< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/05/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الخيار الرابع ( خيار الغبن ) – الفصل الرابع ( الخيارات ).

ونجيب بجوابين: -

الجواب الأول:- سلّمنا أنَّ الخيار يثبت بمقتضى الآية الكريمة كما قلت ولكن هذا لا يثبت كل المدّعى، فإنَّ الخيار الذي نحن بصدده هو الخيار الذي يكون حقاً للمغبون بحيث يجوز له إسقاطه، فإنَّ من لوازم الحق جواز الاسقاط، فكلامنا في الخيار بهذا المعنى، والآية الكريمة إذا تمت دلالتها فأقصى ما تثبته هو الخيار حتى يخرج المورد عن كونه بالباطل وحتى يصحّ أكل الغابن، ولكن هذا لا يثبت أنَّ هذا الخيار حقي بل لعله حكمي، فإنَّ الذي يخرج المعاملة من الباطل على رأيه هو أصل ثبوت الخيار أما كونه بنحو الحقية فهذا لا تثبته الآية الكريمة، وإنما هي تثبت الخيار بالنحو الأعم من كونه حقاً أو حكماً ولا تعين كونه حقاً، وما نريده هو اثبات الخيار الذي يكون حقاً أي يقبل الاسقاط ولذلك يمكن للمغبون أن يسقطه فإنَّ هذا جائز بلا إشكال حتى على المستوى العقلائي فضلاً عن المستوى الشرعي والفقهائي، فإذاً الآية الكريمة لا ثبت تمام المدعى، أي أنها لا تثبت أنّ الخيار ثابت بنحو الحقّية، بل غاية ما تثبت - إن تمت دلالتها - هو الخيار أعم من كونه بنحو الحق أو بنحو الحكم، وهذا ليس تمام المدّعى.

ثانياً: - إنَّ المخرج للمعاملة عن كونها باطلة ومصداقاً للباطل هو الرضا، فإذا وجد الرضا للمغبون فالمعاملة لا تكون من الباطل، ومجرّد الخيار من دون رضاً لا يخرج المعاملة عن كونها مصداقاً للباطل، وهذا شيء لا يمكن التأمل فيه أو إنكاره.

الدليل الثالث: - الروايات التي ذكرها العلامة في التذكرة فإنه قال:- ( مسألة 252:- الغبن سبب ثبوت الخيار للمغبون عند علمائنا ... لقوله عليه السلام " لا ضرر ولا ضرار في الاسلام[1] " ... ولأنَّ النبي صلى الله عليه وآله أثبت الخيار في تلقي الركبان وإنما اثبته للغبن )[2] .

فهو تمسك بهذه الروايات وهي أثبتت الخيار فقط ولكنها لم تبيّن أنه خيار الغبن.

وما ذكره الشيخ الطوسي في الخلاف حيث قال:- ( إذا اشترى فبان له الغبن فيه كان له الخيار ... دليلنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال " لا ضرر ولا ضرار " ... أيضا روي عنه عليه السلام أنه نهى أن تلقى الركبان فمن تلقاها فصاحبها بالخيار إذا دخل السوق، ومعلوم أنه إنما جعل الخيار له لأجل الغبن )[3] .

وقد جاء هذا في كلمات العامة، كما في صحيح البخاري عن ابن عباس قال:- ( نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يتلقى الركبان )[4] إلى غير ذلك من الروايات.

فهذه الروايات تنهى عن تلقي الركبان وإذا دخلوا إلى السوق كان لهم الخيار، وقد قال فقهائنا لابد وأن يكون هذا الخيار هو خيار الغبن.

وحينما وصل الشيخ الأعظم(قده) إلى هذا الدليل علّق وقال:- إنَّ هذه الروايات لم تثبت سنداً لأنَّ رواتها لم تثبت وثاقتهم، وترك مناقشة دلالتها، وهذا غريب منه، قال:- ( لعدم وجودها في الكتب المعروفة بين الامامية ليقبل ضعفه الانجبار بالعمل )[5] .

وفي مقام التعليق ونقول: -

أولاً: - إنَّ أقصى ما دلت عليه هذه الروايات هو أنَّ الركب إذا دخل السوق كان له الخيار ولم تقل هو خيار الغبن، فكيف نعيّن أنه خيار الغبن؟!! بل لعل خيارٌ آخر بعنوان خيار الركبان إذا دخلوا السوق.

إن قلت: - إنَّ الفقهاء لم يذكروا هذا الاحتمال فكيف تأتي به؟

قلت: - إنه وإن لم يذكره الفقهاء ولكن عدم ذكرهم له لا يصير دليلاً على أنَّ الخيار هو ثابت هو لأجل الغبن جزماً، بل نقول هو خيارٌ مستقل بنفسه بقطع النظر عن اختلاف القيمة، أو نقول إنه يثبت إذا كانت القيمة مختلفة وإن لم تكن بدرجة الغبن وإنما كان التفاوت في القيمة يسيراً، وعليه فلا يمكن الجزم بكون هذا الخيار ثابت لأجل الغبن فإنَّ اثبات هذا شيءٌ صعب.

ثانياً: - إنه ذكر أنَّ السند ضعيف، ولكن يمكن أن يقال: - إنَّ رواية الأعاظم لها تورث قوة السند، فإنَّ الشيخ الطوسي والعلامة قد تمسكا بها ولعل غيرهم يتمسكون بها أيضاً، فيمكن أن يقال إنَّ رواية الأعاظم لها تجبر ضعف السند بناءً على قبول هذا المبنى.

وهناك روايات من قبيلٍ آخر غير روايات لا ضرر وهي: -

الرواية الأولى:- ما رواه اسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( غبن المسترسل سحت )[6] .

الرواية الثانية:- ما رواه الكليني أيضاً بسنده عن ميسر عن أبي عبد الله عيه السلام:- ( غبن المؤمن حرام )[7] .

الرواية الثالثة:- ما رواه في السوائل عن كتاب الاستخارات للسيد علي بن موسى ابن طاووس عن أحمد بن محمد بن يحيى قال:- ( أراد بعض أوليائنا الخروج للتجارة فقال لا أخرج حتى آتي جعفر بن محمد عليه السلام فأسلم عليه وأستشيره في أمري هذا واسأله الدعاء لي، قال:- فأتاه قال له:- يا ابن رسول الله إني عزمت على الخروج إلى التجارة وإني آليت إلى نفسي أن لا أخرج حتى آتيك واستشيرك وأسألك الدعاء لي، قال:- فدعا له وقال عليه السلام:- عليك بصدق السان في حديثك ولا تكتم عيباً يكون في تجارتك ولا تغبن لمسترسل فإنَّ غبنه لا يحل ... وإذا عزمت على السفر أو حاجة مهمة فأكثر الدعاء والاستخارة فإنَّ أبي حدثني عن أبيه عن جدّه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلّم أصحابه الاستخارة[8] كما يعلّم السورة من القرآن )[9] .

وفي الجواب نقول: - إنَّ هذه الروايات قالت إنَّ غبنه سحت ولا يحلّ يعني أنه حرام وهي لم تثبت الخيار، وكلامنا هو في اثبات الخيار لا في الحرمة، وعليه فلا يكون هذا الدليل تاماً.


[1] وحديث لا ضرر سنذكره فيما بعد كدليل مستقل ولكن ذكرناه هنا لأن العلامة ذكره ضمن هذا الكلام.
[4] صحيح البخاري، البخاري، ج3، ص52.
[8] والمقصود من الاستخارة هنا هي طلب الخير من الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo