< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/05/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 130 ) هل يحق للمغبون مطالبة البائع بمقدار التفاوت وهل يحق للبائع إلزام المشتري بأخذه؟- الخيار الرابع ( خيار الغبن ) – الفصل الرابع ( الخيارات ).

مسألة ( 130 ):- ليس للمغبون مطالبة الغابن بالتفاوت وترك الفسخ. ولو بذل له الغبن التفاوت لم يجب عليه القبول بل يتخير بين فسخ البيع نم أصله وإمضائه بتمام الثمن المسمى.نعم لو تصالحا على إسقاط الخيار بمالٍ صحَّ الصلح وسقط الخيار ووجب على الغابن دفع عوض المصالحة.

..........................................................................................................

تشتمل المسألة على ثلاثة أحكام:-

الحكم الأول:- إذا كان المشتري مغبوناً في المعاملة فمن حقه فسخها وأما إلزام البائع بدفع مقدار التفاوت فلا.

الحكم الثاني:- ليس من حق البائع إلزام المشتري المغبون بقبول مقدار التفاوت بل يبقى الحق للمشتري في الفسخ.

والفرق بين الحكم الأول والحكم الثاني، هو أنَّ الحكم الأول ناظر إلى المشتري، فليس للمشتري الحق في إلزام البائع بدفع مقدار التفاوت، وأما الحكم الثاني فهو ناظر إلى البائع وأنَّ البائع ليس من حقه إلزام المشتري بقبول مقدار التفاوت، وتوجدنقطة مشتركة بين كلا الحكمين وهي أنَّ من حق المشتري الفسخ.

الحكم الثالث:- لو تصالحا على دفع مقدار التفاوت فلا مشكلة آنذاك ويكتفى بدفع مقدار التفاوت ماداما قد تصالحا عليه.

والمهم من هذه الأحكام هو الأول.

أما الحكم الأول:- فهو المعروف بين الأصحاب، وخالف في ذلك الشيخ النراقي(قده)[1] في مستنده فإنه يظهر منه أنَّ من حق المشتري المطالبة بقدار التفاوت، قال:- ( نعم يحصل الاشكال كما في القواعد والتذكرة فيما إذا بذل الغابن التفاوت ولذا قيل بعدم الخيار اقتصاراً فيما خالف الأصل الدال على لزوم العقد على المتيقن المجمع عليه ... واحتمله بعض المتأخرين وهو الأقوى )[2] .

وقد يوجه بأنه ليس للمشتري إلزام البائع ببذل مقدار التفاوت:- بأنَّ السبب هو أنه بهذا يندفع بهذا ضرر المشتري، فبإلزام المشتري البائع بدفع مقدار التفاوت سوف يدفع ضرر المشتري.

ولكن يمكن أن يعلَّق يقال:- إنَّ مجرَّد اندفاع ضرر المشتري بذلك لا يمكن الاستناد إليه، وذلك لأنَّ المستند آنذاك يكون هو قاعدة لا ضرر، يعني مادام يندفع ضرر المشتري فنقول من حقه ذلك لقاعدة لا ضرر، ولكن لا يمكن الاستناد في هذا الحكم إلى قاعدة لا ضرر لأمور:

الأول:- فلأنه مبني على كون المستند لخيار الغبن هو قاعدة لا ضرر، وقد ناقشنا في ذلك سابقاً وقلنا إنَّ المسنتد شيء آخر.

الثاني:- إنَّ حديث لا ضرر حديث رفع لا حديث تدراك، فهو يرفع الضرر لا أنه يريد تداركه، ومن المعلوم أنَّ دفع مقدار التفاوت يتدراك به الضرر الحاصل بالمعاملة والمفروض أن حديث لا ضرر هو حديث رفعٍ لا حديث تدارك.

الثالث:- إنّ دفع الضرر لا ينحصر ببذل مقدار التفاوت، بل يمكن أن يندفع بالفسخ، فإذاً هناك طريقٌ آخر لدفع الضرر، ومعه كيف يقال إنه يلزم الضرر من عدم ثبوت الحق للمشتري في مطالبة البائع بمقدار التفاوت؟!! بل له طريقٌ آخر هو الفسخ.

فإذاً التمسك بقاعدة لا ضرر لا يصلح أن يكون مستنداً لعدم جواز مطالبة المشتري البائعَ بمقدار التفاوت.

هذا ويمكن أن يقال:- إنَّ ما ذكر مبني على غضَّ النظر عما أشرنا إليه من المستند لثبوت خيار الغبن، ونحن قد ذكرنا فيما سبق أنه يمكن التمسك بفكرة الشرط الضمني[3] فيقال:- إنه ربما في بعض الأعراف والمجتمعات يفترض أنَّ الشرط الضمني هو كلا الأمرين - يعني فسخ البيع أو بذل مقدار التفاوت - ، ولا نريد أن نقول هذا طريق حتمي في جميع المجتمعات وإنما هو موجودٌ في المجتمعات التي عندها هذا الشرط الضمني، فنقول هناك شرط ضمني بأني اشتري الحاجة بهذا المقدار من الثمن بشرط أن لا يكون غبن في البين ولو كان الغبن حاصلاً فلي فسخ المعاملة رأساً أو أخذ مقدار التفاوت فإنَّ انعقاد الاشتراط الضمني على ذلك شيءٌ وجيه، وعليه ينبغي للفقيه أن يتقيَّد من هذه الناحية فيقول:- إذا فرض وجود هكذا شرط ضمني في المجتمع الذي يعيش فيه المتعاقدان ولا يبعد أنَّ هذا الاشتراط بهذا السعة بين الطرفين موجود عندنا، فأنا حينما أشتري حاجة من شخصٍ بثمنٍ معينٍ فأنا اشتريها بشرط أن لا أكون مغبوناً وإلا فلي الفسخ أو أخذ ما به التفاوت، وهذا شرط ضمني لا نصرّح به، فإن فرضنا وجود هذا الاشتراط الضمني فآنذاك يكون من حق المشتري المطالبة بمقدار التفاوت طبقاً لفكرة الشرط الضمني، نعم لو فرض أنَّ فكرة الشرط الضمني ليست ثابتة بلحاظ ردّ ما به مقدار التفاوت فآنذاك يكون المشتري ملزماً بالفسخ لا أكثر، وكان من المناسب للسيد الماتن التبيه على ذلك، فإنَّ انعقاد الشرط الضمني على ردّ ما به مقدار التفاوت شيء محتمل بدرجةٍ وجيهة.

وبالتالي ينبغي أن تصاغ المسألة بهذا الشكل فيقال:- ( ليس للمغبون ترك الفسخ والمطالب بمقدار ما به التفاوت إلا إذا فرض أنَّ المرتكز في عرف المتبايعين[4] ثبوت حق استرداد ما به التفاوت أو فسخ أصل المعاملة ).

ومن الواضح أنَّ ما ذكرناه مبنيٌّ على فكرة استناد خيار الغبن إلى فكرة الشرط الضمني كما هو ليس ببيعد، والمناسب أن يُفصَّل المطلب كما ذكرنا.


[1] إما في هذا المورد و في المورد الثاني.
[2] مستند الشيعة، النراقي، ج14، ص391.
[3] كما ذكرنا مستنداً آخر وهو فكرة الوضوح أيضاً، ولكن المهم لنا والذي ينفعنا الآن هو فكرة الشرط الضمني.
[4] والمهم هو عرف المتبايعين، لأنَّ الاشتراط الضمني قائم بينهما فلابد من ملاحظة عرفهما بغضّ النظر عن الأعراف الأخرى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo