< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/05/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تتمة مسألة ( 128 )، مسألة ( 129 ) هل يثبت خيار الغبن من حين العقد أو من حين ظهور الغبن؟ - الخيار الرابع ( خيار الغبن ) – الفصل الرابع ( الخيارات ).

الأمر الثالث:- هل يلزم في ثبوت خير الغبن مضافاً إلى عدم معرفة المغبون بالقيمة السوقية عدم إمكان تعرّفه عليها؟

وبكلمة أخرى:- تارةً لا يتمكن المغبون من التعرف على القيمة السوقية للمبيع لأنه بعيد عن أجواء الذهاب إلى السوق والتعرف على القيمة مثلاً، وتارةً يمكنه لتعرف عليها، فهل يكفي في ثبوت خيار الغبن مجرّد جهله حتى لو أمكنه التعرف على القيمة السوقية أو لابد إضافةً إلى جهل أن لا يمكنه التعرف على القيمة السوقية؟

المناسب عدم اعتبار ذلك:- إذ مدرك خيار الغبن على ما ذكرنا هو أحد أمرين الأول الشرط الضمني، وهو ثابت لمن كان جاهلاً بالقيمة السوقية حتى لو أمكنه التعرّف عليها، يعني هناك شرط ضمني بأنه لابد وأن لا توجد زيادة فاحشة في الثمن على القيمة السوقية، نعم ربما يكون مقصّراً لو لم يذهب للتعرّف على القيمة السوقية ولكن أحياناً لا يذهب للتعرف عليها لأنه لا يناسبه ذلك أو لأسبابٍ أخرى، فإذاً حتى لو أمكن الفحص عن القيمة السوقية فالشرط الضمني موجود فمن المناسب ثبوت الخيار في حقه، نعم على المستند الثاني الذي هو فكرة الوضوح المتلقّى يداً بيد فهذه الفكرة ربما يشكك في ثبوتها وأنَّ هذا الوضوح في ثبوت خيار الغبن للمغبون هل هو موجود حتى في حالة إمكان تعرّف المغبون على القيمة السوقية أو لا؟، بيد أنَّ التشكيك فيه لا يضرنا شيئاً بعد وجود المدرك الأوّل - أعني الشرط الضمني -، فإذاً المناسب هو عدم الفرق من هذه الناحية.

بيد أنَّ لصاحب الجواهر(قده) عبارة توحي بالتوقف والاشكال حيث قال:- ( إنه محل إشكال إن لم يكن إجماعاً حيث إنه هو أدخل الضرر على نفسه فلا خيار )[1] ، فهو تمسك بنكتة أنه مادام يمكنه التعرّف على القيمة السوقية ولكن رغم ذلك أقدم على المعاملة فهو بذلك قد أدخل الضرر على نفسه فلا خيار له.

والجواب على ما ذكره واضح:- فإنَّ إدخال الضرر على نفسه إنما يصدق فيما لو كان يعرف القيمة السوقية بالفعل وأنَّ الحاجة تسوى في السوق ديناراً ولكنه اشتراها بعشرة دنانير، أما إذا لم يعرفها غايته أنه يمكنه أن يعرفها لو ذهب إلى السوق فصدق أنه هو الذي أدخل الضرر على نفسه أوّل الكلام، فإدخال الضرر على النفس إنما يصدق فيما إذا كان يعرف بالقيمة السوقية بالفعل وإلا فمجرَّد الامكان لا يكفي لصدق أنه أدخل الضرر على نفسه، وهذا ينبغي أن يكون من الواضحات، ومن الغريب عدم تعرضه لذلك، ولو كان لم يقبل بما أشرنا إليه فمن المناسب أن يذكره ثم يردّه.

 

مسألة ( 129 ):- الظاهر كون الخيار المذكور ثابتاً من حين العقد لا من حين ظهور الغبن فلو فسخ قبل ظهور الغبن صح فسخه معثبوت الغبن واقعاً.

..........................................................................................................

ولتوضيح الحال في هذه المسألة نبيّن أموراً أربعة:-

الأمر الأول:- مضمون المسألة.

الأمر الثاني:- كيف نتصوَّر الفسخ قبل ظهور الغبن؟

الأمر الثالث:- ما هو المدرك في تحقق الفسخ قبل ظهور الغبن؟

الأمر الرابع:- بعض كلمات الأعلام التي ترتبط بالمسألة؟

أما الأمر الأول:- فلكي يتضح المقصود من هذه المسألة نذكر شيئين، أحدهما سبب الخيار، والآخر ظهور الغبن، وربما يكون سبب الخيار ثابتاً قبل ظهور الغبن كما هي الحالة المتعارفة، فأنا اشتري شيئاً والغبن ثابتٌ ولكنه لم يتضح لي إذ لا اطلاع لي على القيمة السوقية ثم بعد يومٍ حصل لي الاطلاع فهنا يكون سبب الغبن متقدّماً على ظهور الغبن، والسؤال:- إذا فرض أنه فسخ اتفاقاً قبل أن يظهر الغبن ففي مثل هذه الحالة هل يثبت له الخيار رغم أنَّ الغبن لم يظهر له بَعدُ أو لا يثبت به الخيار؟، وهذه حالة ربما تكون أقرب إلى الفرض منها إلى الواقع، فإنه عادةً الشخص يفسخ بعد ظهور الغبن لا قبل أما أنه يفسخ قبل ظهوره فهي حالة إما غير متحققة أو أنها نادرة، ولذلك من المناسب حذف هذه المسألة من الرسالة العملية وذكرها في الكتب العلمية فقط، فالرسالة العملية لا ينبغي أن تذكر فيها المسائل العلمية التي لا ترتبط بمقام العمل عادةً.

أما الأمر الثاني:- فيمكن تصوّر الفسخ قبل العلم بالغبن فيما إذا فرض أنه فسخ من جهةٍ أخرى لا من جهة خيار الغبن، بأن فسخ من جهة خيار العيب ثم تبيّن أن المبيع ليس معيباً، ولكن انشكف أنه كان مغبوناً واقعاً في ثمنه ففي مثل هذه الحالة إذا قلنا يكفي تقدّم السبب وإن لم يظهر الغبن بَعدُ فسوف يكون فسخه المتقدّم صحيحاً غايته لا من جهة خيار العيب وإنما يكون صحيحاً وواقعاً في موقعه المناسب من جهة خيار الغبن، فالثمرة تظهر في مثل هذه الحالة، أو فرض أنه فسخ لسببٍ وآخر أو أنه فسخ من دون سببٍ ثم تبين أنه مغبون فسوف يكون فسخه واقعاً في موقعه المناسب رغم أنه يعتقد أنه ليس له حق الخيار ولكن مع ذلك يقع فسخه صحيحاً مادام قد أصاب الواقع.

وأما الأمر الثالث:- فالمدرك لصحة فسخه رغم عدم علمه بكونه مغبوناً هو ما تمسكنا به لاثبات خيار الغبن، وهو فكرة الشرط الضمني الثابت في المقام، فإنَّ المشتري اشترى بشرط أن لا يكون مغبوناً وإذا كان مغبوناً فله حق الخيار، فمادام الشرط الضمني ثابتاً فالفسخ يقع في محلّه بعد ثبوت الخيار له بسبب فكرة الشرط الضمني.

إن قلت:- كيف نثبت أنَّ الخيار ثابت له من حين العقد قبل ظهور الغبن؟

قلت:- إنَّ فكرة الشرط الضمني هي تقتضي ذلك، فهي تقتضي أني لو كنت مغبوناً فلي الخيار من حين العقد لا من حين ظهور الغبن.

وأما الأمر الرابع:- فننقل كلاماً لصاحب الجواهر(قده)، وكلاماً للشيخ الأعظم(قده)، أما صاحب الجواهر فقال:- ( والظاهر ثبوت خيار الغبن من أول العقد لا حين ظهوره فلو أسقطه حاله سقط وإن لم يكن عالماً به )[2] ، فهو استظهر ثبوت الخيار له قبل أن يظهر الغبن من بداية الغبن.

ولكن الذي يسجَّل عليه:- هو أنه بيّن دعوى من دون أن يدعهما بدليل، فلابد وأن يبيّن الوجه في ذلك.


[1] جواهر الكلام، الجواهري النجفي، ج23، ص43.
[2] جواهر الكلام، الجواهري النجفي، ج23، ص43.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo