< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/03/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الخيار الثالث ( خيار الشرط ) – الفصل الرابع ( الخيارات ).

وفي مقام التعليق نقول:-

أولاً:- إنَّ ما دل على لزوم العقد بعد الافتراق يدل على اللزوم الحيثي - إن صحَّ التعبير - يعني من هذا الحيث، فمن ناحية افتراقهم فإنه حينما حصل افتراقهم فسوف يتحقق بذلك لزوم، وأما من جهةٍ أخرى كما لو تراضيا بعد الافتراق على فسخ المعاملة فهل يحتمل فقية أو متفقّه بأنَّ هذا لا يجوز باعتبار أنَّ البيع صار لازماً بعد الافتراق فلا معنى لأن يفسخ الطرفان؟! إنه لا يحتمل أحد ذلك، والنكتة هي ما أشرنا إليه، وهي أنَّ هذا الحديث حينما يقول ( فإذا افترقا فلا خيار ) يعني لا يمكن إلزامه بعد الافتراق بالخيار، أما أنه تحصل نكتة ثانية للخيار وهي اشتراطهما للخيار فهذا مسكوت عنه كما لو اتفقا فيما بينهما على التفاسخ.

فإذاً هذا لزوم حيثي وليس لزوماً مطلقاً، ومعه فلا يتنافى مع ثبوت الجواز من ناحية أخرى - يعني إذا اتفقا على الخيار أو في محل كلامنا وهو أنهما اشترطا الخيار - فيفسخ بسبب الاشتراط، وهذا لا يتنافى مع مدلول الحديث بعد أن فسّرناه بهذا التفسير.

ثانياً:- يمكن أن يقال إنَّ اللزوم بالافتراق حقّي وليس حكمياً، يعني نسلّم حصول لزومٍ بعد الافتراق ولكن هذا اللزوم هو حق للطرفين وليس حكماً شرعياً بنحو الإلزام، والفارق بين الحق والحكم هو أنَّ الحكم لا يمكن رفعه لأنه بيد الشارع، فإذا كان اللزوم حكمياً فلا يمكن أن يغيره المتعاقدان، وأما إذا كان حقاً لهما فيمكن أن يتنازلا عن حقهما - وهو اللزوم -، فإذاً لا منافاة في البين.

نعم من حقك أن تسأل وتقول:- كيف تثبت أنَّ اللزوم بالافتراق - مثلاً - هو حق وليس حكماً شرعياً؟

قلت:- يمكن إثباته بأمرين:-

الأمر الأول:- الارتكاز المتوارث جيلاً بعد جيل إلى أن يصل إلى معدن العصمة والطهارة فهذا يدل على أنه جاء من أجواء واضحة عاشها أصحاب الأئمة عليهم السلام، ولابد أن هذه الأجواء الواضحة جاءت من الأئمة عليهم السلام، وهذه قضية مسلّمة كبروياً، أما في موردنا فنقول إنَّ من الأشياء الواضحة عند المتشرعة أنَّ المعاملة اللازمة - أيّ معاملة كالبيع والاجارة - هي لازمة ولكن إذا اتفق الطرفان على رفع اليد عن هذه المعاملة فلا نحتمل أنَّ متشرعاً يرفض ذلك، كما لو آجر شخص بيتاً من شخص آخر ثم قال المستأجر للمالك دعنا نفسخ المعاملة فقبل المالك بذلك فهنا لا يتوقف أحد في جواز ذلك، وهذا الارتكاز ليس جديداً وإنما هو ثابت عند جميع الناس، فإذاً هناك ارتكاز متوارث على اللزوم في المعاملة هو حقي وليس حكمياً وكفانا هذا مستنداً.

الأمر الثاني:- صحة الإقالة، فإنه لو فرض أنَّ أحد الطرفين قال للآخر أقلني فأقاله الثاني فحتى لو كانت المعاملة لازمة - كالبيع أو الاجارة - فحينئذٍ إذا أقاله انفسخت المعاملة ولا يتوقف أحد في ذلك وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنَّ اللزوم حقي وليس حكمياً، فإنَّ الحكم الشرعي باللزوم لا يمكن أن يتغير بالإقالة.

نعم خرجت بعض العقود بالدليل وأنها لازمة ولا تنفسخ بالإقالة واللتفاسخ من قبيل النكاح، فإذا قالت الزوجة لزوجها فسخت العقد فلا يستطيع الزوج أن يقول قبلت ويحصل بذلك الفسخ أو يتقايلا فيحصل الفسخ، وإنما ينجصر الطريق بالطلاق حيث قرر الشرع المقدَّس بكون الطلاق هو الوسيلة لزوال النكاح، وهذا إن دل على شيءٍ فإنما يدل على اللزوم حقي وليس حكمياً ولكن خرج من ذلك باب النكاح.

ولا يصح في النكاح أيضاً اشتراط حق الفسخ بأن تشترط الزوجة على الزوج بأنَّ لها حق الفسخ إذا شاءت أو إذا تراضينا فيما بينهما على الفسخ فإنَّ هذا لا ينفع، وإنما الوسيلة الوحيدة المنحصرة هي الطلاق كما ذكرنا.

فإذا من خلال هذا اتضح أنَّ اللزوم الثابت في باب المعاملات بشكلٍ عام بعد الافتراق من المجلس هو لزوم حقي وليس حكمياً، وعليه يجوز فسخ المعاملة بعد كون اللزوم حقياً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo