< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/04/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 120 ) حكم تعذر تمكين المشتري من الثمن إذا كان عن قضور في المشتري كغيبته - الخيار الثالث (خيار الشرط) – الفصل الرابع ( الخيارات ).

ونجيب بوجوب آخر على كلام صاحب الحدائق(قده)فنقول:- لو قرأنا الروايات فهي لا تدل حتى على اعتبار حضور المشتري في ردّ الثمن عليه، وإنما ذكرت ذلك من باب أنَّ الثمن يُـرَدُّ إلى المشتري وليس من باب الاشارة إلى شرطية الدفع إلى المشتري بحيث لا ينفع إذا دفعه البائع إلى الحاكم الشرعي، فهي صدد أنه متى ما جاء البائع الثمن إلى المشتري يفسخ حينئذٍ، فهي من هذا الباب ذكرت الدفع إلى المشتري وليست في صدد بيان تعيّن الدفع إليه.

هذا وقد يذكر وجهان لقيام الحاكم الشرعي مقام المشتري، ثم نشير بعد ذلك إلى وجهٍ آخر للعكس أي لعدم قيام الحاكم مقام المشتري:-

أما الوجهان لقيام الحاكم مقام المشتري ففهما:-

الوجه الأول:- التمسك بدليل ولاية الحاكم الشرعي، فإنه ينزل الحاكم منزلة المولّى عليه الذي هو المشتري في محل كلامنا، وإذا استفدنا التنزيل المذكور فحينئذٍ يكون الردَّ إلى الحاكم كالردّ إلى المشتري فإنَّ ذلك هو مقتضى التنزيل، فمادام الحاكم الشرعي بمنزلة المشتري فدفع الثمن إليه بمثابة دفعه إلى المشتري وحينئذٍ يتحقق قبض الثمن من قبل المشتري فيحق للبائع الفسخ باعتبار أنَّ قبض المشتري قد تحقق من خلال قبض الولي عليه - وهو الحاكم الشرعي - تمسكاً بإطلاق دليل ولاية الحاكم الشرعي.

وفيه:- إنه لا يوجد لدينا دليل على ولاية الحاكم الشرعي بحيث يكون دليلاً لفظياً كي يمكن التمسك بإطلاقه آنذاك لمثل القبض عن المشتري، وإنما ثبتت ولاية الحاكم الشرعي من باب الحِسْبَة، والحِسْبَة بمعنى أنَّ هناك أموراً يريدها الشرع المقدس ولا يحتمل في حقه اهمال المتولي لها مثل رعاية الأيتام أو رعاية المساجد والحسينيات وباقي الأوقاف وما شاكل ذلك من الأمور التي ليس لها شخص منصوبٌ بالخصوص ولا نحتمل أنَّ الاسلام أهملها إهمالاً كاملاً، فهذا مما يصطلح عيله عند الفقهاء بالأمر الحِسْبي، فولاية الحاكم الشرعي ثابتة في الأمور الحسبية التي هي مطلوبة للشرع المقدس، ومن المعلوم أنَّ قبض الحاكم الثمن عن المشتري ليس في صالح المشتري، نعم هو في صالح البائع، ولكن المفروض أنَّ الحاكم الشرعي يقبضه عن المشتري وهذا أمرٌ ليس في صالح المشتري حتى يكون مشمولاً للأمور الحِسْبيَّة ولولاية الحاكم الشرعي.

وإذا سلّمنا أنها كانت في صالح المشتري أحياناً فذلك يكون أحيناً وليس دائماً، ونحن نريد أن نثبت القضية الكلَّية وأنَّ الحاكم الشرعي يقبض عن المشتري من دون تفصيلٍ بين المواردن.

وعليه فهذا الوجه قابل للمناقشة من هذه الناحية، وسيأتي كلامُ يرتبط بهذا الوجه لعله ينفع أصل الوجه وليس في صالح المناقشة.

الوجه الثاني:- أن يقال إنه حينما يتفق الطرفان البائع والمشتري ويقول البائع (متى ما أرجعت الثمن إليك على رأس الفترة المعينة كخمسة أشهر فلي حق الفسخ ) وبعد هذا نقول:- إنَّ الارجاع إليك لم يلحظ ولم يؤخذ من باب الخصوصية للمشتري وإنما أريد به مطلق اليد الأمينة التي توصل الثمن إلى المشتري أعم من كون تلك اليد هي نفس المشتري أو اليد الأمينة، فحينئذٍ نفس اشتراط البائع وقوله ( إذا أرجعت الثمن إليك كان لي الفسخ ) يدل على كفاية الارجاع إلى الحاكم الشرعي عند تعذّر الارجاع إلى المشتري، فإنَّ المفهوم من الارجاع إلى المشتري هو الأعم منه ومن يد الحاكم الشرعي وكلّ يد أمينة.

وبما أنَّ المصداق الواضح لليد الأمينة هي الحاكم الشرعي إذا كان موجوداً فالدفع إليه قدرٌ متيقنٌ أنه يكفي، نعم إذا كان في بلدٍ لا يوجد حاكم شرعي فحينئذٍ نقول يشمل اليد الأمينة الثانية، ولو قلت:- لعلَّه في بعض المرات لا يريد الحاكم الشرعي، ولكن نقول:- إنَّ الانسان العرفي لا يفعل هذا وإنما الانسان العرفي يريد أن تقبض اليد الأمينة، وهي إما يده أو يد الحاكم الشرعي لأنَّ الحاكم الشرعي يلاحظ مصالح الجميع

وهذا وجه لطيف ولكنه متوقف على هذا الفهم وأنَّ المقصود من الارجاع إلى المشتري يعني مطلق الأمينة، إلا أنَّ الجزم به قد يكون صعباً، وسيأتي ما يرتبط بهذا الوجه بعد قليل.

وبهذا اتضح إمكان التأمل في كلا الوجهين.

وأما الوجه الذي ذكر على العكس أي لعدم ثبوت الولاية للحاكم الشرعي فهو أن يقال:- إنَّ ولاية الحاكم الشرعي كما قلنا هي ثابتة من باب الحسبة يعني من باب المصلحة التي نعلم بأنَّ الشرع المقدس يريدها ويهتم بها وحيث لم يكلّف بها شخصاً معيناً فالقدر المتيقن هو الحاكم الشرعي، ولكن نقول يلزم أن يكون في ذلك التصرف مصلحة للطرف الذي يقبض عنه الحاكم الشرعي - أي المشتري في محل كلامنا - ومن المعلوم إنَّ تصرف الحاكم الشرعي بالقبض ليس فيه مصلحة للمشتري، لأنَّ البائع سوف يفسخ البيع، وفسخ البائع للبيع ليس فيه مصلحة للمشتري إذ المبيع سوف يؤخذ منه، فإذاً ولاية الحاكم الشرعي ليست بثابتةٍ في القبض لأنها تسلزم فسخ البائع وفسخ البائع ليس في صالح المشتري.

والجواب:- إنَّ فسخ البائع ليس موقوفاً على قبض المشتري للثمن بأن يقبضه بيده بل يكفي التمكين - يعني إذا مكَّن البائع المشتري من الثمن بأن أتى بالثمن في ظرفٍ ووضعه أمام المشتري وذهب والمشتري رأى وصول جميع الثمن أمامه ولكنه لم يقبضه باليد فهذا التمكين يكفي- وعلى هذا الأساس لا يلزم أن يقبض الحاكم الشرعي الثمن بيده نيابةً عن المشتري، إذ المشتري نفسه لا يلزم أن يقبضه، كذلك الحاكم الشرعي لا يلزمه أن يقبض الثمن وإنما يكفي أن يأتي البائع بالثمن ويضعه أمامه، فإذا وضعه أمامه وعرف أنَّ هذا الثمن راجعٌ إلى المشتري كما لو أخبره البائع بأنه للمشتري الغائب وأني تركته عندك أمانةً لأنك الأمين، فإذاً قبض الحاكم الشرعي ليس بلازمٍ كما هو الحال في المشتري، فهنا لم يصدر فعلٌ من الحاكم الشرعي - وهو القبض - حتى يقال إنَّ ولايته ثابتة فقط وفقط في دائرة المصالح، بل القبض ليس بلازم وإنما التمكين كافٍ، ومادام حصل التمكين فيصح حينئذٍ الفسخ، ولا يأتي الإشكال بأنَّ الحاكم الشرعي منصوبٌ فقط للأفعال التي هي في صالح الغائب، لأنَّ التمكين ليس بفعلٍ من الأفعال، نعم القبض هو فعلٌ أما مجرّد التمكين فليس فعلاً حتى يقال إنَّ الحاكم الشرعي لا ولاية له على الأفعال التي ليست في صالح المشتري.

وبهذا اتضح أنه يمكن أن يقال بثبوت الولاية للحاكم الشرعي بعدما فرض أنَّ المطلوب في المقام ليس هو قبض المشتري وإنما المهم تمكين المشتري، ومعه يكفي تمكين الحاكم الشرعي من الثمن، ولا يرد إشكال أنَّ ولاية الحاكم تختص فقط في الأفعال التي هي صالح المشتري، إذا نقول إنَّ هذا ليس بفعل من الأفعال وإنما مجرّد تمكين الحاكم من هذا المال، فإذا كان التمكين كافياً في تحقق الردّ فحينئذٍ يجوز للبائع أن يفسخ من دون مشكلة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo