< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/03/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 115 ) الموارد التي يجوز فيها اشتراط الخيار من العقود والايقاعات - الخيار الثالث (خيار الشرط) – الفصل الرابع ( الخيارات ).

الحكم الرابع:- هناك ثلاثة من العقود وقع الكلام في أنها قابلة لاشتراط الخيار أو لا، وهي الصدقة والهبة اللازمة والضمان.

أما بالنسبة إلى الصدقة:- ففي البداية لابد من معرفة ما المقصود من الصدقة، فقد يتصور البعض أنَّ الصدقة هي ما يدفع إلى الفقير، ونحن نقول نعم هذا مصداقٌ منها، ولكن الصدقة تعني كل ما يؤتى به لوجه الله عزّ وجل، فإذا أرشدت الضائع لله عزَّ وجل فهذا نحوٌ من الصدقة، لأنه أتي به لله عزّ وجل.

وباتضاح هذا نقول هناك روايات دلت على أنَّ الصدقة لا تقبل الرجوع والخيار، وبعد دلالة الروايات على ذلك فسوف نأخذ بها، ونذكر ثلاث روايات:-

الرواية الأولى:- ما رواه الشيخ بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال عن العباس بن عامر عن داود بن الحصين عن أبي عبد اللله عليه السلام، قال:- ( سألته:- هل لأحد أن يرجع في صدقةٍ أو هبة؟ قال:- أما ما تصدق به لله فلا )[1] .

ودلالتها واضحة وصريحة:- حيث قالت ( أما ما تصدق به لله فلا )، يعني لا رجوع فيه.

وقد يقول قائل:- إنه في موردنا نحن نريد أن نجعل الخيار لا أنَّ الطرف يريد أن يرجع بالصدقة، بل هو لايريد أن يرجع بالصدقة وإنما يكون له الخيار فيُعمِله.

والجواب واضح:- فإن الحديث قال لا رجوع، وهذا أعم من كونه رجوعاً ابتدائياً أو رجوعاً بسبب الخيار، فبمقتضى الاطلاق - أو عدم الاستفصال - عدم جواز كلتا الحالتين.

أما من حيث السند:- فالشيخ الطوسي رواها عن علي بن الحسن بن فضّال وعلي بن الحسن بن فضّال من الثقات، وإنما الكلام في سند الشيخ إليه فإنه يوجد فيه علي بن محمد بن الزبير، حيث كان سند الشيخ الطوسي بالشكل التالي:- ( أخبرنا بجميع كتبه قراءةً عليه أكثرها والباقي اجازة أحمد بن عبدون عن علي بن محمد بن الزبير سماعاً واجازة عن علي بن الحسن بن فضال )[2] ، وعلي بن الحسن بن فضال لا كلام فيه كما قلنا، وأما أحمد بن عبدون المعروف بابن حاشر فهو من مشايخ الاجازة المعروفين فهو معتبر، وأما علي بن محمد بن الزبير فلم يرد في حقه توثيق، وقد وقع الكلام في هذا السند من جهة ابن الزبير وأنه معتبر أو لا؟ فقد يتأمل فيه باعتبار عدم وجود توثيق في حقه، ولكن كونه من مشايخ الاجازة وتروى عنه الكتب بالاجازة يثبت وثاقته، لأنه عادةً لا يذهب شخصٌ إلى آخر ويكسب منه اجازة نقل الكتب وروايتها من غير الثقة فإنَّ هذا ليس ديدن العاقل، وهذه القضية ليست برهانية وإنما هي قضية وجدانية فقد يقبل بها البعض وقد يرفضها الآخر.

ونلفت النظر إلى أنَّ جميع الروايات التي يرويها الشيخ الطوسي عن بني فضّال مبتلاة بعلي بن محمد بن الزبير، فلابد أن نتخذ موقفاً من هذه الناحية، فإذا بنينا على أنَّ مشايخ الاجازة المعروفين ثقات صارت الرواية معتبرة.

الرواية الثانية:- ما رواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن العلاء عن محمد بنمسلم عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال:- ( ولا يرجع في الصدقة إذا ابتغي فيها وجه الله عز وجل )[3] .

ودلالهتها واضحة، والسند معتبر سواء كان المقصود من أحمد بن محمد الذي روى عنه الشيخ الطوسي هو ابن عيسى أو ابن خالد البرقي، فكلاهما ثقة.

الرواية الثالثة:- ما رواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن زرترة عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( .... ولا ينبغي لمن أعطى لله شيئاً أن يرجع فيه )[4] .

وهنا قد يستشكل في دلالة هذه الرواية:- فإن الرواية قالت ( لا ينبغي ) ولم تقل ( لا يرجع أو لا يجوز )، وتعبير ( لا ينبغي ) يلتئم مع الكراهة.

ولكن نقول:- لو كنا نحن وهذه الرواية وحدها فالأمر كما تقول، بيد أنه توجد روايتان تدلان على عدم جواز الرجوع من دون إجمال، فعلى هذا الأساس نأخذ بتينك الروايتين، بل تينك الروايتين تكونان قرينة على تفسير ( لا ينبغي ) بالإلزام، فلا مجال للتشكيك في دلالتها على الإلزام بعد وجود تينك الروايتين، نعم لو كان تعبير ( لا ينبغي ) يدل على الكراهة فسوف تصير معارضة، ولكنها تدل على الجامع بين الكراهة والحرمة، وإذا كانت تدل على الجامع فلا تتعارض مع تينك الروايتين.

فإذاً لا يجوز جعل الخيار في الصدقة، كما لو أعطى شخص خاتمه إلى شخصً آخر لوجه الله تعالى ولكن لو قال له لي الخيار إذا شئت الرجوع فهذا لا يجوز، ففي متن عقد الصدقة لا يجوز اشتراط الخيار بمقتضى هذه الروايات، لأنَّ ما كان لله عزّ وجل لا يجوز فيه الرجوع.

بيد أنَّ السيد الروحاني(قده)[5] ذكر في مناقشة الشيخ الأعظم(قده) ما حاصله:- إنَّ هذه الروايات وإن دلت على اللزوم بيد أنها تدل على اللزوم الطبعي، ومن الواضح أنَّ ذلك لا يتنافى مع جعل الخيار.

فهو يريد أن يقول:- إنَّ هذه الروايات دلت على أنَّ الصدقة لا يجوز فيها الرجوع ولكن بما هي صدقة وبقطع النظر عن الأمور الأخرى، فهي بما هي تقتضي عدم جواز الرجوع، وهذا لا يتنافى مع جواز الرجوع بعاملٍ خارجي من قبيل اشتراط الخيار، فإذاً هذه الرواية ناظرة إلى الصدقة بحدّ ذاتها وبقطع النظر عن أمرٍ آخر من خيارٍ وغيره هي لا يجوز فيها الرجوع، ولو أريد الرجوع فيها بعاملٍ آخر كجعل الخيار فهي ساكتة من هذه الناحية، نظير ما يقال ( البيع لازم ) فهذا كلنا نعلم به، ولكن هذا لا يتنافى مع ثبوت الخيار بسب الاشتراط، فإنَّ المقصود من كونه لازماً يعني لو خلّي وطبعه بما هو هو بقطع النظر عن العوامل والأسباب الأخرى.

فإذاً لا منافاة بين كون الصدقة لا يجوز فيها الرجوع وبين جواز الرجوع باشتراط الخيار، فإنَّ اللزوم هو مقتضى الطبع الأوّلي للصدقة، وهذا ثبوتٌ لجواز الرجوع بسبب جعل الخيار ولا منافاة في البين.

وفيه:-

أولاً:- إنَّ ما ذكر من الجمع وجيه في مثل البيع ونحوه من المعاملات، فحينما يقال البيع لازم يعني الطبع الأوّلي له هو ذلك وذلك لا يتنافى مع ثبوت الخيار بسببٍ خارجي - أي بجعل الخيار - وأما في مثل المقام الذي جاء التعليل فيه ( ما كان لله لا يرجع فيه ) فإنَّ هذا يأبى عن جواز الرجوع بخيارٍ وغيره، لأنَّ النكتة هي كونه لله تعالى، وهذا اللسان لا يقبل التخصيص عرفاً، فإذاً لا يمكن نعمم هذه الفكرة إلى مقامنا.

ثانياً:- بقطع النظر عمّا تقدّم نقول:- لو كان عندنا دليل يدل على جواز الرجوع في الصدقة بسببٍ ما أمكن أن نجمع مثل هذا الجمع كما جاء مثل هذا الدليل في باب البيع، فإنه جاء في باب البيع أنه يجوز الفسخ بخيار المجلس وبخيار كذا وكذا فنجمع بين ما دل على لزوم البيع وما بين دليل الخيار بالوجه الذي ذكره من أنَّ ما دل على عدم الجواز يعني لو خلّي ونفسه وهذا لا يتنافى مع ثبوت جواز الفسخ بسبب الخيار بعد أن فرض مجيء الدليل، ولكن المفروض في مقامنا أنه لا يوجد دليل على أنَّ الصدقة يجوز فيها الخيار، بل الفروض أنَّ الموجود عندنا هو أنَّ الصدقة لا يجوز فيها الرجوع، فلا يوجد دليل ثانٍ يقول يجوز الرجوع في الصدقة إذا اشترط فيها الخيار، إذ لو كان يوجد دليل هكذا لأخذنا به ولكنه ليس بموجود، نعم قد يقال:- طبّق ذلك من خلال فكرة ( المؤمنون عند شروطهم )، فنحن نشترط الخيار في الصدقة ونطبّق قاعدة ( المؤمنون عند شروطهم )، قلت:- إنَّ هذا لا ينفع، وإنما النافع هو أن يأتي دليل خاص في مورد الصدقة ويقول يجوز اشتراط الخيار فيها للرجوع، أما عموم ( المؤمنون عند شروطهم ) فلا معنى للتمسك به بعدما كانت طبيعة الصدقة تأبى الرجوع.

فإذاً ما ذكره واضح التأمل، وقد اتضح أنَّ الصدقة لا يجوز الرجوع فيها كما أفاد السيد الماتن(قده).


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج19، ص238، ابواب الوقوف والصدقة، ب6، ح1، ط آل البيت.
[2] الفهرست، الطوسي، رقم الترجمة 393.
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج19، ص231، كتاب الهبات، ب3، ح2 ط أل البيت.
[4] وسائل الشيعة، العاملي، ج19، ص231، كتاب الهبات، ب3، ح1، ط آل البيت.
[5] المرتقى، السيد الروحاني، ج1، ص277.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo