< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/05/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تتمة مسألة ( 124 )، مسألة ( 125 ) - الخيار الثالث (خيار الشرط) – الفصل الرابع ( الخيارات ).

الحكم الرابع:- إذا مات المشتري فمن حق البائع ردّ الثمن على ورثة المشتري وأخذ المبيع منهم، وبكلمة أخرى:- إذا كان المشتري موجوداً فلا إشكال في أنه يردَّ البائع المبيع إليه فإنَّ ذلك هو بمقتضى الاشتراط، ولكن إذا مات المشتري فحينئذٍ يجوز للبائع ردّ الثمن على ورثة المشتري، والتوجيه الفني لذلك:- هو أنَّ البائع حينما اشترط ردّ الثمن على المشتري إنما هو ذكر المشتري - وقال له أنا أردّ الثمن عليك واسترع المبيع - باعتبار أنَّ المشتري هو الطرف الثاني، أي هو مالكٌ للمبيع في فترة الخيار، فحيثية كونه مالكاً هي المبررة لهذا الاشتراط، وحيث إنَّ الورثة صاروا ملّاكاً للمبيع فيقومون مقام المشتري في جواز رجوع البائع إليهم.

وبكلمة أخرى:- البائع يرجع إلى المشتري لا لخصوصية فيه بما هو مشتري وإنما بما هو مالك، وحيث إنَّ الورثة صاروا ملّاكاً فحينئذٍ يجوز للبائع الرجوع إليهم، نعم لو فرض أنه حين العقد كانت هناك قرينة أو بيان زائد يدل على أنَّ البائع يرجع للمشتري مادام المشتري حياً فحينئذٍ لا يجوز الرجوع إلى الورثة، أما إذا لم يفترض وجود هذا البيان الزائد فالمناسب الرجوع إلى ورثة المشتري من باب أنهم مُلّاك.

ويمكن أن يستدل ببيان آخر:- وذلك بأن يقال:- إنه يوجد اشتراط ضمني حين العقد، فبعد افتراض أنَّ حالة الموت تقع على أيّ إنسان في أي وقتٍ فحينما يقول البائع ارجِع الثمن عليك أيها المشتري في الموعد الكذائي وآخذ المبيع فهذا شرطٌ ضمني، يعني إن كنت موجوداً فسارجع عليك وإن لم تكن موجوداً فسأرجع على الورثة.

وعلى أيَّ حال يبقى القيد الذي ذكرناه وهو أنه إذا قامت قرينة على الرجوع فقط وفقط يكون على المشتري فلا يجوز رجوع البائع على ورثة المشتري، ولكن كلامنا مع عدم قيام القرينة الخاصة على ذلك فهنا يجوز رجوع البائع على ورثة المشتري.

 

مسالة ( 125 ):- يجوز اشتراط الخيار في الفسخ للمشتري بردّ المبيع إلى البائ والظاهر منه ردّ نفس العين فلا يكفي ردّ البدل حتى مع تلفها إلا أنَّ تقوم قرينة على إرادة ما يعم ردّ البدل عند التلف. كما يجوز أيضاً اشتراط الخيار في كل منهما عند ردّ ما انتقل إليه بنفسه أو ببدله عند تلفه.

..........................................................................................................

تشمل المسألة على أحكام ثلاثة:-

الحكم الأول:- يجوز أن يشترط المشتري على البائع الخيار عند ردّ المبيع عند رأس الموعد المحدد كسنةٍ مثلاً ويسترجع الثمن، وهذا عكس ما كنا نفترضه سابقاً، ففيما سبق كنا نفترض أنَّ البائع يبيع داره مثلاً ويشترط على المشتري أنه يسترجع الدار عند ردّ الثمن على رأس السنة مثلاً، أما في هذه المسألة المشتري يشترط على البائع بأن يقول للبائع إذا أرجعت لك المبيع على رأس السنة ترجع لي الثمن، وهذا أمرٌ جائز، والتوجيه الفني لهذا الحكم أن يقال:- إنَّ نفس الأدلة التي ذكرناها في حالة اشتراط البائع الفسخ بردّ الثمن تأتي هنا، حيث ذكرنا وجهين، الأول حديث ( المؤمنون عند شروطهم ) حيث قلنا إنه يدل على إمضاء كل شرطٍ يشترطه المتعاقدان ما لم يرد دليل مخصّص لهذا العموم، فإذا لم يرد دليل مخصّص فحينئذٍ يتمسك بالعموم ومقتضى هذا العموم أنَّ البائع يجوز له اشتراط الخيار بردّ الثمن واسترجاع المبيع، كذلك المشتري يجوز له اشتراط الخيار عند ردّ المبيع ويسترجع الثمن، فإذا هذا العموم شامل لكلتا الحالتين، وحيث لا مخصّص فنتمسك به.

الوجه الثاني:- الروايتان الواردتان في خصوص الحالة الأولى، والفرق بين هذا الوجه وبين الوجه الأول هو أنَّ الوجه الأول شامل بعمومه أو إطلاقة لكلتا ، وأما الوجه الثاني الذي هو معتبرة اسحاق بن عمّار ومعتبرة معاوية بن ميسرة عن أبي الجارود، فهتان الروايتان وردتا في خصوص الحالة الأولى ولكن يمكن أن نقول إنهما تشملان الحالة الثانية أيضاً من باب إلغاء الخصوصية عرفاً، فصحيح أنَّ المعتبرتين وردتا في الحالة الأولى إلا أنَّ العرف لا يرى الخصوصية من هذه الناحية في اشتراط البائع الفسخ عند ردَّ الثمن واسترجاع المبيع وإنما يشمل الصورة الثانية وهي حالة اشتراط المشتري، أما رواية اسحاق بن عمار فهي:- ( رجل مسلم احتاج إلى بيع داره فجاء إلى أخيه فقال أبيعك داري هذه وتكن لك أحبُّ إليَّ من أن تكون لغيرك على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنمها إلى سنة أن تردَّ عليَّن فقال:- لا بأس بهذا إن جاء بثمنها إلى سنة ردّها عليه )[1] ، وأما رواية معاوية بن ميسرة فهي:- ( قال:- سمعت أبا الجارود يسأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجلٍ باع داراً له من رجل وكان بينه وبين الرجل الذي اشترى منه الدار حاصر فشرط أنك إن أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك فأتاه بماله، قال:- له شرطه )[2] ، وهي واضحة الدلالة في ثبوت الخيار للبائع إذا شرط ذلك.

فإذاً يمكن التمسك بهاتين الروايتين بعد إلغاء الخصوصية إن قبلت بهذا، والظاهر أنه شيءٌ جيد.

الحكم الثاني:- المراد من ردّ المبيع هو ردّ نفس المبيع وليس ردّ غيره إن فرض تلفه، يعني لو اشترط المشتري الخيار عند ردّ المبيع إلى البائع على رأس السنة مثلاً فهو له هذا الحق إذا كان المبيع موجوداً، أما إذا فرض أن المبيع كان تالفاً فهل يكفيه ردّ البدل أو لا، كما لو كان المبيع سيارة فتلفت فهل يصح أن يردّ سيارةً مشابهة للسيارة التالفة أو لا؟ إنه يكفي ذلك إلا أن تقوم قرينة على إرادة الأعم من ردّ نفس عين المبيع إن كانت موجودة ومن ردّ بدلها إن كانت معدومة، والوجه في لزوم ردَّ نفس عين المبيع أن يقال:- هناك فرقٌ بين الحالة الأولى وهي أن يشترط البائع الخيار بردّ الثمن وبين الصورة الثانية وهي اشتراط المشتري الخيار بردّ المثمن، ولكن في الثمن يمكن أن يقال إذا كان الثمن تالفاً فيقوم بدله مقامه، إذ في باب النقود والأثمان لا تلحظ العين الخاصة وهذه الدنانير الخاصة وإنما المهم هو الدينار أعم من أن تكون هذه الدنانير هي التي سلّمها المشتري للبائع - أن نفس عين الدنانير - أو دنانير أخرى، بل فالمهم هو إرجاع مقدار تلك الديناير، وهذا بخلافه في باب المثمن، فإنَّ المثمن عينٌ كالكتاب، فحينما يشترط المشتري أنه عند ردّه المثمن فله خيار الفسخ وقبل البائع بذلك فإنما يتم التوافق على العين والتعدّي من العين إلى بدلها لا توجد عليه قرينة كما كان في باب الأثمان حيث تلحظ جنبة النقد أعم من أن يكون بنفس النقود المدفوعة أو بغيرها، وعلى هذا الأساس لا يكفي عند تلف المبيع أن يردّ المشتري بدل العين الأولى إلى البائع فإنَّ خصوصية العين ملحوظة في باب المبيعات بخلافه في باب الأثمان، إلا إذا فرض أنه قامت قرينة - ولو من خلال الاشتراط أو غير ذلك - على أنَّ المقصود من الارجاع هو إرجاع الأعم من العين أو بدلها، إلا أنَّ ذلك مطلب آخر فإنَّ كلامنا مع عدم القرينة، فإذاً يوجد فارق بين اشتراط البائع الخيار بردَّ الثمن فلا يلزم ردّ نفس عين الثمن الأول، وبين اشتراط المشتري الخيار عند ردّ المبيع فيلزم ردّ نفس العين الأولى.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo