غير المقدور على تسليمه لا أنه يكون مملوكاً لغيره، وفي محل كلامنا المفروض أنَّ الضميمة ملكاً للغير وليست ملكاً لمالك البعض المملوك الذي لا يقدر على تسليمه، فإذاً هذا المورد باطل من أساسه لعدم كون الضميمة ملكاً لمالك البعض الذي لا يقدر على تسليمه.

ونحن نساعد السيد الخوئي ونقول:- لعله يقال إنَّ بعض الروايات تشهد بأنَّه يلزم أن تكون الضميمة ملكاً لمالك الشيء الذي لا يقدر على تسليمه، منها صحيحة رفاعة:- ( سألت أبا الحسن موسى عليه السلام:- قلت له:- أيصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة أعيهم لثمن وأطلبها انا؟ قال:- لا يصلح شراؤها إلا أن تشتري منهم معها ثوباً أو متاعاً فتقو لهم اشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا درهماً فإن ذلك جائز )[4] .

وتقريب الدلالة: - إنَّ الامام عليه السلام قال: - ( لا يصلح شراؤها إلا أن تشتري منهم معها ثوباً أو متاعاً )، وظاهر هذا أن يكون الثوب أو المتاع ملكاً للبائع الذي يبيع الجارية فحينئذٍ يصح منك شراء الجارية، فإذاً ظاهر هذه الرواية أنَّ الضميمة لابد وأن تكون ملكاً لمالك ذلك البعض الذي لا يقدر على تسليمه.

وفي التعليق نقول: - إنَّ النكتة المعتبرة مادامت هي ما أشرنا إليه من أنَّه إذا لم يمكن العثور على الآبق فيصير الثمن في مقابل الضميمة، بل هذه هي النكتة حتماً، لأنه توجد عندنا رواية تصرح بذلك، فإذا كانت هذه هي النكتة بسبب تصريح الرواية فحينئذٍ نقول إنَّ ما بذله المشتري سوف لا يذهب سدى، لأنَّ الثمن الذي بذله رفاعة سوف يصير في مقابل تلك الضميمة.

ولو قلت: - صحيح أنَّ ثمنه لم يذهب سدى وإنما حصل على شيءٍ وهو الضميمة ولكن حينما يدفع المشتري هذا الثمن فهل يكون الثمن لمالك الضميمة أو لمالك الجارية أو أنه يتوزّع بينهما؟

قلت: - إنَّ هذه قضية أخرى، فإنَّ مالك الضميمة مادام راضٍ بأن يجعل ملكه ضميمةً في البيع فلابد أن يكونا قد اتفقا على تقاسم الثمن، فهما من البداية قد تراضيا على ذلك.

فإذاً ما ذكره السيد الخوئي(قده) قابل للمناقشة بما أشرنا إليه، أما الرواية التي تصّرح بأنه إذا لم يحصل الآبق فالثمن يكون مقابل الضميمة فهي موثقة سماعة عن أبي عبد اله عليه السلام: - ( في الرجل يشتري العبد وهو آبق عن أهله ، قال:- لا يصلح إلا أن يشتري معه شيئاً آخر ويقول أشتري منك هذا الشيء وعبدك بكذا وكذا فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه )[5] .


[3] محاضرات في الفقه الجعفري، الخوئي، ج2، ص475.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo