< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/03/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:الفصل الرابع(الخيارات)

مسألة (113 ) جواز اشتراط الخيار في أي مدة ولا يتقدر بمدة معينة - الخيار الثالث ( خيار الشرط ) – الفصل الرابع ( الخيارات ).

مسألة ( 113 ):- لا يتقدر هذا الخيار بمدة معينة بل يجوز اشتراطه في أي مدة كانت قصيرة كانت أو طويلة متصلة أو منفصلة عن العقد. نعم لابد من تعيين مبدئها وإلا بطل العقد.

..........................................................................................................

ترتبط هذه المسألة بخيار الشرط، فلو اشترط أحد المتعاقدين على الآخر جاز هذا الاشتراط، كما تشمل على حكمين:-

الحكم الأول:- يجوز الاشتراط في أي مدّة كانت وسواء كانت الفترة طويلة أو قصيرة متصلة بالعقد أو منفصلة عنه.

والمدرك لجواز ذلك هو اطلاق قاعدة ( المؤمنون عند شروطهم ) فإنه بإطلاقه شامل لجميع هذه الحالات.

نعم نسب إلى الشافعي على ما جاء في التذكرة[1] أنه قال:- إذا كانت هذه المدة منفصلة عن العقد فلا يجوز لأنه يلزم من ذلك جواز العقد بعد لزومه.

والجواب واضح حيث يقال:- إنَّ اطلاق قاعدة ( المؤمنون عند شروطهم ) بستعه يشمل مثل هذه الحالة، فلا قصور في ذلك، نعم لو كان يلزم محذور عقلي فما ذكر صحيح، ولكن هنا لا يلزم مثل هذا المحذور غاية الأمر أنه يوجد جواز بعد اللزوم، وهذا لا مشكلة فيه، فعموم ( المؤمنون عند شروطهم ) يشمله، وحينئذٍ لا موجب للتوقف.

النقط الثانية:- يلزم أن تكون الفترة المشروطة محدَّدة بشكلٍ لا يلزم الغرر، كما لو فرض أنه قال بعتك هذا الشيء بشرط أن يكون لي الخيار عند قدوم الحاج، والحاج في ذلك الزمان لم يكن لهم وقت محدّد، فقدومهم ليس بشيءٍ قابل للضبط وهذا يلزم من الغرر، فمتى ما لزم الغرر لا يجوز حينئذٍ اشتراط هذا الخيار، فالمستند إذاً هو حديث نفي الغرر.

وفي هذا المجال يوجد لنا كلامان:-

الكلام الأول:- إنَّ المستند في لزوم ضبط المدّة بشكلٍ لا يلزم منه الغرر لا مستند له إلا حديث نفي الغرر، وهذا الحديث قد مرَّ بنا في مسألة ( 87 ) حيث تكلمنا عنه سنداً ودلالةً وذكرنا أنَّ الاستناد إلى هذا الحديث من المناسب أن يكون على مستوى الاحتياط الوجوبي فقط دون الفتوى، وسنبين الآن باختصار ما ذكرناه سابقاً فيه:- فهذا الحديث نقله صاحب الوسائل عن الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا حيث قال:- ( وقد نهى رسول الله عليه وآله عن بيع المضطر وعن بيع الغرر )[2] ، وإذا رجعنا إلى العيون وجدنا أنه ينقل الحديث بثلاثة طرق كلّها قابلة للتأمل سنداً، لأنها تشتمل على مجاهيل، فهو قال بسندٍ ينتهي إلى الحسين عليه السلام أنه قال:- ( خطبنا أمير المؤمنين فقال:- سيأتي على الناس زمان عضوض يعض المؤمن على ما في يده ...،وسيأتي زمان يقدم فيه الأشرار وينسى فيه الأخيار ويبايع المضطر وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن بيع المضطر وعن بيع الغرر)[3] ، ومعه يكون الاستناد إلى هذا الحديث على مستوى الفتوى محل إشكال من حيث السند.

اللهم إلا على طريقة صاحب الجواهر فإنه قال:- ( المشهور المعتبر المتلقى بالقبول بل قد أجمع عليه المؤالف والمخالف القال بحجية خبر الواحد وغيره ....بل ردّ به كثير من الأخبار المسندة المروية من طرق الأصحاب )[4] ، فعند صاحب الجواهر هذا الحديث لا مشكلة فيه لأنه متلقّى بالقبول وقد أجمع عليه المؤالف والمخالف القائل بحيجة خبر الثقة.

فإن قبلنا بهذه الطريقة فسوف يفتي الفقيه بذلك، وإلا سوف يقول بالاحتياط الوجوبي.

كما توجد طريقة أخرى للشيخ الأعظم فإنه قال:- ( اشتهار الخبر بين الخاصة والعامة يجبر اسناده)[5] ، وعلى اي حا أرى من المناسب أن يستند الفقيه على مثل هذا الخبر على مستوى الاختياط الوجوبي.

والشيء الآخر الذي نريد أن نقوله في هذا الحديث:- وهو أنَّ الوارد فيه هو كلمة الغرر وهذه الكلمة تستعمل بمعنيين، فتارة تأتي بمعنى الخديعة كقوله تعالى ﴿فدلالهما بغرور﴾[6] ، وقوله تعالى ﴿فلا تغرنكم الحوة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ﴾[7] ، فهنا استعملت كلمة غرور بمعنى الخديعة، ومرة يأتي الغرر بمعنى المخاطرة بالشيء، كما إذا اشترى سخص شيئاً وهو لا يعرف مقداره بالوزن فلعله يساوي عشر كليوات ولعله يساوي تسع كيلوات ولعله أقل من ذلك أو أكثر فهذا نحوٌ من المخاطرة بالعوضين، وقد يمثل له ببيع السمك في الماء، لأنه من قال إنه سوف يصطادها فهذه مخاطرة بالمال، وبناءً على هذا يحصل الاجمال ولا ندري أنَّ الحديث حينما قال ( نهى النبي عن بيع الغرر ) يقصد منه البيع الذي فيه خديعة للشمتري أو البيع الذي فيه مخاطرة، والذي نريده ويفعنا هو المعنى الثاني والحال أنه يحتمل أن يكون المقصود هو الأول.

وبناءً على هذا لا يمكن التمسك بالحديث المذكرو سنداً ودلالة.

إن قلت:- لماذا لا نقول يتشكّل علم اجمالي بأنَّ المقصود من الغرر إما الخديعة أو المخاطة بالمال، وحيث إنَّ العلم الاجمالي منجّز فعليه يمكن أن يستد الفقيه إلى هذا الحديث بعد ضم فكرة منجّزية العلم الاجمالي.

قلت:- العلم الاجمالي المذكور هو على أحد التقديرين قابل للتنجيز دونه على التقدير الآخر، فلو كان المقصود من الغرر الخديعة فهنا يمكن أن يقال إنَّ الخديعة محرَّمة، ولكن إذا كان الغرر هو المخاطرة بالمال فهذا لا يتعلَّق به حكم تكليفي من وجوبٍ أو تحريمٍ، والعلم الاجمالي إنما يكون منجّزاً فيما إذا كان مستلزماً للتكليف بنحو الوجوب أو التحريم، وهنا لا يكون كذلك، فعلى هذا الأساس لا يمكن الاستناد إلى العلم الاجمالي المذكور.

والنتيجة:- إنَّ هذا الحديث محل إشكال من حيث الدلالة والسند، ولكن الاستناد إليه على مستوى الاحتياط الوجوبي شيء وجيه ولا محذور فيه.

وبهذا ينتهي كلامنا الذي يرتبط بحديث نفي الغرر.


[1] تذكرة الفقهاء، الحلي، ج11، ص51.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج17، ص448، ابواب آداب التجارة، ب40، ح3، آل البيت.
[3] عيون أخبار الرضا، الصدوق، ج1، ص50.
[4] جواهر الكلام، الجواهري النجفي، ج22، ص386.
[5] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج17، ص176.
[7] سورة قلمان، الآية 33.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo