< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/06/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 132 ) حكم ما إذا فسخ البائع المغبون وكان المشتري قد تصرف بالمبيع تصرفاً مغيراً له - المسقط الثالث من مسقطات خيار الغبن – الفصل الرابع ( الخيارات ).

مسألة ( 132 ):- إذا فسخ البائع المغبون وكان المشتري قد تصرف في المبيع تصرفا مغيرا له فإما أن يكون بالنقيصة أو بالزيادة أو بالامتزاج بغيره فإن كان بالنقيصة أخذ البائع من المشتري المبيع مع أرش النقيصة وإن كان بالزيادة فإما أن تكون الزيادة صفة محضة كطحن الحنطة وصياغة الفضة وقصارة الثوب، وإما أن تكون صفة مشوبة بالعين كصبغ الثوب، وإما أن تكون عينا غير قابلة للفصل كسمن الحيوان ونمو الشجرة أو قابلة للفصل كالثمرة والبناء والغرس والزر فإن كانت صفة محضة أو صفة مشوبة بالعين، فإن لم تكن لها مالية لعدم زيادة قيمة العين بها فالمبيع للبائع ولا شي‌ء للمشتري، وكذا إن كانت لها مالية ولم تكن بفعل المشتري كما إذا اشترى منه عصى عوجاء فاعتدلت أو خلا قليل الحموضة فزادت حموضته، وإن كانت لها مالية وكانت بفعل المشتري، فلكون الصفة للمشتري وشركته مع الفاسخ بالقيمة وجه، لكنه ضعيف والأظهر أنه لا شي‌ء للمشتري، وإن كانت الزيادة عينا فإن كانت غير قابلة للانفصال كسمن الحيوان ونمو الشجرة فلا شي‌ء للمشتري أيضا، وإن كانت‌ قابلة للانفصال كالصوف واللبن والشعر والثمر والبناء والزرع كانت الزيادة للمشتري، وحينئذ فإن لم يلزم من فصل الزيادة ضرر على المشتري حال الفسخ كان للبائع إلزام المشتري بفصلها كاللبن والثمر، بل له ذلك وإن لزم الضرر على المشتري من فصلها، وإذا أراد المشتري فصلها فليس للبائع منعه عنه وإذا أراد المشتري فصل الزيادة بقلع الشجرة أو الزرع أو هدم البناء فحدث من ذلك نقص على الأرض تداركه، فعليه طم الحفر وتسوية الأرض ونحو ذلك، وإن كان بالامتزاج بغير الجنس فحكمه حكم التالف يضمنه المشتري ببدله من المثل أو القيمة سواء عد المبيع مستهلكا عرفا كامتزاج ماء الورد المبيع بالماء،أم لم يعد مستهلكا بل عد موجودا على نحو المزج مثل خلط الخل بالعسل أو السكر فإن الفاسخ بفسخه يملك الخل مثلا. والمفروض أنه لا وجود له و إنما الموجود طبيعة ثالثة حصلت من المزج فلا مناص من الضمان بالمثل أو القيمة بل الحال كذلك في الخلط بجنسه كخلط السمن بالسمن سواء كان الخلط بمثله أو كان بالأجود والأردأ فإن اللازم بعد الفسخ ردّ شخص المبيع، فإن لم يمكن من جهة المزج وجب ردّ بدله من المثل أو القيمة.

..........................................................................................................

تشترك هذه المسألة مع المسألة السابقة في شيء، وتختلف عنها في شيءٍ آخر، فهما تشتركان في أنهما فرضا كون البائع مغبوناً والمتشري هو الغابن، وأما مورد الاختلاف فهو أنَّ المسألة السابقة كانت تذكر شقوقاً أخرى لا ربط لها بالشقوق التي تشير إليها هذه المسألة، فالمسألة السابقة كانت تقول بعد أن جرى البيع وكان البائع مغيوناً فإذا فسخ البائع فإما أن يكون العوضان موجودين فيرجع كل عوضٍ إلى صاحبه، أو يفترض أنَّ المبيع تالف فينتقل إلى البدل من المثل أو القيمة، أو يفترض أنه معيب فيأخذ البائع أرش العيب... وهكذا، فالمسألة كانت تدور حول مثل ذلك، بينما هذه المسألة تتحدث عن شيءٍ آخر وتقول إذا اتضح أنَّ البائع مغبون وفسخ المعاملة فإما أن يفترض أنه حصل تغير في المبيع بالنقيصة، أو يفترض أنه حصل تغير بالزيادة، أو يفترض أنَّ المبيع امتزج بغيره، وهذه شقوق أخرى لا ربط لها بالشقوق المذكورة في المسألة السابقة، إذاً الفارق بين المسألتين من حيث التشقيقات مختلف وإن كانتا تشتركان في فرض كون المغبون هو البائع والغابن هو المشتري.

وقد أشار الشيخ الأعظم(قده) إلى هذه المسألة في مكاسبه حيث قال:- ( ولو تصرف الغابن تصرفاً مغيراً للعين فإما أن يكون بالنقيصة أوب الزيادة أو بالامتزاج .... )[1] ، نعم هو أضاف هنا تعبير ( لو تصرف الغابن تصرفاً مغيراً للعين )، لكن السيد الماتن لم يذكره، ولكن وإن لم يذكره ولكنه مقدَّر، وإلا فالامتزاج أو الزيادة أو النقيصة لا تحصل إلا بالتصرف من قبل الغابن الذي هو المشتري.

ونلفت النظر إلى أنَّ هذه المسألة أنسب بالكتب العلمية من الرسالة العملية، ولو كانت تذكر بصورة مختصرة لكان أفضل.

أما بالنسبة إلى مسألتنا:- فالكلام يقع تارةً في حالة النقيصة، وتارةً في حالة الزيادة، وأخرى في حالة الامتزاج:-

أما حالة النقصية:- فإذا فسخ البائع ووجد أنَّ العين - التي أخذها المشتري الغابن - قد نقصت، كما لو باع البائع كيساً من الرز للمشتري فيه عشرة كيلوات بخمسة دنانير ولكن لم يكن ملتفتاً إلى أنه قيمته عشرة دنانير، فهنا للبائع حق الفسخ لكونه مغبوناً، فإذا وجد أنَّ المشتري أكل منه كيلوين مثلاً ففي مثل هذه الحالة يأخد البائع المبيع مع أرش النقيصة، قال السيد الماتن:- ( فإن كان بالنقيصة أخذ البائع من المشتري المبيع مع أرش النقيصة )، ولكن ما المقصود من أرش النقيصة، فهل هو ثمن ما يعادل الكيلوين للذين أكلهما المتشري بالقياس إلى الثمن أو بالقياس إلى القيمة الواقعية؟ إنه لا معنى لكونه بالقياس إلى الثمن المسمّى لفرض أنَّ البائع كان مغبوناً، فإذا أراد أن يأخذ الأرش بالقياس إلى الثمن فإذا كانت القيمة الواقعية لكل كيلو هي دينار واحد فلعله المشتري سوف يدفع إليه نصف دينار، وهذا أقل من القيمة الواقعية والمفروض أن البائع مغبون، فإذاً ملاحظة الأرش بالنسبة إلى الثمن المسمى غير صحيح لأنَّ المفروض أنَّ هذا الثمن باطل فلا معنى لملاحظته، لأنه قد فسخ، فإذاً المقصود من أرش النقيصة هو القيمة السوقية، فإذ كانت قيمة الكيلو منه بدينارٍ لزم المشتري أن يدفع للبائع المغبون دينارين وإذا قالوا إنَّ قميته دينارين فيلزم أن يدفع أربعة دنانير، هذا إذا كان المبيع قيمياً، وأما إذا كان مثلياً فيدفع له المثل إلا إذا رضي البائع المغبون بالقيمة، وليس من البعيد هنا أنه يريد القيمة، لأنه يريد أن يبيعه فلا معنى لأن يرجع له المثل.

ثم إننا نقلنا في المسألة السابقة شيئاً عن الشهيد الثاني(قده) في مسالكه إنه قال:- إذا فسخ المغبون فيمكن أن يقال إذا لم تكن العين موجودة فلا ضمان على المشتري، والنكتة التي استند إليها هي أنه تصرَّف في ملكه فلماذا يضمن قيمته للبائع المغبون؟!!، قال:- ( وإن وجد العين ناقصة فإن لم يكن النقص بفعل المشتري أخذها إن شاء ولا شيء له، وإن كان بفعله فالظاهر أنه كذلك لأنه تصرف في ملكه تصرفاً مأذوناً فيه فلا يتعقبه ضمان )[2] .

ونحن عقلّنا في المسألة السابقة وقلنا:- إنَّ الارتكاز المتشرعي والعقلائي منعقدان على أنَّ الفسخ إن تم فلابد من ارجاع كل عوضٍ إلى صاحبه كاملاً، فإنَّ معنى الفسخ هو هذا، وما ذكره الشهيد الثاني(قده) غريب.

وإذا قلت:- ما الدليل على هذا الارتكاز؟

قلنا:- إن كان هذا الارتكاز متشرعياً فهذا معناه أنه أخذ يداً بيد من معدن العصمة والطهارة، يعني زرارة ومحمد بن مسلم وأمثالهم أخذوا ذلك من الامام عيله السلام ولكن ليس على مستوى رواية مكتوبة أو متلفظ بها بل أجواء واضحة تلقوها من بيت العصمة والطهارة في هذا المعنى، وأما إذا كان الارتكاز عقلائياً فحيث إنه لم يرد الردع عنه فذلك يدل على الامضاء.

إن قلت:- إنَّ هذا شيء له وجاهة ولكن إذا كان هناك ارتكاز حقاً على المستوى المتشرعي أو العقلائي فكيف غاب عن الشهيد الثاني(قده) الذي هو قمّةٌ في الفقه؟!! فإنَّ هذا إن دل على شيء فإنما هو يدل على أنَّ دعوى الارتكاز ليست ثابتة.

قلت:- إنَّ هذا الارتكاز بقوّته لا يمكن التشكيك فيه، وهل يحتمل عاقل أو متشرع أنه بالفسخ لا يرجع كلّ من العوضين إلى صاحبه وإنما يرجع أحدهما دون الآخر؟!! فإنَّ هذا خلف الفسخ، فالشهيد الثاني(قده) لم يكن ملتفتاً إلى ذلك.


[1] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج193.
[2] مسالك الافهام، الشهيد الثاني، ج3، ص205.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo