< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/05/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 124 ) إذا مات البائع قبل ردّه الثمن أو مات المشتري قبل ردّ البائع للثمن فماهو الحكم- الخيار الثالث (خيار الشرط) – الفصل الرابع ( الخيارات ).

هذا وربما يتمسك بوجهٍ آخر لاثبات انتقال الخيار إلى الورثة:- وذلك بالتمسك بفكرة الاستصحاب بأن يقال:- إنَّ الخيار كان ثابتاً في زمان حياة البائع، فإذا شككنا هل هو باقٍ بعد وفاته أو لا فنستصحب بقاءه، وبالتالي يكون ثابتاً للورثة.

وفي مقام الجواب نقول:-

أولاً:- إنَّ جريان هذا الاستصحاب مبني على جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية - يعني في الأحكام الكلية - وهذا مورد خلافٍ بين الأصوليين، فهناك رأي يقول بعدم جريانه كالشيخ النراقي(قده) والسيد الخوئي(قده)، ومنشأ الاشكال في جريان الاستصحاب هو المعارضة، وذلك بأن يقال:- إنَّ استصحاب بقاء الخيار إلى ما بعد وفاة البائع معارضٌ بأصالة عدم الجعل الزائد، فيقال إنه قد جُعِل الخيار جزماً مادام البائع موجوداً ولكن هل جعل في الفترة الزائدة التي هي مابعد وفاة البائع أو لا، وهذا شك في الجعل الزائد والأصل عدم هذا الجعل، فسابقاً لم يكن جعلٌ للفترة الزائدة والآن نشك فنستصحب عدم جعل الخيار في الفترة الزائدة، فإذاً دائماً في كل شبهة حكمية كلية استصحاب بقاء المجعول - أي الحكم الكلي - معارض بأصالة عدم الجعل الزائد، مثلاً استصحاب وجوب صلاة الجمعة في زمان الغيبة كذلك لا يجري على رأي السيد الخوئي(قده)، لأنَّ استصحاب الوجوب معارض بأصالة عدم الجعل الزائد، فإنه في صدر الاسلام جزماً لم يجعل الوجوب في زمان الغيبة والآن نشك هل جُعِل بالمقدار الزائد – أي في زمان الغيبة - أو لا فنستصحب عدم الجعل الذي كان ثابتاً في صدر الاسلام ويكون معارضاً لاستصحاب بقاء الوجوب إلى ما بعد زمان الغيبة، فدائماً كل استصحاب حكمي معارضٌ باستصحابٍ آخر، وبالتالي لا يمكن أن يجريا معاً للمعارضة، وجريان أحدهما دون الآخر بلا مرجح، فلا يجري استصحاب بقاء الحكم السابق.

وهذا ليس إشكالاً وإنما أردت أن ألفت النظر إليه، فإذاً الاعتراض الأول هو مبنائي.

ثانياً:- أن يقال:- إنَّ هذا الاستصحاب يشك في كونه من نقض اليقين بالشك أو كونه من نقض اليقين باليقين، فيصير المورد من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية فلا يجري، والوجه في ذلك:- هو أنه إن كان الخيار مجعولاً واقعاً لخصوص البائع فالبائع قد مات فيرتفع الخيار جزماً وبنحو اليقين، وإذا كان مجعولاً للاعم من ذلك - يعني للورثة أيضاً - فحيث أننا نشك في ذلك فالاستصحاب يكون جارياً لأنه يكون من نقض اليقين بالشك.

فإذاً على أحد التقديرين يكون المورد من نقض اليقين باليقين فلا يجري الاستصحاب، وعلى التقدير الآخر يكون المورد من نقض اليقين بالشك فيجري الاستصحاب، وحيث لا نعلم أنه مجعولٌ بأيّ تقديرٍ من التقديرين فيكون التمسك به تمسكاً بالعام في مورد الشبهة المصداقية، أي يشك في كون المورد مصداقاً لنقض اليقين بالشك أو مصداقاً لنقض اليقين باليقين ولا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية كما هو واضح.

وللشيخ الأعظم(قده) عبارة في آخر المكاسب قد تلمّح إلى هذا، فإنه قال:- ( والتمسك في ذلك باستصحاب بقاء الحق وعدم انقطاعه بموت ذي الحق أشكل لعدم إحراز الموضوع لأنَّ الحق لا يتقوم إلا بالمستحق )[1] ، فهو يريد أن يشير بهذه العبارة إلى ما ذكرناه من أنَّ المورد من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، والشيخ الأعظم(قده) لم يذكر هذا الردّ لأنه يبني على جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية، ولكن نحن بيّناه من باب لفت النظر إلى هذه النكتة، فهو لم يذكره من باب أنه لا يبني عليه.

ثالثاً:- أن يقال:- إنَّ هذا مبني على حجية الأصل المثبت، لأنك حينما تستصحب بقاء الخيار فهل تريد أن تقول إنَّ الخيار بعدُ باقٍ للورثة؟ فإنه ليس بثابت من البداية لهم حتى تستصحب بقاءه لهم إلى الآن وإنما كان ثابتاً للبائع والبائع قد مات ونحن نشك في ثبوته للورثة فنستصحب بقاء الخيار إلى ما بعد وفاة البائع وعليه سوف يكون ثابتاً للورثة، ولكن هذه ملازمة عقلية وليست شرعية، فهذا الاستصحاب إذاً مبني على حجية الأصل المثبت.

فإذاً الاستصحاب لا يجري لوجهين أو ثلاثة، وإنما قلت لوجهين أو ثلاثة لأنَّ لاوجه الأول مبنائي.

وبهذا ننهي حديثنا عن هذا الحكم الأول وهو أنَّ الخيار باقٍ وينتقل إلى الورثة من دون الحاجة إلى الاستصحاب، وإنما كان المدرك هو أنَّ البائع حينما يجعل الخيار لنفسه فهو يجعله بما هو مالك، وحينئذٍ إذ كان موجوداً فهو المالك، وإذا لم يكن موجوداً فورثته بما أنهم هم الملّاك فقد جعل البائع الخيار لهم، فإذاً هو مجعول بجعل البابع ولا نحتاج إلى هذا التطويل.

الحكم الثاني:- يشترك الورثة على حسب سهامهم في إرث الخيار، فإذا كانوا ثلاثة ذكور فلكل واحدٍ منه الثلث، فحينما يفسخون البيع يرجع لكل واحد منهم ثلث المبيع، ويمكن أن يقال في توجيه الدليل على ذلك:- هو أنَّ ملكية المبيع ليست ملكية جديدة وإنما هي نفس الملكية السابقة، يعني أنَّ البائع حينما باع داره ببيع الخيار وقال للمشتري إذا أرجعت لك الثمن على رأس السنة فالدار تعود لي فحينئذٍ نقول إذا رجعت الدار في رأس السنة إلى البائع وكان موجوداً فهي حينئذٍ ملكه، وأما إذا مات البائع رجعت إلى الورثة حسب السهام، ولكن لو مات البائع في فترة الخيار فعلى هذا الأساس يكون الخيار لهم فإذا حلّ رأس السنة ودفعوا الثمن إلى المشتري ترجع إليهم الملكية السابقة وليست هي ملكيةً جديدة، فلا يحتمل أنَّ الملكية التي تثبت لهم الآن هي غير الملكية السابقة، وحيث إنَّ الملكية السابقة تتوزع بنيهم حسب سهامهم فهنا أيضا تتوزع بينهم بحسب السهام، ولا نحتاج إلى دليلٍ لاثبات أنَّ التوزيع يكون بحسب السهام، لأنَّ القضية واضحة، إذ الفرض أنَّ الملكية التي ترجع إليهم بعد فسخهم هي نفس الملكية السابقة، وحيث إنَّ الشيء يتقسَّم بينهم حسب سهامهم فالآن حينما ترجع تلك الملكية السابقة إليهم فالأمر يكون كذلك، فإذاً هذا الحكم واضح ولا يحتاج إلى كلام.

الحكم الثالث:- قال(قده):- ( ولو امتنع بعضهم عن الفسخ لم يصح للبعض الآخر الفسخ لا في تمام المبيع ولا في بعضه )، والمقصود هو أنَّ الورثة إما أن يفسخوا جميعاً أو لا يفسخوا جميعاً أما التبعيض فلا وجه له، والوجه في ذلك واضح:- فإنَّ الخيار أمرٌ واحد ليس قابلاً للتبعُّض بحيث نقول ثلث الخيار للوراث الأول وهو يفسخ في ثلثله والثلث الآخر من الخيار للوراث الثاني وهو يفسخ في ثلثه ... وهكذا وإنما الخيار أمرٌ بسيطٌ لا يتوزَّع ويتقسَّم على الورثة وإنما يكون شيئاً واحداً لهم جميعاً، ومادام هذا الشيء واحداً فإما أن يُعمِلوه جميعاً وإما أن لا يُعمِلوه جيمعاً، ولو أراد بعضهم أن يُعمِله دون البعض الآخر فهذا خلف فرض كونه واحداً.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo