< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/11/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 83 ) ليس لغير الأب والجد الوصي من أحدهما الولاية على الصبي – شروط المتعاقدين.

مسألة ( 83 ):- ليس لغير الأب والجد للاب والوصي لأحدهما ولاية على الصغير ولو كان عمّاً أو أماً أو جداً للأم أو أخاً كبيراً، فلو تصرف أحد هؤلاء في مال الصغير أو في نفسه أو سائر شؤونه لم يصح وتوقف على إجازة الولي.

..........................................................................................................

تشتمل المسألة على نقطتين: -

النقطة الأول: - إنَّ الولاة ثابتة لثلاثة وهم الأب والجد للأب والوصي لأحدهما أما غير هؤلاء الثلاثة فلا ولاية له.

النقطة الثانية: - إنَّ الولاية ليست ثابتة لغير هؤلاء الثلاثة بما في ذلك العم والأم والجد للأم والأخ الكبير، فمادام هؤلاء هم غير الثلاثة فلا ولاية لهم.

أما النقطة الأولى: - فالدليل على حصر الولاية بالثلاثة هو الأصل، فإنَّ اثبات الولاية يحتاج إلى دليل، أما عدم الولاية فلا يحتاج إلى دليل، وإنما هو مقتضى الأصل الأولي، والأصل الأولي هنا هو الاستصحاب حيث نقول إنه قبل الشريعة أو في بدايتها لم يكن هذا التشريع ثابتاً حتى للأب والجد وبمجيء الشريعة ثبت هذا التشريع وحينئذٍ الولاية ليست ثابتة لأحد قبل شريعة الإسلام ولكن حينما جاءت شريعة الإسلام أثبتت الولاية للثلاثة الأب الجد ولوصي لأحدهما أما غيرهم فحيث لا دليل فنشك فنستصحب العدم، وهذا ليس عدماً ازلياً وإنما هو عدم نعتي لأنه في بداية الشريعة متصف بعدم ثبوت الولاية لغير هؤلاء ثم انتقض بالنسبة إلى الثلاثة، ففي غير الثلاثة نشك هل هذا العدم النعتي انتقض أو لم ينتقض فنستصحب العدم.

ونذكر شيئاً: - وهو أنه إذا فرض أنَّ الأب لم يكن موجوداً ولا الجد ولا الوصي لأحدهما على الطفل فالولاية لمن تكون؟

والجواب: - لعل المعروف بين الفقهاء أن الولاية على الايتام والقصَّر تنتهي إلى النبي صلى الله عليه وآله ومن بعده للامام عليه السلام إذا كان حاضراً وإن لم يكن خاضراً فالحاكم الشرعي العادل، ولكن الذي نريد ان نقوله إنه بالإمكان أن يقال إنَّ الولاية لا تنتهي إلى الحاكم الشرعي بل تنتهي إلى كل ثقة يمكن الاعتماد عليه فإنه يكفي ذلك ولا حاجة إلى أخذ المأذونية من المجتهد أما أخذها من باب الاحتياط فهذا أمر آخر - ولكن هذا كلام علمي والكلام العلمي له مورد ومقام الفتيا له مورد آخر فقد نقول بالقضايا العلمة ولكن لا نفتي بها في مقام الفتوى وإنما نصير إلى الاحتياط - والدليل على ذلك أمور ثلاثة الكتاب الكريم والسنَّة الشريفة والتأريخ.

أما الكتاب الكريم:- فيكفينا قوله تعالى ﴿ ويسالونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم واله علم المفسد من المصلح ﴾[1] ، فالآية الكريمة قالت ﴿ يسألونك عن اليتامى قل اصلاحٌ لهم خير ﴾ يعني أن المهم أن تديروا شؤونهم من خلال الإصلاح وهي لم تسند هذا الأمر إلى واحد بعينه فهي لم تنسد هذا الأمر إلى الامام أو نائية أو شخص معين فيمكن أن يقال إنَّ مقضى اطلاق الآية الكريمة وهي في مقام البيان أن كل شخص تصدى لذلك ولكن بشرط أنه يعرف إصلاح أمرهم فهذا يكفي من دون إسناد إلى شخص معين.

وأما السنَّة: - فنذكر روايتين: -

الأولى: - موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام، وهي: - ( الصدوق عن بإسناده عن زرعة عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام )، وسندها عند الشيخ الطوسي ( الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن زرعة عن سماعة قال:- سألته[2] عن رجل مات وله بنون وبنات صغار وكبار من غير وصية وله خدم ومماليك وعُقَد[3] كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك الميراث؟ قال:- إن قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كله فلا بأس )[4] وكلا السندين معتبر، وهذه الرواية قالت ( إن قام رجل ثقة قاسمهم ذلك له ) فيثبت بذلك المطلوب.

وقد يقول قائل في ردّ هذه الرواية: - إنَّ أقصى ما تدل عليه هو أنَّ هذا الشخص يقسِّم الميراث بينهم لا أنه يبقى يدير شؤونهم، فإذاً هي لا تنفعنا في اثبات المطلوب.

الثانية: - صحيحة علي بن رئاب، وقد روها محمد بن علي بن الحسين - الصدوق - بإسناده عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب قال: - ( سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن رجل بيني وبينه قرابة مات وترك أولاداً صغاراً وترك مماليك له غلماناً وجواري ولم يوصِ فما ترى فينم يشتري منهم الجارية فيخذها أم ولد وما ترى في بيعهم؟ فقال:- إن كان لهم ولي يقوم بأمرهم باع عليهم ونظر لهم كان مأجوراً فيهم، قلت:- فما ترى فيمن يشتري منهم الجارية فيتخذها أم ولد؟ قال:- لا بأس إذا باع عليهم القيم لهم الناظر فيما يصلحهم وليس لهم ان يرجعوا عما صنع القيم لهم الناظر فيما يصلحهم )[5] ، وطريق الشيخ الصدوق إلى الحسن بن محبوب معتبر - وهو مذكور في مشيخة الفقيه -، والحسن بن محبوب وعلي بن رئاب كلاهما من الثقات.

والظاهر أنَّ دلالتها على المطلوب جيدة حيث قال الامام عليه السلام: - ( إذا باع عليهم القيم لهم الناظر فيما يصلحهم وليس لهم أن يرجعوا عمّا صنع القيم لهم الناظر فيما يصلحهم ) من دون أن تقول الرواية الناظر لهم بسبب الوصية وإنما الوارد في الرواية أنه لم يوصِ، فإذاً لا الامام قال يجب أن يستأذنوني أو غير ذلك وإنما أيّ شخص يقوم بذلك ويكون ناظراً فيما يصلحهم صح ذلك منه.

فإذاً دلالتها وسندها معتبران، فيكون المناط على مطلق الثقة الذي يصلح أمرهم.

وأما التأريخ: - حيث نقول إن الولاية إذا كانت تنتهي إلى الامام عليه السلام كما هو المعروف عند الفقهاء لكثر السؤال والجواب حول قضية المأذونية ولسُئِل الامام عنها كثيراً لأنها مسألة ابتلائية، ولكن لم ينقل هذا الشيء في التاريخ ولم ينعكس على الروايات، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على أنَّ القضية ليست منحصرة بحيث تنتهي الولاية إلى الامام عليه السلام ومن بعده إلى الحاكم الشرعي.

ونقول شيئاً آخر:- وهو أنه صحيح أنَّ مقتضى الأدلة الثلاثة التي ذكرناها هو هذا ولكن إذا فرض أنَّ الأمر ترك هكذا فهذا سوف يؤدي أحياناً إلى فوضى وخلافات بين الناس الذين يريدون التصدي لهذا الأمر، أو أنَّ البعض منهم لا يعرف كيف يتصدى، فلأجل أن لا تحصل فوضى وخلافات فبالعنوان الثانوي ينتهي الأمر إلى الحاكم الشرعي حتى ينصب شخصاً من قبله، وهذا نقوله إما على مستوى الفتوى أو على مستوى الاحتياط الوجوبي فيما إذا لم يتصدَّ أحد لذلك، أما إذا تصدى شخص لذلك كما لو كانت هناك قرية وقد تصدى رجل صالح للأمر وكان أهلاً لذلك فلا مشكلة حينئذٍ، أما إذا فرض أنَّ الأمر ليس هكذا أو كان الفقيه يحذر من أنه إذا كتب في الرسالة العملية أنَّ الأمر ينتهي إلى كل ثقة فهذا سوف يصير مثاراً للخلاف والنزاع فمن البداية يقول إذا توفي شخص ولم يكن هناك وصي فالأحوط وجوباً انتهاء الأمر إلى الحاكم الشرعي فإما أن يتصدى هو بنفسه أن ينصب شخصاً من طرفه، وهذه قضية دبلوماسية وقد عرفت نكات هذه المسألة.

وأما النقطة الثانية: - فقد قلنا إن العم أو الأم أو الجد للأم فليس لهم ولاية على الأطفال: -

أما العم: - فلا ولاية له وذلك: -

أولاً: - للأصل الذي ذكرناه - وهو الاستصحاب - بالبيان الذي أرنا إليه.

ثانياً: - إنَّ المسألة ابتلائية، فلو كان الأمر ينتهي إلى العم لاشتهر ذلك بين الفقهاء والحال أن ذلك لا يعرف فهذا يورث الاطمئنان بأن التوبة لا تصل إلى العم.

بل قد يستد بدليلٍ ثالث: - وهو صحيح محمد بن الحسن الأشعري، وقد رواه ( الشيخ عن أحمد بن محمد عن علي بن مهزيار عن محمد بن الحسن الأشعري قالك- كتب بعض بني عمي إلى أبي جعفر الثاني ما تقول في صبية زوّجها عمّها فلما كبرت أبت التزويج، فكتب لي:- لا الأشعري على ذلك والأمر أمرها )[6] ، فحينما كتب الامام عليه السلام ( لا على ذلك والأمر أمرها ) فهذا معناه أنه ولا ولاية له، إذ لو كانت له الولاية فحينئذٍ لابد أن يقول الامام عليه السلام ( إنَّ العقد ماضٍ ويلزمها الأخذ بذلك ).


[2] وقد يقال إن لرواية مضمرة، ولكن يجاب عن ذلك بالجواب العام الذي ذكرناه مراراً من كون الاضمار لا يضر في اعتبار الرواية، لأن الاضمار خلاف المتعارف فلابد من مرجع عام معهود يعرفه الجميع وإما مرجع خاص وحيث إن المرجع الخاص لا قرينة عليه فلابد أن يكون المراد هو المرجع العام المألوف وهو الذي يعرفه الجميع في الوسط بين اتباع أهل البيت عليهم السلام هو الامام عليه السلام.
[3] والعُقَد: - هي جمع أراضي وهي الأراضي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo