< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/06/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - المسقط الأول - مسقطات الخيار – الفصل الرابع ( الخيارات ).

الحكم الرابع:- قال السيد الماتن:- ( وكذا الحال لو صالحة عليه بمال ).

..........................................................................................................

وأولاً نوضح المقصود من هذه العبارة ثم نوضح المدرك للحكم وما يرتنبط به:-

أما في توضيح العبارة فنقول:- إنه بعد أن يتضح وجود غبن ولكن مقداره ليس محدداً فمرة يفترض أنَّ المغبون يسقط خيار الغبن من دون الاستعانة بكلمة ( صلح ) فهذا إسقاطٌ لا على نحو الصلح وبصيغته، فيأتي هنا ما تقدم من أنه إذا كان يتصور أنَّ مقدار الغبن ليس بتلك الدرجة العالية من الغبن فيسقط مطلقاً حتى لو تبيّن أنَّ التفاوت أفحش، وإن كان بنحو القيدية فلا يسقط إذا تبيَّن أنَّ التفاوت أفحش، وأخرى يكون الاسقاط مع الاستعانة بكلمة ( صالحتك ) وما شابهها مما يدل على الصلح من الألفاظ بأن يقول المشتري للبائع ( صالحتك على إسقاط خيار الغبن على أن تعطيني كذا مقدار من المال - أو يصالحه من دون مال - )، ولكن بعد المصالحة تبيَّن أن الغبن أفحش مما كان يتصوره المغبون فهنا الحكم هو الحكم، أي إن كان المورد من قبيل الداعي فالمناسب السقوط حتى لو اتضح أنَّ الغبن أفحش، وإن كان المورد بنحو القيدية فلا يسقط، هذا ما يقصده السيد المانتن بقوله ( وكذا الحال لو صالحه عليه بمال ) فإنه سوف يأتي هذا التفصيل، فالسيد الماتن يقول إنَّ التفصيل الذي ذكرته في حالة عدم الاستعانة بكلمة ( صالحتك ) يأتي بنفسه في حالة الاستعانة بمعاملة الصلح.

بيد أنه قد يقال:- إذا استعين بمعاملة الصلح فلا يمكن التراجع آنذاك عن الصلح، وذلك لدليلين:-

الدليل الأول:- إنَّ الصلح قد شرّع في الاسلام لازالة النزاع والخصومة، فلا معنى آنذاك للتراجع عن الصلح، إذ ذلك يعني الرجوع إلى النزاع والخصومة التي أراد الشتريع إزالتها من خلال الصلح.

والجواب:-

أولاً :- إنه لا مثبت لانحصار تشريع الصلح بمورد الخصومة بحيث تكون الخصومة قيداً في تشريعه وجاء الصلح لازالتها، بل يمكن أن نقول إنَّ الصلح يمكن الاستعانة به حتى إذا لم تكن في البين خصومة بين الطرفين بل كان بينهما تمام الأُلفة والمحبَّة، كما لو فرض أنَّ أحد الطرفين له في ذمة الآخر شيئاً ولكنه لا يعلم بمقداره كما لا يوجد نزاع بينهما ولكن صاحب الحق يقول للطرف الآخر أنت حرٌّ في أن تدفع لي شيئاً أو لا تدفع شيئاً ولكن مع ذلك يجوز للطرف المدين أن يقول له صالحتك على كذا مقدار من المال والآخر يقبل بذلك، وهذا صلح رغم أنه لا يوجد نزاع في البين، بل نقول أكثر من ذلك، وهو أنه لو أراد شخص أن يبيع شيئاً لشخصٍ فيمكنه بدل البيع أن يستعين بالصلح فيقول له صالحتك على أن يكون هذا الكتاب لك في مقابل الدينار، فهنا استعين بالصلح بدل البيع، ولا مانع من صحة الصلح في مثل ذلك.

إن قلت:- ما هو الدليل على دعوى صحة الصلح حتى في مورد البيع؟

قلت:- يكفينا اطلاق دليل شرعية الصلح، وهو قوله تعالى ﴿ والصلح خير ﴾[1] ، وهذه قاعدة كلّية، وعليه فيجوز الاستعانة بالصلح في جميع الموارد وإن لم يكن في البين نزاع.

ثانياً:- إنه حتى لو سلّمنا بأنَّ الصلح قد شُرّع لازالة الخصومة فلا معنى للعودة عن الصلح والرجوع إلى الخصومة، ولكن نقول:- إنَّ هذا وجيه فيما إذا لم ينكشف أنَّ عملية المصالحة كانت مبنية على الغبن، والقدر المتيقن هو حالة ما إذا فرض أنَّ الصلح لم يكن مبنياً على الغبن، والمفروض في مقامنا جود غبنٍ في البين فهما تصالحاً باعتقاد أنَّ التفاوت فاحش ثم تبيَّن أنه أفحش.

الدليل الثاني:- أن يقال لا دليل على شرعية خيار الغبن في معاملة الصلح، وإنما القدر المتيقن ثبوته في معاملة البيع، والمفروض أنَّ موردنا هو الصلح حيث تصالح الطرفين على خيار الغبن، ففي مثل هذه الحالة لا دليل على ثوبت خيار الغبن في معاملة المصالحة وإنما الدليل دل على ثبوته في معاملة البيع، فهذا المغبون وإن اتضح بعد الصلح أنه مغبون بدرجةٍ أفحش ولكن يقال له إنَّ خيار الغبن قد ثبتت شرعيته في معاملة البيع ولم تثبت في معاملة الصلح، فلا يجري في الصلح.

ويردّه:- إنَّ هذا يتم فيما إذا فرض أنَّ دليل خيار الغبن كان هو الاجماع فإنَّ القدر المتيقن من الاجماع هو ثبوت خيار الغبن في البيع أما غيره - مثل الصلح - فلا مثبت لخيار الغبن فيه، أما إذا كان المستند لخيار الغبن هو فكرة الشرط الضمني فمن الواضح أن نقول إنَّ الشرط الضمني كما هو ثابت في مورد البيع ثابت أيضاً في مورد الصلح، فأنا المغبون صالحتك بنحو القيدية أي بشرط أن يكون التفاوت فاحشاً لا أن يكون أفحش وإذا تبين أنه أفحش فالشرط الضمني على ثبوت خيار الغبن موجود والعاقل يقدم على هذا، فبناءً على كون مستند خيار الغبن هو الشرط الضمني فنقول إنَّ الشرط الضمني هو ثابت في الصلح أيضاً إذا اتضح أنَّ مقدار الغبن أفحش وليس فاحشاً، فيثبت خيار الغبن، وهكذا لو قلنا بأنَّ المستند لخيار الغبن هو مثل لا ضرر فإنَّ الضرر هنا موجود، لأنه إذا تبيَّن أنَّ الغبن أفحش ولم يثبت له الخيار فإلزامهه بمعاملة الصلح مع اعتقاده بأنَّ التفاوت فاحش وليس أفحشاً فهذا ضرر فحديث لا ضرر يرفع اللزوم، وهكذا إذا كان المدرك هو الروايات مثل ( غبن المسترسل سحت ) إذا استفدنا ذلك منه، فهذا أيضاً نحوٌ من الغبن، وهو ليس مقيد بعقد البيع بل يشمل مثل الصلح أيضاً.

فإذاً المناسب ما أفاده السيد الماتن، وهو أنهما لوتصالحا ثم اتضح أنَّ الغبن كان بمقدار أكبر مما تصالحا فحينئذٍ إذا كان المورد مورد الداعي فيسقط الخيار حينئذٍ، وإذا كان المورد مورد القيدية فحينئذٍ يجوز له أن يفسخ لبطلان هذين الوجهين الذين قد يستدل بهما على عدم ثبوت خيار الغبن في الصلح.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo