< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/03/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الخيار الثالث ( خيار الشرط ) – الفصل الرابع ( الخيارات ).

ثم إنه من خلال ما تقدم يتضح أنَّ الدليل المهم على صحة اشتراط الخيار وأنه يثبت الخيار بالاشتراط هو اطلاق ( المؤمنون عند شروطهم )، لأنه إذا كان يوجد في الروايتين المتقدمتين تأمل سندي.

بيد أن هذه القاعدة قد يشكل عليها بإشكالات ثلاثة:-

الاشكال الأول:- ما قد يقال من أنَّ هذا الحديث ناظر إلى باب الأفعال، فإذا كان الشرط فعلاً -كما لو اشترطت على شخص في ضمن العقد أن يخيط لي ثوباً مثلاً - فيأتي حينئذٍ اطلاق قاعدة ( المؤمنون عند شروطهم ) فإنَّ هذه القاعدة تُلزِم بفعل الشرط، وبما أنَّ الخياطة هي من قبيل الأفعال فيمكن تعلّق الإلزام بها لقاعدة ( المؤمنون عند شروطهم )، وهذا بخلافه في محل الكلام فإنَّ الذي يراد اثباته بالشرط هو الخيار، والخيار ليس فعلاً من الأفعال حتى يكون مشمولاً لإطلاق القاعدة.

وفي الجواب نقول:- إنَّ هذه القاعدة يلزم أن يكون متعلّقها فعلاً أو يكون مرتبطاً بالفعل، يعني لا يلزم أن يكون المتعلَّق بنفسه فعلاً من الأفعال بل يكفي أن يكون مرتبطاً بالفعل وإن لم يكن بنفسه فعلاً، وبناءاً على هذا نقول لا يعود هناك محذور من شمول هذا الاطلاق للخيار، فإنَّ الخيار وإن لم يكن فعلاً بيد أنه إذا صدر وأُعمِل الخيار وقال الطرف فسخت العقد فيكون الطرف الآخر حينئذٍ مُلزَماً بترتيب آثار الفسخ وعدم العقد، فإذاً حيثية الالزام قد تصوّرناها وهي قد تعلَّقت بما يمكن الإلزام به، يعني أنَّ الخيار وإن لم يكن فعلاً ولكن إذا أعمل الشارط للخيار الخيار وقال فسخت فالطرف الثاني يكون ملزماً بتطبيق الفسخ والعمل على طبقه ولا يتمكن أن يمتنع من عطاء ما انتقل إليه بالعقد بل يلزم أن يدفعه إلى الطرف، وبالتالي تصوّرنا الإلزام ولكن لا بلحاظ نفس الشرط وإنما بلحاظ ما يرتبط بالشرط، ويكفي هذا المقدار لصلاحية شمول اطلاق القاعدة لمثل اشتراط الخيار فإنَّ الخيار وإن لم يكن بنفسه فعلاً من الأفعال إلا أنه بالتالي يترتب عليه فعلٌ، وهذا المقدار يكفي لصحة شمول اطلاق الحديث للخيار.

الاشكال الثاني: - أن يقال إنَّ العمل بالخيار طبقاً لاشتراط الخيار مخالف لقاعدة ﴿ أوفوا بالعقود ﴾، فإنَّ عموم أوفوا يدل على أنَّ كل عقد يجب الوفاء به ولا يجوز فسخه ومعه يكون اشتراط الخيار والفسخ بالخيار مخالفاً للعموم المذكور.

والجواب واضح حيث يقال:- إنَّ الخيار إذا اشترط صار جزءاً من مضمون العقد وليس شيئاً أجنبياً عنه، ومادام الأمر كذلك فالوفاء بالعقد لا يكون إلا بالوفاء بتمام مضمونه ومنه الفسخ إذا أراد الشارط الفسخ، فإذاً لا يلزم من فسخ الشارط للخيار مخالفة ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ بل على العكس، فإن أوفوا بالعقود يدل على أنه لو قال الشارط فسخت لزم على الطرف الآخر الرضوخ لذلك، نعم تلزم المخالفة لعموم أوفوا فيما إذا لم يشترط الخيار وأراد أحد الطرفين أن يقول فسخت العقد فهنا هذا الفسخ مخالف لإطلاق أوفوا بالعقود، أما إذا اشترط الخيار ورضي الطرف بذلك فقد صار الفسخ وإعمال الخيار جزءاً من متعلَّق العقد، ومع كونه جزءاً فيكون مقتضى ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ هو الرضوخ للفسخ إذا قام به الشارط للخيار.

الاشكال الثالث وهو المهم:- وهو ما أفاده الشيخ النراقي في المستند في كتاب التجارة، وحاصل ما أفاده إنه يوجد لدينا عموم ثابت يدل على أنَّ كل عقد هو لازم إما بمجرد تحققه أو عند الافتراق[1] وإذا أردنا أن نرفع اليد عن هذا العموم فلابد وأن يكون ذلك بدليل خاص ورواية خاصة تخصّص هذا العموم، فإذا وجد الدليل الخاص المخصِّص فسوف نقوم بعملية التخصيص وهو شيء وجيه، فعموم أوفوا بالعقود موجود ولكن هذا العموم يخصّص فيما إذا كانت توجد رواية تقول مثلاً ( إذا اشترط أحد المتعاقدين الخيار في الفسخ فمن حقه ذلك )، فنأخذ بهذه الرواية وتكون مخصِّصة للعموم ولا محذور في ذلك، وأما إذا فرض أنَّ الدليل الثاني لم يكن من قبيل الدليل الخاص وإنما كان من قبيل العموم أيضاً وهو حديث ( المؤمنون عند شروطهم ) فيقال إنَّ هذا العموم يخصِّص عموم ﴿ أوفوا بالعقود ﴾، ولكن يرد عليه أنَّ هذا العموم هو مقيَّد في حدّ نفسه بما إذا لم يكن الشرط مخالفاً للكتاب أو السنَّة وإلا كان مرفوضاً، ولاحظ الرواية في هذا المجال وهي صحيحة عبد بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( المسلمون عند شروطهم إلا كل شرط خالف كتاب الله عزَّ وجل فلا يجوز )[2] ، وحينئذٍ يقال حيث إنَّ اشتراط الخيار - عند ردّ الثمن أو من دون ردّ الثمن - مخالف للعموم الثابت بالكتاب الكريم فيكون مرفوضاً بمقتضى هذا الحديث.

فإذاً أذا أردنا أن نثبت جواز اشتراط الخيار في العقد فلابد وأن نثبته بالدليل الخاص والرواية الخاصة حيث يصير المورد من العام والخاص، أما إذا أردنا اثباته بعمومٍ آخر - وهو عموم ( المؤمنون عند شروطهم ) - فلا يصح ذلك، لأنَّ هذا العموم مقيَّد بما إذا لم يكون الشرط مخالفاً للكتاب والسنَّة، وحيث إنَّ اشتراط الخيار مخالفٌ لعموم أوفوا بالعقود فيكون مرفوضاً حينئذٍ.

ومن خلال هذا الكلام فهما أنَّ الشيخ النراقي لا يرفض اشتراط الخيار، وإنما يقول يجوز اشتراط الخيار ولكن لا يجوز لك أن تتمسك بما تمسك به الفقهاء - وهو التمسك بعموم المؤمنون عند شروطهم - لأنَّ هذا العموم مقيَّد بأن لا يكون الشرط مخالفاً للكتاب أو السنَّة، وشرط الخيار هو مخالفٌ للكتاب الكريم الذي يقول ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ أو مخالف للسنَّة الشريفة التي تقول ( البيّعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا وجب البيع ) التي تدل على أنه لا خيار بعد الافتراق، فحينئذٍ يكون هذا الاشتراط مخالفاً للكتاب أو مخالفاً للسنَّة أو لكليهما فلا يصح، نعم إذا جاءت وراية خاصة دلت على أنه يجوز اشتراط الخيار في البيع - مثل الروايات المتقدَّمة كرواية أبي الجارود أو رواية اسحاق بن عمّار - فهذا لا بأس به.


[1] لأنه قبل الافتراق يوجد خيار المجلس.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج18، ص16، أبواب الخيار، ب6، ح2، ط آل البيت.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo