< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/07/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 134 ) - المسقط الثالث من مسقطات خيار الغبن – الفصل الرابع ( الخيارات ).

مسألة ( 134 ):- الظاهر أنَّ الخيار في الغبن ليس على الفور فلو أخّر انشاء الفسخ عالماً عامداً لانتظار حضور الغابن أو حضور من يستشيره في الفسخ وعدمه ونحو ذلك من الأغراض الصحيحة لم يسقط خياره فضلاً عما لو أخره جاهلاً بالغبن أوب ثبوت الخيار للمغبون أو غافلاً عنه أو ناسياً له فيجوز له الفسخ إذا علم أو التفت.

..........................................................................................................

تشتمل المسألة على حكم واحد: -

وهو أنَّ خيار الغبن فوري لكن لا بالمعنى المصطلح وإنما بمعنى عدم التأخير لا لعذرٍ، فتارةً يتأخر المغبون عن إعمال الفسخ من دون عذرٍ فهنا يسقط خياره، وأما إذا كان عدم إعماله للخيار عن عذرٍ - كما لو لم يكن يعلم بكونه مغبوناً أو كان ينتظر مجيء الغابن حتى يفسخ أمامه أو ما شاكل ذلك - فالخيار يكون باقياً.

ويمكن أن تصاغ هذه المسألة بصياغة جديدة فيقال: - ( خيار الغبن فوري بمعنى عدم التأخير لا لعذر وأما إذا كان عن عذر فلا يسقط ).

وقد تعرض الشيخ الأعظم(قده) في مكاسبة إلى هذه المسألة مرتين مع فاصل بينهما:- وفي المرَّة الأولى أخذ بنقل ما قاله الأصحاب، وفي المرَّة الثانية أخذ بتحقيق المطلب بنفسه.

أما كلامه الأول فقال:- ( اختلف أصحابنا في كون هذا الخيار على الفور أو على التراخي على قولين واستند للقول الأول - وهو المشهور ظاهراً - إلى كون الخيار على خلاف الأصل فيقتصر فيه على المتيقن ... )[1] ، فإنَّ الأصل هو اللزوم في العقود، ففي كل موردٍ هو خلاف الأصل نقتصر فيه على القدر المتيقن في مخالفة الأصل.

وما نقله الشيخ الأعظم(قده) مبني على أنَّ مستند خيار الغبن هو إما قاعدة لا ضرر أو رواية ( نهى النبي عن تلقي الركبان ) وأثبت الخيار، وهذا ما ذكره العلام(قده) قال:- ( إنَّ النبي صلى الله عليه وآله اثبت الخيار في تلقي الركبان وإنما اثبته للغبن )، فعلى هذه المستندات القديمة يكون القدر المتيقن من قاعدة لا ضرر ومن رواية تلقي الركبان هو ثبوت خيار الغبن بمقدار الحاجة، والحاجة تتأتى بما كان الخيار فورياً، وتنقضي الحاجة بذلك، أما ما زاد فلا يشمله لا ضرر كما أنَّ رواية تلقي الركبان القدر المتيقن منها الخيار الفوري، وأما على المبنى الجديد في خيار الغبن وهو التمسك بفكرة الشرط الضمني في اثبات خيار الغبن، فإنه بناءً عليه لا معنى لما ذكره الشيخ الأعظم(قده)، فإنَّ ما ذكره لا يتم مع الشرط الضمني، بل المناسب معها أن نلاحظ الشرط الضمني وما هو المشترط ضمناً بين المتعاقدين وهل هو الخيار الفوري أو الخيار المتراخي ونسير على طبقه، وليس من البعيد أنَّ الفورية المعتبرة هي فيما إذا لم يكن هناك عذرٌ عقلائي في التأخير، فإنَّ الشرط الضمني يقتضي هكذا، فإنَّ العاقل يشترط خيار الغبن بهذا الشكل، بمعنى أنه إذا لم يكن هناك عذرٌ في التأخير فلا يشترطه وإنما يشترطه في فترةٍ فوريةٍ مادام لا عذر في التأخير.

وأما كلامه الثاني[2] فهو مركّب من ثلاثة أمور:-

الأمر الأول: - إنه لا يجوز التمسك بعموم ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ لإثبات لزوم العقد الغبني في الآنات المتأخرة عن الفترة الأولى التي لم يُعمِل فيها الخيار.

الأمر الثاني: - لا يمكن التمسك باستصحاب خيار الغبن لإثباته في الآن الثاني والثالث، أي بعد الآن الأول.

ونحن نقول: - إنه بعد ضمّ الأمر الأول إلى الأمر الثاني تصير النتيجة هي أنه لا يمكن اثبات اللزوم بالأدلة والقواعد - مثل ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ - في الآن الثاني، كما لا يمكن اثبات الخيار بالقواعد - يعني بالاستصحاب -، ثم انتقل إلى الأمر الثالث.

الأمر الثالث: - إنه بعد ذلك لابد وأن نرجع إلى ما تقتضيه القاعدة، يعني نشك هل يوجد خيار في الآن الثاني أو لا يوجد، ومادام لا يمكن التمسك بـ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ لنفي الخيار، كما لا يمكن التمسك بالاستصحاب لإثبات الخيار، فلابد إذاً أن نفتّش عن قاعدةٍ أخرى تشخّص لنا الموقف، أما ما هي هذه القاعدة؟ فهذا ما ستأتي إن شاء الله تعالى.

ثم قال: -

أما بالنسبة إلى الأمر الأول - وهو أنَّ ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ لا يمكن التمسك به في الآنات البعدية التي تقع بعد الآن الأول -:- فباعتبار أنه ليس من البعيد أنَّ مفاد ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ هو النظر إلى العقد الذي هو من بدايته لازمٌ، ولم ينظر إلى العقد الذي لا لزوم في بدايته، وفي المقام لا لزوم في البداية لفرض ثبوت خيار الغبن ولكنه لم يُعمِله، وعليه فيشكل التمسك بــ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ به لإثبات اللزوم في الآن الثاني وما بعده بعدما كنّا نحتمل - ويكفينا الاحتمال - أنَّ مفاد ﴿ أوفوا ﴾ لإثبات اللزوم من بداية العقد لا من بعد البداية، والمفروض في مقانا أنه لا يوجد لزوم وإنما يوجد خيار الغبن جزماً، وإذا أردنا أن نثبت اللزوم فلابد وأن نثبته من بعد الآن الأوّل، وعموم ﴿ أوفوا ﴾ لا قدرة له على اثبات اللزوم بعد الآن الأول، وإنما قدرته هي اثبات اللزوم من البداية.

وأما بالنسبة إلى الأمر الثاني - هو أنَّ استصحاب الخيار لا يمكن التمسك به - فيمكن أن يقال: - إنَّ الخيار ثابت لمن انحصر أمره بالخيار بحيث لا يمكنه الفسخ لسببٍ وآخر، فإذا لم يمكنه الفسخ لسببٍ وآخر يأتي الخيار ويثبت له، وفي مقامنا كان بإمكان المغبون أن يفسخ في الآن الأول ولكنه ترك الفسخ عن عمدٍ وتهاونٍ، وهل مثل هذا يكون موضوعاً للخيار؟!!، إنما الخيار ثابت لمن انسدَّت عليه الأبواب، والمفروض أنَّ الباب كان مفتوحاً لهذا الشخص، لأنه كان بإمكانه الفسخ في الآن الأول ولكنه تركه عن عمدٍ لا عن عذر، فمثل هذا الشخص يشك في ثبوت الخيار له، فلا معنى حينئذٍ لاستصحاب الخيار في حقه.

وبعد أن لم يمكن اثبات اللزوم وبعد أن لم يثبت الخيار بالاستصحاب لابد أن نرجع إلى قضية أخرى ونلاحظها وذلك بأن نقول: - نحن نشك إذا فسخ المغبون في الآنات البعديَّة هل يترتب أثرٌ على فسخه أو لا؟، وهذا شكٌّ في ترتّب الأثر، والمناسب عدم ترتّبه، وبذلك نكون قد وصلنا إلى فورية الخيار من هذا الطريق.


[1] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج5، ص206.
[2] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج5، ص212.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo