< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/05/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الخيار الرابع ( خيار الغبن ) – الفصل الرابع ( الخيارات ).

انتهينا إلى أنَّ التمسك بحديث لا ضرر لاثبات خيار الغبن ليس أمراً واضحاً ومقبولاً وإنما فيه كلامٌ وتأمل، وعليه كيف نستدل على ثوبت خيار الغبن؟

وفي الجواب نقول:- يوجد وجهان:-

الوجه الأول:- ما تقدمت الاشارة إليه، وهو التسكمك بفكرة الشرط الضمني، بمعنى أنَّ المتعاقدين حينما يتعاقدان فهناك شرط مضمرٌ على كونه ليس مغبوناً وإلا فهو بالخيار، وهذا الشرط لا يصرَّح به لوضوحه، فإذا سلَّمنا بهذا الاشتراط غير المصرّح به والذي يعبر عنه بالشرط الضمني نضم إليه عموم ( المؤمنون عند شروطهم )[1] فيثبت بذلك خيار الغبن، وهذا بيانٌ عقلائي مقبول.

نعم ربما يقال:- إنَّ هذا لا يناسب تسميته بالاشتراط الضمني بل هو بناءٌ عقلائي، فإنَّ الاشتراط الضمني يكون بين طرفين وهما البائع والمشتري بخصوصهما، أما إذا كان المطلب ثابتاً في أنظار جميع العقلاء لا خصوص هذا البائع والمشتري فهو إذاً بناءٌ عقلائيٌ وليس اشتراطاً ضمنياً.

قلنا:- إنَّ هذا شيءٌ لا بأس به ولكنه يرتبط بعالم التسمية، ما واقع الحال فلا يتغير، فلو سلَّمنا بوجود بناءٍ عقلائي فهذا عبارة أخرى عن الاشتراط ولكنه اشتراطٌ لا بين خصوص المتعاقدين وإنما هو أوسع، وهذه قضية فنّية لا تؤثر على واقع الحال شيئاً، إذ بالتالي يكون التمسك بفكرة الاشتراط الثابتة بنحو الضمنية أو الثابتة بنحو البناء العقلائي العام.

الوجه الثاني:- أن يقال إنَّ الفقيه في مقام الاستنباط أحياناً يجد النتيجة واضحة أمامه ويطمئن بها قبل أن يلاحظ الأدلة، وهذه من الفوائد التي ينبغي الالتفات إليها، ومثال ذلك موردنا، حيث من البعيد أن يشكك فقيه في ثبوت خيار الغبن وشرعيته خصوصاً إذا كان الغبن بمقدارٍ كبير، ففي مثل هذه الحالة يطمئن الفقيه بثبوت النتيجة كما في مقامنا فإنه يطمئن بثبوت خيار الغبن، ولكن قد يقع الاشكال الحيرة في الاستدلال عليه يستدل عليه كما وجدنا ذلك في موردنا فإنَّ الأدلة تقبل الاشكال والتأمل ولكن ذلك يبقى الفقيه مطمئناً بالنتيجة وهي أنَّ خيار الغبن لابد وأن يكون ثابتاً في الشريعة، وفي مثل هذه الحالة يمكن أن نُلبِسَ هذا المطلب لباساً فنّياً ونصوغه كدليلٍ مستقل، وذلك بأن يقال:- إنَّ هذا الوضوح الموجود في أذهان الفقهاء والارتكاز الثابت لديهم لم يأتِ عفواً وإلا للزم صدور المعلوم من دون علَّة، وعليه سوف يطمئن الفقيه بأنَّ هذا الوضوح قد تلقاه يداً بيدٍ إلى زمن المعصوم عليه السلام والجيل المعاصر لزمان المعصوم قد أخذه من المعصوم عليه السلام، يعني أنه كان من الأمور الواضحة في الجوّ الذي كان يعيشه المعصوم عليه السلام فتلقاه من ذلك الجوّ الواضح، وبذلك يثبت خيار الغبن بهذا الدليل الوجداني.

 

مسألة( 128 ):- يشترط في ثبوت الخيار للمغبون أن يكون التفاوت موجباً للغبن عرفاً بأن يكون مقداره لا يتسامح به عند غالب الناس فلو كان جزئياً غير معتد به لقلته لم يوجب الخيار، وحدّ بعضهم بالثلث وآخر بالربع وثالث بالخمس، ولا يبعد اختلاف المعاملات في ذلك، فالمعاملة التجارية المبنية على المماكسة الشديدة يكفي في صدق الغبن فيها العشر بل نصف العشر، وأما المعاملات العادية فلا يكفي فيها ذلك والمدار على ما عرف من عدم المسامحة الغالبية.

..........................................................................................................

قبل الدخول في المسألة نلفت النظر إلى أمرين:-

الأمر الأول:- إنَّ ألفاظ المسألة أكثر من المطلب المذكور فيها.

الأمر الثاني:- لا حاجة إلى أن ينقل أنَّ بعضهم حدّه بالثلث وآخر بالربع فإنَّ هذا لابد أن يذكر في الكتب الفقهية الاستدلالية لا أن يذكر في الرسالة العملية، وإنما المناسب أن يذكر الفقيه النتيجة الفقهية فقط.

وعلى أي حال نقل الشيخ الأعظم(قده)[2] عن التذكرة:- أنَّ المدار على عدم تغابن الناس بمثله، ثم نقل نفس العلامة عن بعض العامة أنه قال إنَّ التفاوت بالثلث لا يوجب الخيار، وردَّ عليه العلامة بأنه تخمينٌ لا يشهد له أصلٌ، وردَّ الشيخ الأعظم(قده) عليه بأنَّ التفاوت بالربع يحقق الغبن نعم الاشكال في التفاوت بالخمس.

فإذاً الفقهاء هنا أخذوا يسألون أنَّ الغبن بأيَّ مقدارٍ يتحقق فهل يتحقق بالخمس أو بالثلث أو بالربع أو بماذا وأخذ كلُّ واحدٍ منهم يقول بشيءٍ منها.

ولكن المناسب للفقيه أن يقول:- إما أن يكون المورد مما يُجرم بتحقق الغبن فيه، أو يشك في ذلك، فإن جُزِم بكونه من موارد الغبن فلا إشكال في البين، وإذا شُك فيبحث فيما تقتضيه القواعد في مورد الشك، هكذا ينبغي أن يبحث الفقيه في المسألة، ولا معنى لأن يدخل في الجزئيات لأنها ليست وظيفته فإنَّ الغبن وتحقق الغبن قضية عرفية يرجع فيها إلى العرف كما هو واضح، والمناسب للفقيه أن يبحث بهذا المقدار وهو أنه إن جزم بكون المورد من الغبن حكم به، وإن لم يجزم بذلك فيبحث حينئذٍ فيماذا تقتضيه أو الأصل.

وينبغي الالتفات إلى أننا دخلنا في المسألة بعنوان مورد الشك ولم ندخل فيها كما صنع الأعلام بأنهم قالوا هل يتحقق الغبن بالربع أو الثلث أو غير ذلك، وإنما ندخل فيها بهذه الكيفية، وهي أنَّ ما جُزِم بتحقق الغبن فيه حكمنا به، وأما إذا لم يُجزَم بذلك فنرجع إلى ما تقتضية القواعد.

وقد يقال:- إنه في مورد الشك في تحقق الغبن يكون المورد من الشبهة المصداقية، ومعه لا يُحرَز صدق عنوان الضرر- بناءً على أنَّ مدرك ثبوت خيار الغبن هو حديث لا ضرر - وحينئذٍ لا يجوز التمسك بعموم لا ضرر لاثبات تحقق الغبن، لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية؟


[1] وقد لا يذكر هذا العموم وذلك لوضوح المطلب وإلا فهذا العموم لابد من ضمه.
[2] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج5، ص170.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo