< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/05/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 128 ) هل يشترط في ثبوت خيار الغبن أو يكون التفاوت ما لا يتسامح به أو لا؟ - الخيار الرابع ( خيار الغبن ) – الفصل الرابع ( الخيارات ).

وماذا تقتضي القواعد العامة في المورد الذي يشك بصدق الغبن فيه؟

قد يقال:- إنَّ التمسك بعموم لا ضرر لا يصح فإنَّ المدار هو على الضرر الذي لا يتسامح به، وبالتالي نشك في كون المورد من الضرر الذي لا يتسامح به أو لا يتسامح به فلا تشمله قاعدة لا ضرر، لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، لأننا لا نعلم هل هذا الضرر من الضرر الذي يتسامح به أو لا يتسامح به، وحينئذٍ نرجع إلى عمومات صحة البيع والمعاملة كـ ﴿ أحل الله البيع ﴾ و﴿ أوفوا بالعقود ﴾، وتصير النتيجة هي اللزوم وعدم ثبوت الخيار.

والأحسن من ذلك أن يقال:- إنَّ الضرر له مراتب، وبعض مراتبه خرجت من حديث لا ضرر وهي المراتب الضعيفة من الضرر، أما بعض المراتب الأخرى فهي باقية تحته، ومعه سوف نشك في أنَّ هذا المورد من المراتب التي خرجت من حديث لا ضرر أو لا، وحينئذٍ لا يجوز التمسك بلا ضرر، لأننا لا نعلم بأنَّ هذا المورد من المراتب التي خرجت من حديث لا ضرر أو لا، وفي مثل هذه الحالة يكون المورد من الشك في التخصيص الزائد لعموم ﴿ أوفوا بالعقود ﴾، ﴿ فأوفوا العقود ﴾ خرجت منه بعض مراتب الضرر جزماً، أما هذا المورد فنشك في خروجه من العموم، وحينئذٍ يكون هذا شك في التخصيص الزائد لعموم ﴿ أوفوا بالعقود ﴾، فيتمسك في مثل ذلك بعموم ﴿ أوفوا بالعقود ﴾، وبذلك لا يثبت خيار الغبن.

والفارق بين هذا البيان والبيان السابق:- هو أنه في البيان السابق قلنا إنَّ التخصيص بحديث لا ضرر يقصد منه الضرر الذي يتسامح به، وهذا المورد يشك في أنه من الضرر الذي يتسامح به أو لا فلا يجوز التسمك بعموم لا ضرر، فنتسمك بعموم ﴿ أوفوا بالعقود ﴾، بينما على البيان الثاني يقال إنَّ الضرر له مرابت ولا ندري هل المرتبة الموجودة في هذه المعاملة - وهي التفاوت بخمس الثمن مثلاً - خرجت بحديث لا ضرر أو لم تخرج، وهذا شكٌّ في التخصيص الزائد لعموم ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ فنتمسك آنذاك بعموم ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ لكون المورد من الشك في التخصيص الزائد، ولعل البيان الثاني أوجه من الأول.

والنتيجة على كلا التقديرين واحدة، وهي أنه لا يثبت خيار الغبن إلا إذا جزم بصدق الغبن، أما عند الشك فلا يثبت خيار الغبن لأحد هذين البيانين، بيد أنَّ هذا كلّه يتم فيما لو كان المدرك لخيار الغبن هو حديث لا ضرر.

وأما إذا فرض أنَّ المستند لثبوت خيار الغبن هو فكرة لاشرط الضمني أو فكرة الوضوح، فإنا بنينا على بيانين لثوبت خيار الغين، أحدهما فكرة الشرط الضمني والثانية فكرة الوضوح بالبيان المتقدم، وعلى هذا الأساس نقول في محل كلامنا نحن نشك هنا هل المورد من موارد الشرط الضمني لعدم الغبن وبالتالي لثبوت خيار الغبن أو لا، أو نشك في مسألة الوضوح وأنه هل هناك وضوح في ثبوت خيار الغبن بهذه المرتبة أو لا، وهذا شك في ثبوت في الاشترط الضمني أو في مسألة الوضوح، وبالتالي لا يمكن التمسك بفكرة الاشترط الضمني ولا بفكرة الوضوح للشك في كون المورد منهما، وبالتالي تكون النتيجة هي عدم ثبوت خيار الغبن، فتعود النتييجة واحدة سواء قلنا بأنَّ المدرك لخيار الغبن هو مسألة الضرر أو ما ذكرناه من فكرة الشرط الضمني أو فكرة الوضوح.

ولكن المناسب على مسلكناه من فكرة الشرط الضمني أو فكرة الوضوح أنَّ نقول:- إنَّ جُزِم بكون المورد من الغبن عرفاً ثبت خيار الغبن، وإن شك في ذلك فلا يثبت خيار الغبن، لأنه بناءً على فكرة الشرط الضمني فهنا يشك في ثبوت الشرط الضمني في هذه المرتبة من التفاوت، وأما بناءً على فكرة الوضوح فهي يشك في وضوحها في هذه المرتبة من الغبن، فلا يثبت حينئذٍ.

بقيت أمور جانبية في هذه المسألة:-

الأمر الأول:- ما هو الوجه في اعتبار الجهل بالقيمة الواقعية للمبيع، فإنه قد يقال يعتبر في ثبوت خيار الغبن أن يكون البائع أو المشتري أو كلاهما جاهلين بالقيمة الواقعية، فهل يعتبر الجهل بالقيمة الواقعية السوقية كي يثبت خيار الغبن أو لا ؟

والجواب:- قد يقال نعم يعتبر أن لا يكون هناك علم بالقيمة الواقعية، لأنه مع العلم بالقيمة الواقعية لا يصدق الغرر، فلو فرض أني أعرف القيمة الواقعية لهذا الشيء وهي دينار ولكن مع ذلك أقدمت على المعاملة بعشرة دنانير فهنا لا يصدق أني مغبونٌ، لأني أعرف القيمة الواقعية.

ولكن نقول:- إنَّ هذا وجيه فيما إذا كان مستند خيار الغبن قد أخذ كلمة ( الغبن )، من قبيل حديث ( غبن المسترسل سحت ) فهنا يأتي هذا الكلام وأنَّ الغبن لا يصدق، وأما إذا فرض أنَّ المستند لم يؤخذ فيه ذلك فحينئذٍ لا معنى لأن يقال إنَّ الغبن لا يصدق مع العلم بالقمية الواقعية فإنَّ المدرك لم تؤخذ فيه كلمة الغبن حسب الفرض، بل لابد وأن يقال شيء آخر، كما لو فرض أنَّ المدرك كان هو مسألة الشرط الضمني فإنه في مثل هذه الحالة يقال إنَّ الغبن لا يثبت، لأنه مع علم الطرفين بالقيمة لا يكون هناك اشتراط ضمني على أن لا يزيد الثمن عن القمية الواقعية، وأما إذا كان المدرك هو فكرة الوضوح فإنها لا تشمل مثل هذه الحالة فإنَّ القدر المتيقن منها هو ما إذا كان الشخص جاهلاً بالقيمة الواقعية.

فإذاً ينبغي أن لا يعلَّل بأن الغبن لا يصدق مادام هناك علم بالقيمة الواقعية، بل قل إنَّ فكرة الشرط الضمني وفكرة الوضوح اللتان تمسكنا بهما لاثبات خيار الغبن لا يمكن تطبيقهما في حالة العلم بالقيمة الواقعية كما ذكرنا، فالمناسب أن يعلَّل هكذا ولا يعلَّل بأنه لا يصدق الغبن.

وإذا كان المدرك الآية الكريمة ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض ﴾ ففي مثل هذه الحالة لا يثبت خيار الغبن، لأنه مادام يعلم بالقيمة الواقعية ومع ذلك أقدم على المعاملة فهذا معناه أنه راضٍ، فتكون التجارة عن تراضٍ.

والخلاصة:- إنه في صورة العلم بالقمية الواقعية جزماً لا يمكن ثبوت خيار الغبن، أما كيف يعلل؟ إنه لابد وأن يعلَّل بما يتناسب مع المدرك، فإن كان المدرك قد أخذ فيه كلمة الغبن فيعلَّل بعدم صدق الغبن، وإن كان المدرك هو الشرط الضمني أو الوضوح فيقال هما لا يشملان حالة العلم بالقيمة الواقعية، وإذا كان المدرك هو فكرة التجارة عن تراضٍ فيقال إنه عالم بالقيمة بالواقعية فهنا يصدق بأنَّ التجارة كانت عن تراضٍ فلا يثبت خيار الغبن.

الأمر الثاني:- هل يلزم في ثبوت خيار الغبن أن لا يكون المغبون من أهل الخبرة، فلو كان من أهل الخبرة واشترى ثم قال إني مغبونٌ فلا نقبل منه دعوى الغبن وأنَّ له الخيار ويقال له إنما دعوى الغبن تكون من الانسان العادي غير المطلع على الأسعار السوقية؟

والجواب:- ذهب الشيخ الطوسي(قده) والمحقق الحلي(قده) في الشرائع إلى أنه يشترط في ثبوت خيار الغبن أن لا يكون المغبون من أهل الخبرة، قال الشيخ الطوسي(قده):- ( وإذا اشترى شيئاً فبان له الغبن فيه فإن كان من أهل الخبرة لم يكن له ردّه )[1] ، وقال المحقق الحلي(قده):- ( الرابع:- خيار الغبن:- من اشترى شيئاً ولم يكن من أهل الخبرة وظهر فيه غبن لم تجر العادة بالتغابن به كان له فسخ العقد إذا شاء )[2] .

والمناسب التفصيل:- إن كان الطرف من أهل الخبرة بشكلٍ واضح وجلي كما إذا كان من الباعة المعروفين في السوق وله سنوات في العمل بهذا العمل فهنا لا تقبل منه دعوى الغبن ولا يثبت له الخيار، وإن كان قد عمل في السوق منذ فترةٍ قريبة ولم تكن له خبرة قوية كخبرة الأول فهنا يمكن أن يقال بقبول دعوى الغبن في حقه رغم أنَّ الاثنين هما من أهل السوق وأهل الخبرة ولكن الأول هو من أهل الخبرة القوية وأما الثاني فليس بتلك المرتبة من الخبرة، فإذاً لابد من التمييز بين مرتبة الخبرة في هذا المجال.


[1] كتاب المبسوط، الطوسي، ج2، 87.
[2] شرائع الاسلام، المحقق الحلي، ج2، ص277.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo