< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/06/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 131 ) - المسقط الثالث من مسقطات خيار الغبن – الفصل الرابع ( الخيارات ).

الفرع الثالث:- وهو ما إذا فسخ البائع وكان المبيع موجوداً ولكنه صار معيباً بعد البيع إما بفعل المشتري أو من دون فعله فالمناسب ثبوت حق الخيار للبائع المغبون فيفسخ يأخذ الأرش كسائر البيوع.

فكما في سائر البيوع الغبنية إذا كان الثمن أو المبيع معيباً وفسخ المغبون استرجع العين مع الأرش وهنا أيضاً كذلك، فالبائع يسترجع المبيع مع الأرش، وهذا المقدار لا كلام فيه، وإنما الكلام في أنَّ الأرش كيف يلحظ، فهل يلحظ بالقياس إلى الثمن أو يلحظ بالقياس إلى القيمة السوقية الواقعية لأنهما قد يختلفان؟ فإذا فرض أنه كان بالقياس إلى الثمن فيلحظ في هذه المعاملة الثمن الذي جعل للصحيح، فالأرش يكون بالقياس إلى هذا الثمن الذي جعل في المعاملة ثمناً للمبيع الصحيح، والمفروض أنَّ الثمن أقل من القيمة الواقعية - لأن البائع كان مغبوناً - فيكون مقدار الأرش قليلاً، فمثلاً الفارق بين الصحيح والمعيب كانب مقدار الثلث فحينئذٍ يسترجع البائع ثلث الثمن، وبما أنَّ الثمن كان قليلاً فالأرش سوف يصير قليلاً، وأما إذا لاحظناه بالقياس إلى القيمة الواقعية فمن الواضح أنَّ القيمة الواقعية للمبيع أعلى من الثمن المسمّى، وعليه فسوف يزداد مقدار الأرش، فعلى أيّ الفرضين يكون أخذ الأرش؟

وفي الجواب أن يقال:- المناسب أن يكون الأرش بلحاظ القيمة الواقعية لا بالقياس على الثمن المسمى، والوجه في ذلك:- هو أنه إذا كان العيب موجوداً حين البيع وجُعِل الثمن مقابل هذا المبيع المعيب فهنا من المناسب أن يكون المدار في الأرش على ملاحظة نسبة القيميتن بين المعيب والصحيح بالقياس إلى الثمن فيؤخذ، فإذا كان الفارق ثلثاً فيؤخذ ثلثاً بالقياس إلى الثمن، وأما إذا فرض أنَّ العيب حدث بعد تمامية البيع بيوم أو يومين ثم اتضح الغبن وأراد البائع المغبون الفسخ ففي مثل هذه الحالة لا وجه لأن يؤخذ الثلث أو الربع - الذي هو مقدار الأرش - بالقياس إلى الثمن، لأنَّ هذا عيبٌ قد حدث في ملك المشتري، فحينما يسترجع البائع المبيع فلابد من ردّ قيمة العيب الواقعية لا بالقياس إلى الثمن.

فإذاً الميزان الكلّي هو أنه متى ما كان العيب موجوداً حين العقد فالنسبة تؤخذ بالقياس إلى الثمن، أما إذا فرض أنه حدث بعد ذلك وأراد المغبون استرجاع المبيع ورآه معيباً فبما أنَّ العيب لم يكن موجوداً حين العقد وإنما حدث عند المشتري فمن المناسب ملاحظة القمية الواقعية وأخذ الأرش بالقياس إلى القيمة الواقعية.

يوجد رأي للشهيد الثاني(قده) في المسالك حيث قال:- إذا تعيّب المبيع بعد البيع فلا ضمان على المشتري للبائع، بل الأمر كذلك حتى لو تلف المبيع، فلو فسخ البائع في مثل هذه الحالة لا يستحق شيئاً باعتبار أنَّ العيب قد حصل قبل الفسخ، يعني أنه حصل في ملك المشتري، وهل يضمن المشتري لنفسه؟!! فإذاً لا معنى للضمان في مثل هذه الحالة، قال:- ( وإن وجد العين ناقصةً فإن لم يكن النقص بفعل المشتري أخذها إن شاء ولا شيء له، وإن كان بفعله فالظاهر أنه كذلك لأنه تصرف في ملكه تصرفاً مأذوناً فيه فلا يتعقبه ضمان )[1] ، وكلامه في فرض حدوث العيب، وأما تلف المبيع فهو ساكت عنه، ولكن بمقتضى ما ذكره من التعليل والنكات التي ذكرها بلحاظ حدوث العيب فنفس الشيء يعمَّم إلى حالة التلف ولذلك نسبنا إليه أنَّه في حالة التلف يكون الأمر كذلك، هكذا يلزم أن يقال لعدم الفرق من هذه الناحية.

وفي مقام التعليق نقول:- هناك ارتكاز عقلائي ومتشرعي على أنَّ المغبون إذا فسخ فلابد وأن يستردَّ العين سالمة لا معيبة، يعني يصير الضمان على المشتري الغابن، فصحيحٌ أنَّ العيب قد حدث في ملك المشتري ولكن إذا لم يفسخ البائع المغبون فصحيح أنه لا ضمان على المشتري وهل يصمن المالك لنفسه؟!! أما بعد أن فسخ وأريد ارجاع العين فحينئذٍ لابد من ارجاعها كما أخذها المشتري قبل الفسخ ولو كانت معيبة فلابد أن يضمَّ إليها أرش العيب، وهذا ارتكاز متشرعي وعقلائي ثابت في المقام ومعه يلزم المشتري دفع أرش العيب، وإذا كانت العين تالفة يلزم أن يدفع قيمتها إن كانت قميمية ومثلها إن كانت مثلية.

وما المدرك لهذا الارتكاز المتشرعي والعقلائي؟، فإنَّ هذا شيء جديد لم نسمع به من قبل، وعليه فسوف تصير الأدلة على الحكم الشرعي ليست أربعة وإنما يضاف إليها ديليلان الارتكاز المتشرعي والارتكاز العقلائي فتصير ستة، ولكن هذا ليس بمهم فأنه لا يوجد دليل على انحصار الأدلة بالأربعة، ولكن المهم هو أنه ما الدليل على حجية هذا الارتكاز بعد التسليم بوجوده؟

وفي الجواب نقول:- إنَّ منشاً حجية هذا الارتكاز هو أنه إن كان هذا الارتكاز متشرعياً فلابد وأن المتشرعة أخذوه من الطبقة المتقدمة عليهم من المتشرعة، وإلا فلا يحتمل أنه حدث عند المتأخرين فقط من دون أن يأخذوه من المتقدمين عليهم، لأنَّ هذا يلزم منه حدوث المعلول من دون علَّة، وعليه فلابد وأن يكون مأخوذاً من ارتكاز المشترعة الذين كانوا قبلهم وهكذا إلى أن نصل إلى مشترعة عصر المعصوم عيله السلام كزرارة ومحمد بن مسلم وغيرهما، وهم قد أخذوا هذا الارتكاز من الامام عليه السلام ضمن أجواءٍ واضحة لا أنه وصل إليهم شيء متلفَّظ به أو مكتوب وإلا لنقل إلينا، وإنما تلقّوا أجواءً واضحةً يداً بيد من المعصوم عليه السلام، كما توجد عندنا أجواء واضحة الآن أن من يدخل الحوزة العلمية أن يلبس زياً معيناً فهنا لا يوجد دليل لفظي على هذا وإنما توجد أجواء واضحة تلقيناها بهذا الشكل، وهنا الأمر كذلك.

وأما إذا كان ارتكازاً عقلائياً فمثل هذا الارتكاز العقلائي الذي هو ثبات في ذهن كل عاقل يعيش مع العقلاء فلو لم يكن مرضياً شرعاً لكان على المعصوم عليه السلام الردع عنه، لأنه يشكل خطراً على الشريعة، فسكوته وعدم ردعه يدل على إمضائه، وبذلك تثبت حجيته.

وبهذا يثبت حجية كل ارتكاز متشرعي وحجية كل ارتكاز عقلائي بهذين البيانين.


[1] مسالك الافهام، الشهيد الثاني، ج3، ص205.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo