< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/04/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 123 ) لو اشترى ولي أو أحد وليي الصبي شيئاً للصبي ببيع الخيار ثم بلغ الصبي في أثناء فترة الخيار فعلى من يردّ البائع الثمن إذا أراد الفسخ؟ - الخيار الثالث (خيار الشرط) – الفصل الرابع ( الخيارات ).

وفي الجواب نقول:- المناسب جواز الردَّ على الولي الثاني باعتبار أنه ولي، فإنَّ البائع حينما يُرجِع الثمن إلى الأب فهو يرجعه إليه بما أنه ولي، والمفروض أنَّ الجدّ ولي أيضاً فيكتفى بالردّ على الولي الثاني - أعني الجد - أيضاً، وهذه قضية ينبغي أن تكون واضحة.

والغريب أنَّ الشيخ الأعظم(قده)تعرض إلى هذا الحكم الثاني وأبدى حتمالات من دون أن يرجّح بعضها على الآخر، وكان من المناسب أن يقول يجوز الردّ على الولي الثاني بعد أن نصبه الشرع المقدَّس في عرض الولي الأول - فإن بينهما عرضية شرعية - فلا موجب للتوقف، قال:- ( ولو اشترى الأب للطفل بخيار البائع[1] فهل يصح له الفسخ مع ردَّ الثمن إلى الولي الآخر- أعني الجد – مطلقاً أو مع عدم التمكن من الردّ إلى الأب أو لا، وجوهٌ )[2] ، فهو لم يرجح بعض الاحتمالات على بعض هذا يسجل عليه بعد أن فرض أو لاية الأب والجد عرضية فلا موجب للتوقف.

وهناك حكم ثالث لم تتعرض إليه هذه المسألة:- وهو أنه لو فرض أنَّ البائع باع ببيع الخيار - يعني جعل الخيار له بأنه لو أرجع الثمن إلى فترة سنة مثىلاً - فمن حق البائع أن يفسخ آنذاك، فلو فرض أنَّ الطفل لم يكن عنده أبٌ ولا جدٌ وإنما الذي اشترى له هو الحاكم الشرعي، لأنَّ الحاكم الشرعي رأى أنَّ من المصلحة أن يشترى لهذا الصبي شيئاً ببيع الخيار بحيث يكون الخيار للبائع، فإذا ردَّ البائع الثمن على رأس السنة مثلاً فمن حق البائع أن يفسخ البيع وبالتالي يُرجِع المشتري المبيع إلى البائع، فإذا كان الحاكم الأول هو المتصدّي لذلك فهنا هل يجوز ردّ الثمن إلى الحاكم الشرعي الثاني دون الحاكم الشرعي الأول أو لا؟

قد تعرض الشيخ الأعظم(قده) إلى هذا الفرع في المكاسب أيضاً، وكان من المناسب له أن يتردد فيه كما تردد في الحكم الذي قبله، قال:- ( ويجري مثلها فيما لو اشترى الحاكم للصغير ببيع الخيار فردَّ البائع إلى حاكمٍ آخر وليس في قبول الحاكم الآخر مزاحمة للأول حتى لا يجوز قبوله للثمن ... لكن الأظهر أنها مزاحمة عرفاً )[3] ، وهو لم يبدِ رأيه هنا وصار الكلام صغروياً، فإنه يدّعي أنه توجد مزاحمة عرفية،.

ولكن نقول:- إنَّ دعوى وجود المزاحمة العرفية عهدتها عليه بعد فرض وجود التوافق التواصل بين الحاكمين.

وقال السيد الخوئي(قده):- لا يجوز الدفع إلى الحاكم الآخر، فهو وافق الشيخ الأعظم(قده) ولكنه ذكر بياناً لذلك حيث قال:- إنَّ ولاية الحاكم الشرعي على القُصَّر إنما ثبتت من باب الحِسبة - أي من باب المعروف والشيء الحسن الذي يريده الشرع ولم ينصب له الشرع المقدس شخصاً بالخصوص كي يتولاه والحال أنه لابد من شخص يتولاه لأنَّ هذا شيء حسن لابد أن يقع ويحتاج إليه اليتيم، فحينئذٍ نتمسك لبفكرة القدر المتيقن، أي نقول:- بعد أن كان هذا الشيء معروفاً ويريده الشرع ولم يعهد به إلى شخصٍ بعينه فنأخذ بالقدر الميتقن وهو المجتهد العادل، وبذلك تثبت ولاية المجتهد العادل بهذا الدليل، وفي مثل هذه الحالة إذا كان الحاكم الشرعي الأول تم تعاقده مع البائع وفرض أنه سلّم الثمن إلى البائع وقبض المبيع ولايةً عن الصبي - لفرض وجود مصلحةٍ للصبي - ففي مثل هذه الحالة إذا أراد البائع أن يفسخ المعاملة على رأس السنة التي اشترطها لردّ الثمن فلابد وأن يُرجِع الثمن إلى الحاكم الشرعي الأول دون الحاكم الشرعي الثاني، فإنه إذا كان تصرّف الحاكم الأول وفق الغبطة والمصلحة فكيف نُثبِت الولاية في هذا المورد للحاكم الشرعي الثاني بعد أن تصدّى الحاكم الشرعي الأول، فلا تصل النوبة إلى الحاكم الشرعي الثاني بعد تصدّي الحاكم الشرعي الأول، إذ الغبطة قد تحققت والحاجة قد تمت ونُفِّذت، فلا يعود دليل على ولاية الحاكم الشرعي الثاني في مثل هذا المورد، قال:- ( إنَّ ولاية الحاكم لم تثبت بدليل لفظي حتى يتمسك بإطلاقها ... بل إنما قلنا بولايته من باب الحِسْبة ... والمقدار المتيقن ممّن يجوز له التصرف في أموال الأطفال من باب الحسبة هو الحاكم ... وعليه فنقول:- إذا قام بهذه الوظيفة أحد الحاكمين وباع أو اشترى للطفل مع مراعاة الغبطة والصلاح فبأيّ دليلٍ تبقى الولاية للحاكم الثاني حينئذٍ حتى يجوز له أخذ الثمن؟!! )[4] .

وفي التعليق نقول:- إنَّ هذه صناعة عليمة ولكنها ليست عرفية، وفيمكن أن يقال صحيح إنَّ ولاية الحاكم الشرعي ثبتت من باب الحسبة بناءً على قصور الأدلة اللفظية باعتبار أنَّ الأطفال والقُصَّر وما شاكل ذلك يحتاجون إلى من يتصرّف في أموالهم لمصلحتهم، وهذه قضية لا يمكن إنكارها ولا يحتمل أن الشرع المقدَّس يترك ذلك ولا يعيّن لذلك أحداً، والقدر المتيقن هو المجتهد العادل، ولكن نقول:- هل إنه يعني مجتهداً وعادلا ًواحداً لجيمع هذه البلاد الاسلامية الكبيرة فإنَّ هذا لا يكفي جزماً ولا يحتمل، كما لا يحتمل أنه عيّن اثنين فقط، وعليه فمن هنا ننتهي إلى أنَّ هناك حاجة ماسّة إلى هذه القضية، فكل مجتهدٍ عادل هو له الولاية في هذا المجال ولا نحتمل انحصارها بشخصٍ واحد، كما أنه لا نحتمل أنَّ هناك امتيازاً لمجتهدٍ على مجتهدٍ آخر ونقول مادام البائع قد حصل تعامله مع المجتهد الأول فردّ الثمن لابد وأن يكون للمجتهد الأول فإنَّ هذا الاحتمال موهون بعد أن جزمنا بأنَّ الشرع لم ينصب فقيهاً واحداً للتصدّي إلى مصالح المؤمنين، كما لا نحتمل الفرق بين فقيهٍ وآخر، وحينئذٍ تثبت ولاية الجميع على التصدّي لهذا المعروف، لا أنه إذا تصدّى أحدهم فلا تثبت الولاية للثاني، بل الولاية باقية على حالها، نعم هي باقية في الحدود التي لا تتحقق معها مزاحمة ونزاع، فلو فرض أنه كانت بين الحاكمي الشرعيين ألفة ولا يوجد نزاع فلا بأس أن تعقد المعاملة مع المجتهد الأول ولكن ردّ الثمن يكون على المجتهد الثاني، ففي هذا المجال لا نحتمل الخصوصية للمجتهد الأول بعد أن فرض أنَّ البلاد الاسلامية بحاجةٍ إلى نصب مجتهدين بعددٍ كبير ولا نحتمل أنَّ كل تصرّف تصدّى له مجتهد أن يناط به وأما الثاني لا يجوز له أن يتدخل ولو مع الألفة والمحبة، نعم مع الشجار والخلاف فإذا تدخل الأول فلا معنى لتدخل الثاني وإلا ازدات الواقعة شجاراً خلافاً، فعلى هذا الأساس يكفي الردَّ على المجتهد الثاني ولا محذور من هذه الناحية.


[1] يعني اشترى من البائع بخيارٍ للبائع في الفسخ متى ما ردَّ الثمن إلى سنة مثلاً، والأفضل أن يقول ( من البائع بخيار له ).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo