< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/04/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة (118 ) حكم فسخ البيع عند اشتراط ردّ تمام الثمن أو نصفه - الخيار الثالث (خيار الشرط) – الفصل الرابع ( الخيارات ).

مسألة ( 118 ):- الظاهر أنه يجوز اشتراط الفسخ في تمام البيع برد بعض الثمن كما يجوز اشتراط الفسخ في بعض المبيع بذلك.

..........................................................................................................

تشتمل المسألة على حكمين:-

الحكم الأول:- يجوز أن يشترط البائع أنه متى ما ردَّ نصف الثمن فله حق فسخ العقد بتمامه، فالفسخ يكون لتمام العقد ولكن بردّ نصف الثمن.

الحكم الثاني:- إذا ردَّ البائع نصف الثمن فله حق الفسخ بلحاظ نصف المبيع لا كله.

أما بالنسبة إلى الحكم الأول:- فيمكن أن يقال:- لو رجعنا إلى الروايات الخاصة كصحيحة سعيد بن يسار المتقدمة نرى أنَّ موردها فسخ تمام البيع إذا ردَّ البائع تمام الثمن، كأن يقول البائع للمشتري إذا رددت لك الثمن فلي حق الفسخ يعني في تمام البيع، فمورد الروايات الخاصة قاصر عن شمول هذا الفرع.

ولكن رغم هذا يمكن أن نستدل بوجهين على جواز فسخ تماك العقد برد نصف الثمن:-

الوجه الأول:- التمسك بنفس الروايات الثلاث المتقدمة، وذلك ببيان:- أنَّ تلك الروايات وإن كان موردها فسخ تمام البيع بردّ تمام الثمن إلا أنّ الارتكاز العقلائي والعرفي يقول إذا أريد فسخ تمام العقد فلا فرق بين أن يكون الشرط هو ردّ تمام الثمن أو يكون ردّ نصف الثمن، إذ بالتالي يفترض أنّ الفسخ هو فسخٌ لتمام العقد، والمهم هو فسخ تمام العقد الذي هو محل نظر الروايات الشريفة، ونحن نفترض الآن أنّ الفسخ هو لتمام العقد غايته بردّ نصف الثمن والعرف لا يفرّق بين أن يكون الشرط هو ردّ تمام الثمن أو نصفه مادام الفسخ على كلا التقديرين هو فسخ لتمام العقد، وهذه قضية وجدانية.

البيان الثاني:- التمسك بالوجه الثاني من الوجوه الثلاثة المتقدمة، أعني التمسك بعموم ( المؤمنون عند شروطهم ) الوارد في صحيحة عبد الله بن سنان، فإنَّ اطلاق هذه الصحيحة شامل لما إذا كان الشرط هو فسخ تمام البيع عند ردّ نصف الثمن.

وأما الحكم الثاني:- فالمناسب ما أشرنا إليه في الصورة الأولى هو الجواز أيضاً، فإنّ الدليل الثاني الذي هو عموم ( المؤمنون عند شروطهم ) صالح لشمول هذه الحالة أيضاً، وعليه يجوز الفسخ بلحاظ نصف المبيع عند ردّ نصف الثمن.

وقد يقال كما ذهب إليه بعض الأعلام:- إنّ العقد حيث إنه واحد فلا يقبل التبعيض في الفسخ، فإما أن يفسخ بأجمعه أو يبقى بأجمعه، أما أن يفسخ بلحاظ نصفٍ ويبقى بلحاظ النصف الآخر فذلك خلف فرض كونه واحداً.

ويرده:-

أولاً:- لا ينبغي قياس الأمور الاعتبارية على الأمور الحقيقية التكوينية، وما ذكر يتم في الأمور التكوينية، أما الأمور الاعتبارية فحيث أنها مجرّد اعتبار فلا محذور في الفسخ بلحاظ بعضٍ دون بعض، نعم مجرد الامكان لا ينفع ما لم يقم دليل على الوقوع واثبات صحة الوقوع، وفي هذا المجال نقول إنّ الدليل على الوقوع موجود، وهو عموم ( المؤمنون عند شروطهم )، فنحن إذا سلّمنا إمكان التفكيك في الأمور الاعتبارية فالدليل على الوقوع موجود وهو عموم ( المؤمنون عند شروطهم ) فإنه باطلاقه يشمل مثل هذه الحالة، لأنّ هذا شرط عقلائي لا بأس به فيكون مشمولاً لهذا العموم، وعليه فلا مشكلة من هذه الناحية.

نعم قد يقال:- إنّ هذا وجه فيما إذا فرض أنّ الاشتراط كان من البداية، بأن فرض من البداية أن البائع قال للشمتري إذا رددت لك نصف الثمن فلي حق الفسخ في نصف المبيع فهذا شيء وجيه ويشمله قانون ( المؤمنون عند شروطهم )، أما إذا فرض أنه بعد أن تم العقد وانتهى جاء البائع وقال للمشتري أنا ليس لي حق الفسخ عليك لأني لم اشترط عليك ذلك مسبقاً ولكن إذا تفضلت عليّ بأن أدفع لك نصف الثمن وأنا أفسخ البيع في نصف المبيع فهذا كيف نثبت صحته بعد فرض أنّ عموم ( المؤمنون عند شروطهم ) لا يشمله إذ لا يوجد اشتراط في البداية حسب الفرض وإنما حصل هذا الأمر في ذهن البائع فيما بعد من دون اشتراطٍ مسبق، فلا يمكن التمسك بعموم ( المؤمنون عند شروطهم )؟

والجواب:-إنه إذا أريد بهذا الكلام دعوى أنه لا يمكن إلزام المشتري بذلك فهو شيء وجيه، إذ الفرض أنه لا توجد مشارطة قبلية على ذلك حتى يشمله عموم قانون ( المؤمنون عند شروطهم )، أما إذا فرض أنّ الهدف ليس الإلزام وإنما هل يصح ذلك إذا توافق الطرفان عليه فالمناسب هو الجواز، فإنه إذا صح بالاشتراط المسبق وشمله عموم قانون ( المؤمنون عند شروطهم ) فايضاً الأمر يكون كذلك لو فرض أنه حصل هذا التوافق بعد تمام العقد من دون اشتراطٍ وإنما كان بطلبٍ ومراضاةٍ، فإذا صحّ بالاشتراط صحّ بالمراضاة أيضاً ولا نحتمل أنَّ نفس الاشتراط بما هو اشتراط يصحح هذه المعاملة - يعني الفسخ في نصف المبيع بلحاظ نصف الثمن - فإنّ هذا احتماله ضعيف جداً، فإذا قبلنا بأنه يصح بلا مشارطة ويشمله قانون ( المؤمنون عند شروطهم ) يصح ذلك أيضاً فيما إذا تم التوافق على ذلك بالمراضاة لعدم احتمال الفرق بين الحالتين.

الدليل الثاني:- وهو بعض الروايات الدالة على صحة الفسخ بلحاظ بعض المبيع دون بعضه الآخر، كصحيحة الصفّار الواردة في أنَّ من اشترى شيئاً وكان نصفه ليس ملكاً للبائع ونصفه الثاني كان ملكاً للبائع فهنا قال الامام عليه السلام يصح البيع فيما يَملِك ويبطل فيما لا يَملِك، وهي ما رواه الشيخ الطوسي بإسناد عن محمد بن الحسن الصّفار أنه كتب إلى أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام :- ( في رجلٍ باع قطاع أرضين فيحضره الخروج إلى مكة ... فوقع عليه السلام:- لا يجوز بيع ما ليس يَملِك وقد وجب الشراء من البائع على ما يَملِك )[1] ، فالامام عليه السلام بعّض في هذه الصحيحة.

إن قلت:- إنّ هذا مورد خاص دلت عليه الرواية فكيف نتعدّى إلى غيره؟

قلت:- إنّ المستحيل هو مستحيل في جميع موارده، فإذا كان تفكيك العقد بلحاظ أبعاضه مستحيلاً فهو مستحيل أيضاً في جميع الموارد، ولا معنى لأنّ تقول إنه في مورد هذه الرواية للتعبّد الخاص نأخذ بها، وإنما إذا كان هذا التفكيك مستحيلاً يلزم أن نطرح الرواية.

وعلى هذا الأساس هذا الاحتمال موهون في حدّ نفسه، ومن خلال هذا كله اتضح أنه لا مشكلة في هذين الحكمين المذكورين في هذه المسألة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo