< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/07/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 132 ) حكم ما إذا فسخ البائع المغبون وكان المشتري قد تصرف بالمبيع تصرفاً مغيراً له - المسقط الثالث من مسقطات خيار الغبن – الفصل الرابع ( الخيارات ).

وفي مقام التعليق على ما ذكر نقول:- إنه لا مانع من التزام بكلا الأمرين ولا منافاة - يعني يلتزم بأنَّ صفة الخياطة لا تقابل بجزءٍ من المال وفي نفس الوقت من تجاوز وأزال صفة الخياطة نحكم بأنه ضامن - وذلك باعتبار أنه قد حدث نقصٌ في قيمة العين، فأولاً العين كان يرغب فيها ويدفع في مقابلها مالاً كثيراً ولكن حينما أزيلت عنها الخياطة فلا يدفع في مقالبلها ذلك المال الكثير.

فلا يلزم من عدم مقابلة صفة الخياطة مثلاً بمالٍ حسب ما تقتضية المرتكزات العقلائية وهذا نسلّم به، ولكن في نفس الوقت لا نسلَّم بأنَّ من ازال صفة الخياطة عن قطعة القماش لا يكون ضامناً، وإنما يكون ضامناً للنقصان الطارئ عليها، فإنَّ قيمة هذه القطعة من القماش حينما كانت مخيطة كانت أرقى وقد هبطت بسبب ازالة صفة الخياطة عنها، فحينئذٍ الضمان موجود، وهذا لا يسجّل كنقضٍ على من يقول إنَّ هذه الصفات مضمونة والضمان يكون بهذا الشكل الذي أوضحناه، يعني بمعنى أنه سوف تنقص قيمة الثوب فيضمن مقدار النقصان بسبب زوال تلك الصفة، فرجع ذلك إلى ضمان تلك الصفة.

إن قلت:- إنَّ نقصان القيمة ليس من موجبات الضمان، فإذا فرض أنَّ شخصاً حبس كتاب شخصٍ آخر وكانت قيمة الكتاب عالية ثم أرجعه إلى صاحبه بعد فترةٍ ولكن كانت قيمتة هابطة في ذلك الوقت ففي مثل هذه الحالة هل يضمن الحابس ما يقابل الهبوط؟ إنه لا يضمن ذلك، وهكذا لو فرض أنَّ شخصاً غصب دار شخصٍ وحينما ارجعها إليه كانت قيمتها السوقية هابطة فإنه لا يضمن ذلك، باعتبار أنَّ ارتفاع القيمة السوقية هو أمر اعتباري وليس حقيقي فلا ضمان، والسيرة والمرتكزات العقلائية جارية على ذلك، فكيف هنا حكما بثبوت الضمان بلحاظ قطعة القماش حينما أزيلت عنها الخياطة وهبطت قيمتها؟

والجواب:- إنَّ هذا الاشكال وجيه فيما إذا كان تنقصان القيمة ليس بسبب زوال بعض الصفات وإنما كان بسبب أن نفس القيمة السوقية التي ترتفع وتهبط من دون تغيرٍ في العين أبداً فهنا يقال إنَّ القيمة السوقية لا يكون هبوطها مضموناً، وأما إذا كان الهبوط بسبب زوال صفةٍ من صفات العين كما هو المفروض في محل كلامنا، فإنه قد زالت صفة الخياطة، ومعه يكون الثوب مرغوباً أكثر كما هو واضح، ففي مثل هذه الحالة لا يوجد ذلك الارتكاز العقلائي على عدم ضمان هبوط القيمة السوقية وإنما ذلك يختص بحالة ما إذا كان الهبوط هبوطاً سوقياً من دون تغيّرٍ في الصفة، وأما إذا حصل تغير في العين بسبب زوال الصفة فذلك يحكم بكونه مضموناً كما هو واضح.

ومن خلال هذا كله نخرج بهذه النتيجة:- وهي أنَّ هذا البحث[1] عقيم، والوجه في ذلك:- هو أنا إما أن نلتزم بأنَّ زيادة قيمة قطعة القماش تكون في مقابل صفة الخياطة، أو تكون في مقابل قطعة القماش لا الخياطة، فإن كانت في مقابل الخياطة فيضمن البائع قمية الخياطة، لأنَّ المشتري هو الذي أحدثها، وإن فرضنا أنَّ قيمة العين قد راتفعت وزيادة القيمة كانت في مقابل العين وليس في مقابل الصفة فسوف يضمن البائع هذه الزيادة للمشتري وإن لم تكن بلحاظ العين ولكنها تكون بلحاظ قيمة العين، وعليه فصحيحٌ أننا نسلّم بأنَّ الصفات لا تقابل بالمال ولكن هذا لا يعني أنَّ البائع لا يضمن للمشتري الزيادة الحادثة في القيمة، بل هو يضمنها له إذ حدث ارتفاعٌ في قيمة العين، ومن الواضح كما قلنا سابقاً أنَّ الضمان لا يكون في نفس العين بحيث يصير جزءٌ من العين للمشتري الذي صنع هذه الصفة وإنما تكون بلحاظ قيمة العين، فلو فرض أنه بعد أن رجعت العين إلى البائع بعد فسخه ثم باعها بعشرة دنانير وفرض أنَّ صفة الخياطة كانت تُعادَل بدينارين فسوف يستحق المشتري خمس قيمة الثوب.

ونبقى نؤكد على شيء آخر:- وهو أنَّ هذا كله يأتي فيما إذا فرض أنَّ المشتري صنع هذه الزيادة في ملكه - أي قبل فسخ البائع المغبون - فهنا يأتي كلامنا وأنه هل يستحق ما يقابل هذه الزيادة أو لا، وقد قلنا هو يستحقها لأنه رفع قيمة الثوب وقد صنع ذلك في ملكه، ولا نقول بذلك فيما إذا فرض أنَّ شخصاً اشتبه وتصور أنَّ قطعة القماش هذه هي له لتشاببها مع قطعة قماشه فخاطها، فهنا لا نقول باستحاق المشتري لما يقابل الخياطة من القيمة، لأنه قد صنع ذلك من دون أمرٍ من البائع والمفروض أنَّ المالك هو البائع وليس المشتري، أما المشتري فهو قد صنع هذا بتخيّل أنَّ قطعة القماش هي ملكه اشتباهاً، والعقلاء يحكمون بعدم استحقاقه لشيء.

والنتيجة التي انتهينا إليها:- إنَّ الصفة التي صنعها المشتري - كالخياطة في قطعة القماش - تكون مضمونةً للمشتري إذا فسخ البائع، ولكن تكون مضمونة له لا في نفس العين وإنما في قيمتها عندما يفسخ البائع المغبون، وحينئذٍ يستحق المشتري ذلك من باب أنَّ قطعة القماش قد راتفعت قيمتها بفعله وكان من حقه أن يصنع ذلك لأنها كانت ملكه، فتكون مضمونة له في القيمة.

إن قلت:- إنَّ الدليل الذي استندنا إليه في اثبات الضمان ليس إلا الارتكاز وأنّ المرتكزات العقلائية تقتضيي ذلك، باعتبار أن المشتري صنع هذا في ملكه فيستحق جزءاً من قيمة العين التي ارتفعت قيمتها، والحال أنَّ الارتكاز ليس من أحد الأدلة الشرعية، فإنَّ الأدلة الشرعية أربعة والارتكاز العقلائي ليس منها؟

والجواب:- هناك مقدمة موجودة ونحن نسكت عنها دائماً لوضوحها، وهي عدم ردع الشرع عن هذا الاررتكاز، فإنَّ عدم الردع يدل على إمضاء هذا الارتكاز، وبذلك تثبت حجيه.

إن قلت:- إنه على هذا سوف تصير الأدلة على الأحكام الشرعية خمسة وليست أربعة؟

قلت:- إنَّ هذا الارتكاز حيث كانت حجيته بسبب امضاء المعصوم بسكوته فقد عادت حجيته إلى السنَّة وصار مصداقاً من مصاديق السنَّة، غايته بالامكان أن نقسّم السنَّة إلى قسمين، سنَّة ناطقة، وسنَّة صامتة، والسنَّة الناطقة هي مثل قول المعصوم أو فعله، والسنَّة الصامتة هي سكوته، فإنَّ سكوته عن هذا الارتكاز يكون سيرةً صامتة.

بل لا نحتاج إلى هذا التطويل وإنما يكفينا أن نقول إنَّ من أحد مصاديق السنَّة هو التقرير، وهذا تقريرٌ للمرتكزات العقلائية، ولا يختص التقرير بإمضاء الفعل الخارجي، بل يكفي أن يكون امضاءاً للارتكاز العقلائي أيضاً.

فإذاً انتهينا إلى ثبوت الضمان ولكن في القيمة، فلو فرضنا أنَّ قطعة القماش كانت قيمتها خمسين ديناراً وبالخياطة ارتفعت إلى ستين فسوف يصير المشتري شريكاً مع البائع في سدس القيمة.

وقد يقال:- إن الصوف وإن كان موجباً لزيادة القيمة إلا أن ارتفاع القيمة السوقية مجرد اعتبار كما جاء في كلمات السيد الخوئي(قده)[2] والأمر الاعتباري لا يترتب عليه اثر ولا يثبت به الضمان نظير من حبس كتاب الغير أو داره إلى أن هبطت قيمته فإن هبوط القيمة السوقية فبما ان القيمة أمر اعتباري فلا ضمان؟


[1] وهو بحث أن قطعة القماش لو خاطها المشتري المغابن ثم بعد ذلك أرجعها إلى البائع المغبون بعد فسخه فهنا يوجد كلام وهو أنه هل البائع يضمن صفة الخياطة للمشتري لو أزالها البائع، والسيد الماتن قال لا يضمن.
[2] محاضرات في الفقه الجعفري، الخوئي، ج4، ص291.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo